- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
سامح المحاريق يكتب: الأحزاب الأردنية ومستقبل الإصلاح السياسي
سامح المحاريق يكتب: الأحزاب الأردنية ومستقبل الإصلاح السياسي
- 19 مايو 2023, 12:19:45 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تخلصت الأردن في الأيام الأخيرة من بعض فوضى الكيانات الحزبية القديمة، لتبدأ بفوضى جديدة، في مشهد شبيه لما قدمه الكوميديان عمرو عبد الجليل وهو يخاطب ضيوفه: «دعونا ننسى أخطاء الماضي، ونعمل أخطاء جديدة»، وفي المشهد القائم الذي يضم حالياً 26 حزباً يفترض أن تتقدم الأحزاب للتنافس على أكثر من أربعين مقعداً في الانتخابات النيابية المقبلة، من أصل 130 عضواً يشكلون قوام المجلس.
يأخذ الكثيرون من هذا المبدأ رؤية سلبية، فالمنضوون حزبياً، يشكلون في أحسن الأحوال نسبة لا تتخطى 0.5% من السكان، فكيف يمكن أن يحصلوا على نحو ثلث المجلس النيابي المقبل، وحصص أكبر بعد ذلك؟ وفي الحقيقة، فإن عدد أعضاء الحزب موضوع منفصل تماماً عن عدد الأصوات التي يحصل عليها، لأن العضو في الحزب فاعل سياسي، والناخب مستهلك في الجانب الآخر، ولكن المشكلة تكمن أساساً في المهلة التي تفصل بين تشكل الأحزاب ضمن قانون جديد وبين خوضها المنافسة على حصة جزيلة من المجلس، ضمن مجتمع سياسي لم يعرف دوراً مؤثراً للأحزاب منذ أكثر من ستين عاماً.
ما الذي يمكن أن ينتجه الزحام الحزبي؟ بالتأمل في تجربة سابقة قامت على القوائم الانتخابية تعمقت ظواهر مثل رأس القائمة الانتخابية والحشوات، بمعنى أن القائمة تقوم على دعم شخص معين، ويستخدم بقية الأعضاء من أجل تجميع الأصوات، ولم يحدث إلا نادراً فوز شخصين من القائمة نفسها، بمعنى أنه تمت (أردنة) مدخل القوائم لتصبح في النهاية (عرض الرجل الواحد One Man Show)) وللأسف لا توجد ضمانة للخروج من ذلك في ظل الأحزاب التي رخصت في الأردن من أطياف (القائد الضرورة والقائد التاريخي) على مستوى الحزب.
صندوق الأفكار الذي حملته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كان يعمل على هندسة تتطلب التوافق مع رغبة ملكية في المضي قدماً بطريقة جدية بعد سنوات من التأجيل والتسويف، خاصة أن المسيرة كان يفترض أن تبدأ بصورة متزامنة مع المغرب الذي قطع أشواطاً مهمة على الرغم من وجود كثير من التحفظات والخيبات المرتبطة بالتجربة المغربية.
طرحت الرغبة الملكية في الأوراق النقاشية التي وضعها الملك عبد الله الثاني لتكون أرضية للنقاش، إلا أن الأمور جرت، كما هي العادة ضمن التقاليد الأردنية، في استجابة حماسية من الداخل، أو نقد سلبي ومتشكك من الخارج لا يقدم بدائل ولا تصورات واقعية، ولم يحدث حوله النقاش الضروري الذي استهدفـته الأوراق النقاشية في عنوانها ومضمونها.
طرحت الرغبة الملكية في الأوراق النقاشية التي وضعها الملك عبد الله الثاني لتكون أرضية للنقاش، إلا أن الأمور جرت، كما هي العادة ضمن التقاليد الأردنية، في استجابة حماسية من الداخل أو نقد سلبي ومتشكك من الخارج
لم تؤهل تركيبة اللجنة، وهي واسعة وشملت معظم الأطياف السياسية، للخروج سوى ما يتعامل مع السياق القائم من منطلق (ردة الفعل) من غير أن تؤسس لفعل حقيقي كان يفترض أن يبدأ منذ سنوات طويلة، وأن يقوم على أدوات الدولة المختلفة مثل المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية، أي جانب الاستهلاك السياسي، وهو المسؤول عن كثير من الخلل، فكثافة الانتخاب على أسس القرابة أو المصلحة الذاتية قصيرة المدى أو القناعات العقائدية تخلق مشهداً لا يمكن أن تتم ترجمته في إدارة حصيفة لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، وخاصة الاقتصادية.
عادةً ما يفهم الخطاب الملكي في الأردن على أنه خطاب ذو مستوى واحد، والمفارقة أن أي خطاب سياسي في حد ذاته هو خطاب متعدد المستويات، فالملك الذي انتقد سابقاً تغيب البرامج التفصيلية والواقعية القائمة على المعلومات والإحصائيات، وطغيان النزعة الإنشائية في صياغة البرامج الحزبية، فهمت توجهاته بأنها إعلان عدم الرضا عن الأحزاب الأيديولوجية، حيث يمنح الناخب أو المستهلك السياسي ثقته للأيديولوجيا الثابتة والمستمرة والتي يمكن التنبؤ بسلوكها، فالحزب الاشتراكي أو اليساري لن يصوت على تخفيض موازنة الصحة أو التعليم إلا للضرورة القصوى، ولكنه لن يتعامل بمرونة مع استقطاب الاستثمار الخارجي وشروطه. أما البرنامج فهو مرحلي لا يقرأه أحد من الناخبين ولو قرأوه فإنهم لن يفهموه بالتفصيل، وستبقى اللمسة الأيديولوجية هي العامل الرئيسي في تحديد التوجه السياسي الذي يصلح لبناء هوية سياسية واقتصادية للدولة.
تجنباً للشخصنة، فالحديث عن (فلان) وما أكثر من يشتركون في الصفات والخلفيات مع هذا الفلان المرسل، لا يتضمن مطلقاً التعرف على هويته وفكره الشمولي تجاه الدولة، فحضوره أتى من باب وجوده مسؤولاً تنفيذياً في حكومة أو أخرى، وسيرته الذاتية ركزت على مسوغات تواجده التكنوقراطية أي الفنية، وربما يحتاج كل مواطن في هذه الحالة إلى وجود خبير سياسي ومستشار انتخابي بجواره ليضعه في صورة النتائج الخاصة بتصويته.
التعديلات الدستورية التي أجريت قبل سنوات وأناطت مسؤولية تعيين المسؤولين الأمنيين بالملك منفرداً، قامت على تراث تعامل مع الخطاب الحزبي نفسه، ومدى شعبويته وانعدام واقعيته، فما زالت خطابات استعادة الأندلس قائمة، ولو على استحياء، في بعض الأوساط السياسية، ومن ثم أتى مجلس الأمن الوطني مقترحاً واتخذ على أساس أنه باب للنقد والتشكك والتخوف، مع أن المجلس نفسه متواجد في الدستور المغربي. وفي هذا السياق، يمكن الاختلاف مع تفسير نائب رئيس الوزراء السابق ممدوح العبادي، والذي ذهب إلى المجلس المغربي للتشاور، وكان ذلك على أساس قراءة المادة الدستورية المغربية من باب لا تقربوا الصلاة، لأنها تنص على التدبير حالات الأزمات، والتدبير مرحلة تتجاوز مجرد الإدارة، والسهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة، ولكن الواقع، أظهر أنه لم تكن ثمة حاجة فعلية لتفعيل المجلس بطريقة صدامية.
هذه التعديلات، مع الإيقاع السريع للتحول إلى حياة حزبية، والتغاضي عن تشكل نفس العيوب التاريخية في الممارسات السياسية، يوحي برغبة في التحول إلى حكومة نيابية ستتحول مع الوقت في ظل معطيات المشهد الحزبي والأوضاع الإقليمية والتطورات على المستوى الاقتصادي العالمي وانعكاساتها محلياً، إلى مشكلة في حد ذاتها من حيث يفترض أن تكون حلاً.
من الضروري أن ينظر الأردن بواقعية للمرحلة المقبلة، والتوقع المنطقي أن أول حكومة نيابية ستسقط في الشارع أو استباقياً من قبل الملك، ببساطة لأن المتطلبات والتوقعات مرتفعة، والأزمات المرحلة أكبر من أن تتجاوزها حكومات تنتجها الأحزاب التي ظهرت على الساحة وقراءة خرائطها وتفاصيلها.
جانب كبير من الطبقة السياسية في الأردن يشبه السوائل التي تتخذ شكل الإناء الذي توضع فيه كروياً كان أو مخروطياً، أو بأي شكل، وهذه الحالة السائلة لا تتناسب أصلاً مع سيولة السياق في المنطقة والعالم، فالمطلوب تواجدات ثابتة تستطيع أن تتعامل مع التفاعلات القائمة والمحتملة، وهذه الطبقة أنتجت نفسها بصورة مستقلة، وقبلت تجربة القوائم، وانتقلت إلى الأحزاب، ويمكن أن تعمل يميناً أو يساراً أو وسطاً، وهي اشتراكية حسب الطلب، ويمينية إذا استلزم الأمر، وهذا تحديداً ما لا تتطلبه المرحلة، لأن الأردن تمكن من البقاء طافياً في المرحلة السابقة بكل صعوبتها، ولكنه يريد اليوم أن يبحر ويصل إلى جهة أفضل وأوضح.
كاتب أردني