- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
سعيد الحاج يكتب: لماذا سيفوز أردوغان في انتخابات الإعادة؟
سعيد الحاج يكتب: لماذا سيفوز أردوغان في انتخابات الإعادة؟
- 24 مايو 2023, 4:47:50 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم تحسم الانتخابات التركية إجابة السؤال الأهم بخصوصها، إذ لم يتخط أي من المرشحين الرئاسيين نسبة 50% من الأصوات، ولذلك ستجرى انتخابات الإعادة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو يوم 28 من الشهر الجاري.
انتخابات من الصفر
نظرياً، انتخابات الإعادة هي انتخابات مستقلة بذاتها، لا تبني نتائجَها على نتائج الجولة الأولى، فهي بمثابة استحقاق يعاد من الصفر، بحملة انتخابية جديدة وظروف قد تختلف، مما يفتح الباب على إمكانية صدور نتيجة مختلفة عن الأولى.
ستكون هذه هي السردية الرئيسة في الحملة الانتخابية لكليجدار أوغلو، في سعي واضح منه لشحذ معنويات أنصاره، إضافة لفكرة أنها لن تكون انتخابات عادية وإنما بمثابة استفتاء على خيارين: الاستمرار أو التغيير/التجديد. ولضمان استمرار حماسة أنصاره، يركز خطاب كليجدار أوغلو على أنه لم يخسر الجولة الأولى، وإنما خسرها أردوغان الذي لم يستطع الحسم في الجولة الأولى كالمعتاد (وهذا تقدم للمعارضة)، وأن الفوز في الإعادة ممكن.
تعتمد هذه الرؤية على فرضية منطقية تقول إنه لا أحد يضمن اتجاهات الناخبين وقراراتهم يوم 28 من الشهر الجاري، فإذا كانت "24 ساعة مدة طويلة جدا في السياسة التركية" كما قال الرئيس الراحل سليمان دميريل، فقد تشهد الأيام المتبقية حتى يوم الاقتراع تغيير بعض الظروف وربما بعض المفاجآت.
كما أن كليجدار أوغلو كان يأمل في كسب دعم المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصل على أكثر من 2.8 مليون صوت كي يعوض الفارق بينه وبين أردوغان في الجولة الأولى، وهذا يعني إمكانية الفوز وفق مبدأ تجمع المعارضة كلها مقابل أردوغان، وكان كليجدار أوغلو قد التقى مع أوميت أوزداغ رئيس حزب الظفر، الحزب الأكبر والرئيس في تحالف الأجداد الذي يمثله أوغان، في محاولة منه لإقناعه بإعلان دعم التحالف وأوغان نفسه لكليجدار أوغلو، ودعوة من صوتوا له في الجولة الأولى أن يصوتوا للأخير في جولة الإعادة، لكن تبدد هذا الأمل أيضاً الآن بعد أن أعلن أوغان أمس دعمه الكامل لأردوغان.
ومما يستوجب الملاحظة أن أردوغان كان قد بدأ في تغيير إستراتيجيته وخطابه في الحملة الانتخابية قبل يوم الاقتراع، بالتركيز على مواضيع تجذب الناخب القومي، باعتبار أن معظم أصوات أوغان أتت منهم، مثل موضوع اللاجئين على وجه التحديد
المعضلة الكبيرة التي تواجه كليجدار أوغلو في جولة الإعادة هي حاجته لتغيير جذري في برنامجه ووعوده ورؤيته، فالنظام البرلماني لم يعد احتمالا قائما، وعليه فإن تغييره سيكون مغامرة مفتوحة العواقب
فرص المتنافسين
عمليا، جولة الإعادة ليست بالتأكيد انتخابات مستقلة تماماً عن الجولة الأولى، ومن غير الممكن عدم تأثرها بها. فالمتنافسان بها هما المتنافسان الرئيسان في الجولة الأولى، والعوامل المؤثرة في التصويت في الجولة الأولى ما زالت حاضرة ومؤثرة فيها، والمدة الزمنية الضيقة حتى يوم الاقتراع لا تسمح بكثير من المتغيرات في السياق والظروف واتجاهات التصويت.
الأهم مما سبق أن هناك حقائق ووقائع أنتجتها الجولة الأولى من الانتخابات، في مقدمتها الفارق الكبير بين أردوغان وكليجدار أوغلو، وهو فارق يصعب جسره ويشير بوضوح إلى أن فرص الأول أفضل من الثاني. كما أن الجولة الأولى أنتجت برلمانا أغلبيته مع تحالف الجمهور الحاكم، وهي حقيقة من الصعب على انتخابات الإعادة أن تتجاوزها أو تتجاهلها. يعني ذلك أمرين بشكل أساسي: الأول أن الفكرة الرئيسة التي تشكل على أساسها تحالف الشعب المعارض -وهي إعادة النظام البرلماني للبلاد- لم تعد قائمة حتى 5 سنوات قادمة على أقل تقدير، إذ كان ذلك يتطلب فوزه بأغلبية مريحة في البرلمان، وهو ما حصل عكسه.
وأما الثاني، فهو أن أردوغان سيستثمر هذه النتيجة في خطابه وحملته الانتخابية للتأكيد على ضرورة أن يكون الرئيس والبرلمان من التحالف نفسه، أي التناغم والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، تجنبا للأزمات والانسداد السياسي.
كما أن نتيجة الجولة الأولى قد أحدثت حالة من الابتهاج والاحتفال في معسكر أردوغان، رغم أن حزبه تراجع 7% في نسبة تصويته، ورغم أن أردوغان لم يستطع للمرة الأولى أن يحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى. في المقابل، ورغم أن كليجدار أوغلو قد تخطى أي نسبة حصل عليها منافس سابق لأردوغان، فإن الغضب والإحباط سيدا الموقف في معسكره، وهو أمر له تبعاته على الحملة الانتخابية والنتائج. وقد تسببت هذه الحالة بشيء من التراشق والتلاوم، إضافة لاستقالات وإقالات في صفوف المعارضة وخصوصا حزب الشعب الجمهوري.
بيد أن المعضلة الكبيرة التي تواجه كليجدار أوغلو في جولة الإعادة هي حاجته لتغيير جذري في برنامجه ووعوده ورؤيته. فالنظام البرلماني لم يعد احتمالاً قائماً، وعليه فإن تغييره سيكون مغامرة مفتوحة العواقب على عدة احتمالات، والإصرار عليه سيكون ضرباً من الخيال. من جهة ثانية، سيحتاج الرجل -لإقناع الناخبين بالتصويت له- أن يتخلى عن فكرة رحيل "النظام السابق" والحلول مكانه، وتبني خطاب "التعاون مع البرلمان"، لطمأنة هواجس انسداد النظام والعودة للأزمات والانتخابات المبكرة. ولكن كليجدار أوغلو، وحتى وقت كتابة هذه السطور، لم يعمد لذلك، وإنما وضع المقيمين السوريين في قلب خطاب حاد وتحريضي رغبة في جذب أنصار المرشح الثالث سنان أوغان.
وفي رأينا أن التحدي الكبير الذي يواجه أردوغان وكليجدار أوغلو، والثاني بشكل أكبر، هو: إقناع الناخبين بالتصويت بكثافة، بينما نتوقع أن تتراجع نسبة المشاركة في الجولة الثانية عن الأولى. فالناخب "الكردي" ليس له مرشح خاص به في الانتخابات الرئاسية، بينما حزبه قد دخل البرلمان، فليس لديه الدافع ذاته للمشاركة في الإعادة، والأمر نفسه ينسحب على جماهير الأحزاب الصغيرة وخصوصاً المحافظة منها التي ترشحت على قوائم الشعب الجمهوري. فإذا ما أضفنا لذلك حالة الإحباط لدى بعض أنصار الشعب الجمهوري، والصعوبات اللوجستية التي تواجه المصوتين في الخارج، وبعض الاتكالية على نتيجة الجولة الأولى بين أنصار أردوغان، نخرج بتقدير مفاده أن نسبة المشاركة في الإعادة ستكون أقل منها في الجولة الأولى داخل تركيا وخارجها، وأن ذلك سيكون لصالح أردوغان أكثر من كليجدار أوغلو.
وعليه، ختاماً، وبالنظر إلى كل ما سبق وغير ذلك من عوامل لا يتسع المجال لذكرها، فإن فرص الرئيس التركي في حسم نتيجة الإعادة لصالحه كبيرة جداً بما لا يقارن مع فرص منافسه، ويبدو فوزه بها شبه محتوم. أما فرص كليجدار أوغلو في الفوز فمبنية على احتمالين رئيسين: أولهما عزوف شريحة كبيرة من أنصار أردوغان عن التصويت؛ ثقة في الفوز واتكالاً على نتيجة الجولة الأولى، أو حدوث مفاجأة كبيرة غير محسوبة ترجح كفته وتهز الثقة بأردوغان، وكلاهما احتمال ضعيف جداً ولا سيما مع المساحة الزمنية القليلة جداً قبل انتخابات الإعادة.