- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: اقتصاد الإهانة.. الطيور المغردة والكلاب النابحة!
سامح المحاريق يكتب: اقتصاد الإهانة.. الطيور المغردة والكلاب النابحة!
- 7 أبريل 2023, 11:40:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كلب ذهبي يستقبلك بمجرد دخولك إلى موقع تويتر، العصفور الأزرق لم يعد موجوداً، والموقع الذي كان يعتبر موطناً افتراضياً للنخبة العالمية أصبح في النهاية موضوعاً لاحتكار المزاج الخاص لأكثر الرجال ثراءً في العالم، أو على وجه الدقة، ما يفترض أنه كذلك، فالأسهم التي يمتلكها في الشركات الواعدة التي يعتقد المستثمرون أنها ستشكل العالم مستقبلاً تبقى هي المعيار الأساسي في ثرائه، وبناء على أسعارها يهبط إيلون ماسك أحياناً إلى المرتبة الثانية، وربما يختفي فجأة كما ظهر فجأة من قائمة السوبر أثرياء في العالم.
الحالة المالية والإدارية لموقع تويتر الذي تكلفت عملية الاستحواذ عليه أكثر من أربعين مليار دولار، ولّدت حالة من الإحباط لدى ماسك، وجعلته يتصرف بطريقة صبيانية وانتقامية، على الأقل في مقاييسنا الاعتيادية، ولكن هذه التصرفات ليست بالجديدة عليه، وتكاد تشكل فصلاً جديداً من تصرفاته الغريبة التي وصلت إلى ذروتها مع تدخينه الماريجوانا على الهواء مباشرة، في لقاء مباشر على شبكة الإنترنت، والقصة كلها يمكن استيعابها من جانب ماسك في شخصيته النزوية، أما على الجانب المقابل، وبين مستخدمي الموقع، فالظاهرة معقدة وتتمثل في عدم الوعي بالإهانة الجمعية من ناحية، أو الإغضاء الكامل عن فكرة الإهانة بصورة تواطئية بين المستخدمين.
اللعبة العميقة لمواقع التواصل كانت تحتاج لرجل يمتلك النزق والغرور مثل ماسك، ليبدأ في تفكيك هذه الإمبراطوريات الافتراضية التي تعمل على إعادة صياغة العالم
أخذ العالم في العقد الأخير، وبجانب توزيعاته العرقية والطبقية، يتوزع في طوائف عظيمة وممتدة بين مواقع التواصل، فالرواد المزمنون لموقع الفيسبوك يمتلكون طريقة تفكير مختلفة عن مدمني موقع الإنستغرام، وجميعهم بعيدون عن الذين يرون العالم من منظور التويتر، ويبقى التويتر الأكثر نخبوية بين هذه المواقع، فهو يعطي القدرة على الخطاب بصورة إملائية، محددة وقاطعة، رأي مختصر، وكأن صاحبه لا يمتلك الكثير من الوقت ليدلي بأقواله للعالم، يتقمص في داخله صورة الرجل المهم الذي يخرج من اجتماع بالغ الخطورة، فتتلقفه ميكروفونات الصحافيين وكاميرات المصورين ليلقي بتصريح مقتضب، وربما ينظر لهم شزراً وكله ضيق، ليلقي التعبير الشهير: لا تعليق! كانت العلامة الزرقاء التي يمنحها تويتر بعد فحص وتمحيص ودراسة لبعض من رواده، أحد أدوات التمييز بين المستخدمين، بين الأشخاص الذين يمتلكون الأهمية والحيثية بالفعل، والآخرين الذين يريدون البقاء قريباً من هذه الأجواء لتصلهم معلومات طازجة تمكنهم من استعارة أهمية المؤثرين في تويتر في حياتهم اليومية، وكانت هذه واحدة من الحيل التي يسوقها الموقع من أجل بناء هويته وعلامته التجارية، والأهم من ذلك، هيبته Prestige ، ومضت الأمور بصورة جيدة لسنوات، جعلت المستثمرين يتغاضون عن الواقع المالي والإداري للموقع، ولكن ماسك لا يعترف بهذه الأمور ولا يقيم لها الكثير من الوزن، فالأموال الطائلة التي وضعها في الموقع يجب أن تعود كاملة مع هوامش ربحية مرضية، والمسألة كلها تتعلق بسمعته بوصفه الشخص الذي يحول الرمال ذهباً. المشكلة أن ماسك لا يتعامل مع شهوانية السعي وراء الربح الذي كان يمكن بعض المحتالين وما زال من تجميع أموال المستثمرين من أجل أرباح موعودة، ففي التويتر البيئة مختلفة، أناس متشككون يبحثون عن الحقيقة، أو يبحثون عن فرصة للكلام، وكلها بيئة خصبة متعددة الغرائز والعقد النفسية خلافاً للعبة الأسواق المالية التي تركز على الجشع، والعمل على فضح اللعبة من الداخل مكلف للغاية، وغالباً ما يحدث يمكن أن تنطبق عليه مقولة الافتقاد إلى كتاب في التاريخ يمكن الرجوع إليه، التي أطلقها أحد المراقبين على هامش الأزمة المالية العالمية سنة 2008. اللعبة العميقة لمواقع التواصل كانت تحتاج إلى رجل يمتلك النزق والغرور مثل ماسك، ليبدأ في تفكيك هذه الإمبراطوريات الافتراضية التي تعمل على إعادة صياغة العالم، وتغيير مسارات المعرفة وإعادة تعريف مفاهيم الحرية والعدالة من جديد، والوصول إلى الإنسان الجديد، أو ما يمكن وصفه بإنسان ما بعد الإنسانية، ومع أن ما يفعله ماسك يستحق على الأقل الانتباه من المستخدمين الذين سيجدون أنفسهم يستخدمون تعبير النباح مع الوقت، تماشياً مع الكلب الذهبي الذي يقابلهم لدى دخول الموقع، فإن الصمت المطبق يمكن ملاحظته بينهم، وبينما يبدي معظمهم آراءهم في كل شيء وأي شيء، وكأن العالم لن ينام قبل أن يعرف توجههم في هذه القضية أو تلك، ولذلك فهم لا يقومون بالمساس بالأوهام التشاركية بينهم.
ماسك الذي طالب بالتخفيف من وتيرة الذكاء الصناعي قبل أيام، يتشارك في اللعبة نفسها، ويعرف أن العالم سيسلم كثيراً من أوراقه لتلك الشاشات التي تتحكم فيه، والقصة وما فيها، أنه لا يريد أن يفوته القطار وهو منشغل في ترتيب أوراقه في تويتر، لأن موقفه الذي يبدو أخلاقياً من الذكاء الاصطناعي، لا يتسق بأية حال مع ممارساته في تويتر تجاه موظفي الموقع أو مستخدميه أو المستثمرين فيه.
التسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي بعد السيطرة على جانب هائل من معلومات البشر في مواقع التواصل، ومشاريع الرقمنة القائمة، يتخذ سلوكاً سرطانياً، وهذه الفقاعة من الصعب التنبؤ بالحيز الذي ستشغله والفضاء الذي ستتمدد داخله، وأثرها على البشر وحياتهم في المستقبل، لأنها في جانب منها، تحقق تقدماً في الذكاء الصناعي وتراجعاً في الذكاء الإنساني، وربما يتحول الأمر إلى الغباء، بحيث جرى التوافق الكامل على تجاهل إهانة ماسك الضمنية، والغباء الإنساني كما ينسب إلى آينشتاين لا حدود له.
كاتب أردني