- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
سامح راشد يكتب: فاغنر ... تمرّد أم تمثيلية؟
سامح راشد يكتب: فاغنر ... تمرّد أم تمثيلية؟
- 3 يوليو 2023, 5:29:47 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رغم الضجة الإعلامية التي أحاطت بالحدث الاستثنائي الذي وقع في روسيا الأسبوع الماضي، ووُصف بأنه "تمرّد" قامت به مجموعة فاغنر القتالية على السلطات الروسية، لا يزال الغموض يحيط بحقيقة ما جرى. ولأن روسيا دولة بوليسية محكومة بقبضة من حديد، وباستثناء محاولة واحدة ذات طبيعة خاصة (وقعت عام 1991 خلال مرحلة تفكّك الاتحاد السوفييتي)، لم تقع أية انقلابات أو محاولات تمرّد منذ أكثر من مائة عام. بالتالي، يعدّ وقوع تمرّد عسكري أو محاولة انقلابية أمراً غير متوقّع بالمرّة.
هناك أسباب وجيهة للتشكك في حقيقة ذلك التمرّد، والارتياب فيما إذا كان بالفعل تمرّداً أم "تمثيلية" أو عملية مخابراتية دبّرتها موسكو. فقد بدأ ذلك التمرّد المفترض في وقت قياسي، بشكلٍ يشي بأن محاولة التمرّد لم تكن جدّية أو لم يجر التحضير لها جيداً، فسهل إجهاضها.
في الوقت ذاته، تواترت أنباء عن تسرّب أنباء المحاولة الانقلابية مُسبقاً إلى السلطات الروسية، ما يجعل إحباطها مبكّراً منطقياً ومفهوماً. لكن لو كانت موسكو الرسمية قد علمت بالمحاولة، لكان الأولى أن تُجهض قبل وقوعها، لتتجنب روسيا الظهور دولة ضعيفة وسلطة غير مسيطرة على أذرعها العسكرية.
وفي تفاصيل ما جرى مبرّرات أخرى للتشكك، فقد قامت "فاغنر" بتحرّكات مكشوفة وإجراءات ساذجة، كما لو كانت تقوم بتمرين شكلي، وليس انقلاباً حقيقياً، مثل فرق كرة القدم حين تلعب مباراة ودّية أو تباشر تدريباً، فلا حماس ولا جدّية ولا احتياطات أو خطط بديلة. أما سلوك بوتين فلم يكن أقلّ غرابة من أداء "فاغنر" فقد أدار الأزمة ليس فقط بهدوء، وإنما أيضاً باستسهال مريب، بل إنه تسامح مع قادة المجموعة، ووفر لهم خروجاً آمناً. بينما لا يزال مصير بقية العناصر وأفراد قوة "فاغنر" غامضاً، وبالتالي مثار تساؤل وريبة.
ما لا يمكن لأحد معرفته هو هدف التمرّد، أي ماذا كان يريد قادة "فاغنر" ومسؤولوها من الانقلاب. إذ لا مبرّر واضحاً يدفع مجموعة قتالية أجيرة (مرتزقة) إلى التمرّد على الدولة التي تدفع لها لتقوم بمهامها، فللمرتزقة بطبيعتهم تركيبة نفسية مميّزة، لا مطمع لهم في السلطة، ولا وازع أخلاقيا يضبط تحرّكاتهم أو يوجهها، فهو المال أولاً وأخيراً وفقط. ومن ثم لا منطق بالمرّة في أن يفكّر أولئك المقاتلون الأجراء في الاستيلاء على السلطة، وتحمّل مسؤولية حكم دولة بحجم روسيا. فضلاً عن أن الوصول إلى هذه النقطة مرهونٌ بتجاوز صعوبات هائلة تبدأ من الجيش الروسي، بمختلف قطاعاته وأجهزة الأمن الروسية المتعدّدة والغامضة، وتشمل افتقاد الموارد اللازمة للسيطرة على الدولة، وصولاً إلى البيئة الخارجية، خصوصاً دول الجوار الحليفة لموسكو، ومدى تقبّلها هذا التحوّل الجذري في روسيا.
في المقابل، وبافتراض صحّة السيناريو العكسي، أي افتعال فلاديمير بوتين ذلك الانقلاب، لا بد أن لديه أسباباً قد يرجّح تحديدها ذلك السيناريو. منها، مثلاً، أن الغرب يُعدّ ملفاً قضائياً بحق بوتين والدولة الروسية ورفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، واتهام "فاغنر" بارتكاب جرائم حربٍ في مناطق عدّة بالعالم. كما أن مسار العمليات العسكرية في أوكرانيا بات يُنذر بطول أمد الحرب وعجز موسكو عن حسمها يتأكّد بل يتفاقم. لذلك ربما فضّل بوتين استدراج الغرب، وتشجيع أوكرانيا على مغامرة عسكرية تنتهز فيها فرصة الانشغال بذلك التمرّد المزعوم، ليحسم بوتين الحرب، ويجعل نهايتها قريبة، كما كان يتمنّى منذ اليوم الأول لها قبل 15 شهراً. ومن المفيد هنا تذكّر أن الإعلام الروسي والتصريحات الرسمية لمسؤولين روس كبار، بمن فيهم بوتين نفسه، تُكرّر منذ أسابيع أن هجوماً أوكرانياً مضادّاً كبيراً وشيك الحدوث، حتى إنه لم يبد تحذيراً من الهجوم، وإنما استعجال له، أو إلحاح عليه.