- ℃ 11 تركيا
- 4 ديسمبر 2024
سعد معن الموسوي يكنب: أمراء الذباب وأمراء الإرهاب: مقارنة بين خيال الأدب وواقع حلب
سعد معن الموسوي يكنب: أمراء الذباب وأمراء الإرهاب: مقارنة بين خيال الأدب وواقع حلب
- 1 ديسمبر 2024, 5:21:18 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عندما قرأت رواية “أمير الذباب” للكاتب ويليام غولدنغ في المرحلة الثالثة في كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، كان لها تأثير عميق عليّ. لم أكن أتوقع أن هذه الرواية الرمزية التي تناولت حياة مجموعة من الصبية الذين يُتركون على جزيرة مهجورة ستستمر في التأثير على تفكيري لسنوات بعد قراءتها. وما زلت أذكر كيف أخذني هذا النص الأدبي إلى تساؤلات حول الأنظمة الإنسانية، الفوضى، والطبيعة البشرية.
في عام 1954، كتب ويليام غولدنغ روايته الرمزية “أمير الذباب” (Lord of the Flies)، ليكشف عبر قصة الصبية الذين تقطعت بهم السبل على جزيرة مهجورة عن الجانب المظلم للطبيعة البشرية. الرواية، التي تُظهر كيف يمكن للثقافة والأنظمة الإنسانية أن تنهار عند مواجهة الظروف القاسية، لا تزال تجد صدىً قويًا في عالمنا اليوم، خاصة عند تأمل ما حدث وما زال يحدث في مناطق النزاع كمدينة حلب. فكما أظهرت الرواية تحوّل الأطفال إلى قادة فوضويين وأمراء للدمار، شهدت حلب صعود أمراء الإرهاب الذين تلاعبوا بمبادئ الإنسانية، ليثيروا الفوضى والدمار في مجتمع مثقل بالألم والمعاناة.
الرواية كمرآة للواقع
في “أمير الذباب”، تبدأ القصة بلمحة عن الأمل في إمكانية إنشاء نظام اجتماعي جديد في ظل غياب البالغين. إلا أن هذا الحلم سرعان ما يتحول إلى كابوس حين يستولي الصبية على السلطة، ويُظهرون أسوأ ما في الطبيعة البشرية من صراعات على القيادة والطمع، مما يؤدي إلى العنف والانقسام.
في الرواية، يظهر “جاك”، الذي يمكن اعتباره رمزًا للاستبداد والقوة العمياء، في مواجهة “رالف”، الذي يمثل النظام والحضارة. يتصاعد الصراع بينهما، وينتهي بكارثة إنسانية تجرد الأطفال من براءتهم، وتحوّلهم إلى قتلة.
أما في حلب، فقد تجلى هذا الصراع بأسلوب أكثر دموية، حيث تحول أمراء الجماعات الإرهابية إلى رموز للدمار والوحشية. تمامًا كما استغل “جاك” خوف الصبية من “الوحش” لفرض سيطرته، استخدم أمراء الإرهاب أدوات الخوف والدعاية للتلاعب بعقول الناس وفرض أجنداتهم. لكن الوحش في حلب لم يكن كائنًا خرافيًا؛ بل كان مزيجًا من التطرف والهمجية والطمع
أوجه التشابه بين الأميرين
1. استغلال الخوف: في الرواية، كان الخوف من “الوحش” مجرد أداة استُخدمت للسيطرة، مما جعله رمزًا للقوة المظلمة في داخل البشر. في حلب، استُخدم الدين والعقيدة بشكل مشوه لتبرير القتل والتدمير، مع ترويج مستمر لأيديولوجيات زرعت الخوف في نفوس المدنيين.
2. غياب القانون والنظام: انهيار الحضارة في الجزيرة ( المذكوره في الرواية ) انعكس في التدهور السريع للقيم الإنسانية. الأمر نفسه حدث في حلب، حيث أدى غياب القانون إلى فوضى سمحت لأمراء الإرهاب بفرض سيطرتهم المطلقة على مناطق واسعة، مع تجاهل تام لمفهوم العدالة أو الحقوق.
3. العنف كوسيلة للحكم: الصبية في الجزيرة لجأوا للعنف لتثبيت سلطتهم، تمامًا كما فعل أمراء الإرهاب الذين استخدموا أساليب القتل الجماعي والتعذيب لبسط هيمنتهم.
أين الإنسانية؟
الرواية تُظهر في نهايتها ومضة أمل حين يأتي البالغون لإنقاذ الصبية، لكنهم يجدون أنفسهم أمام مشهد يعكس أهوال الحرب التي كانوا يهربون منها هم أنفسهم. أما في حلب، فلا تزال الإنسانية تبحث عن “منقذ” وسط الدمار. السؤال المطروح هنا: إلى متى يبقى العالم متفرجًا على تحول المدن إلى جزر من الفوضى والعنف؟
“أمير الذباب” هي أكثر من مجرد رواية رمزية؛ إنها تحذير دائم من أن الفشل في الحفاظ على القيم الإنسانية يؤدي إلى انهيار الحضارة. ما حدث في حلب، على يد أمراء الإرهاب، يثبت أن هذا التحذير لا يزال حقيقيًا وملحًا. لقد آن الأوان لإعادة بناء جسور الإنسانية، ووضع حد لتكرار هذا المشهد المأساوي.
خاتمة
كما قال غولدنغ في روايته، الوحش الحقيقي ليس خارجنا، بل داخلنا. وما يحدث عندما يُترك الإنسان بدون ضوابط القيم والأخلاق هو ما شهدناه في حلب. في النهاية، الحل يكمن في تعزيز روح التفاهم والحوار، وبناء مجتمعات قائمة على السلام والعدالة .