سليمان صالح يكتب: أدب الشباب: كيف نبني نهضة أدبية عربية جديدة؟!

profile
  • clock 21 مايو 2023, 5:42:52 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

كان اهتمامي بالأدب هو أهم الأسباب التي دفعتني إلى الالتحاق بكلية الإعلام؛ فقد كنت أرى أن هناك علاقة قوية بين الأدب والصحافة، وأن من حق أمتي أن تروي قصتها للعالم، وأن يكون لها أدباء وإعلاميون يقودون كفاحها لتحقيق الحرية والاستقلال!

وعندما تمكن الدكتور فاروق أبو زيد من إعادة إصدار جريدة صوت الجامعة، قدمت له فكرة أن تتبنى الجريدة حملة صحفية تهدف إلى إقناع الدولة بأن تتبنى نشر الإنتاج الأدبي للشباب، وفتح المجال لجيل جديد من الأدباء الذين لا يستطيعون نشر إنتاجهم.

أعجبت الفكرة رئيس التحرير، وخصص لها صفحة كاملة في كل عدد، واستخدمت أسلوب التحقيق الصحفي، وقمت أنا وزميلي المرحوم كرم سنارة -مدير تحرير الأخبار فيما بعد- بإجراء حوارات مع عدد كبير من الأدباء.

وجذبت هذه الحملة صحفا أخرى مصرية وعربية، وكان من أهم الاقتراحات التي قدمتها إنشاء دار نشر تمولها الدولة لنشر الإنتاج الأدبي لشعراء وكتاب جدد لا يعرفهم الجمهور لفتح الطريق أمامهم لبناء نهضة أدبية جديدة.

أحزان الأدباء الشباب!

هناك الكثير من الأدباء الذين ضاعت مواهبهم المتميزة لأنهم لم يجدوا فرصة للنشر، بسبب سيطرة اتجاه فكري على وزارة الثقافة، فهو الذي يحدد شروط ومقاييس تقييم الإنتاج الأدبي، ويرفض كل إنتاج لا يتفق مع المعايير غير العادلة التي وضعها الذين يفرضون احتكارهم للنشر.

وبعد محاولات مضنية يختار الأديب بين النفاق للحكومة وللمسيطرين على قرارات النشر فيحصل على الشهرة ويتخلى عن مبادئه وحريته وتميزه الأدبي، وأن يصاب باليأس والكمد والإحباط والقنوط فيهجر ذلك الطريق الصعب بلا رجعة.

لذلك ضاعت الكثير من المواهب الأدبية في الشعر والقصة القصيرة والرواية والنقد الأدبي، ومات الكثير من الأدباء بحسرتهم، وأدراج مكاتبهم كانت قبورا لإنتاجهم لأنهم رفضوا التبعية للسلطة وللاستعمار الثقافي الغربي، بينما نشرت دور النشر التابعة للدولة الكثير من الإنتاج الذي لا تفهمه الجماهير لأنه لا يعبر عن همومها وأحزانها، ولا يصور كفاحها.

أدب التبعية والهجوم على الإسلام

هناك الكثير من أصحاب المواهب الضعيفة تمكنوا من فهم الشروط وتطبيقها، ومن أهم هذه الشروط الهجوم على الإسلام، ووصف التقاليد العربية بالتخلف، وتمجيد مشروع التنوير الأوربي، وما يتضمنه من أفكار.

ولأنهم لا يستطيعون نقد السلطة، أو الهجوم على الاستبداد، أو تصوير كفاح الشعوب العربية ضد الاستعمار، فقد ركزوا على تمجيد الضعف الإنساني، والتعاطف مع الذين يتمردون على القيم والتقاليد التي كانت -في نظرهم- سبب التخلف، فمن يريد التقدم يجب أن يلحق بالغرب.

ومن الواضح أن معظم الإنتاج الأدبي الذي تم نشره كان يفتقر إلى الابتكار والتجديد والحرية والشجاعة والقدرة على وصف كفاح الشعوب العربية.. وبالرغم من ذلك فقد حصل الكثير من الكتاب على جوائز الدولة بإنتاج لا يستحق القراءة، مكافأة لهم على أنهم يخضعون للشروط، وينافقون للسلطة، ويقلدون الغرب، ويسمعون الكلام.

على مقهى الندوة الثقافية!

بسبب هذه الحملة الصحفية عرفت طريقي إلى مقهى الندوة الثقافية بباب اللوق -القاهرة، حيث كان يتجمع بعض الكتاب والنقاد اليساريين، وتمكنت من إجراء الكثير من الحوارات معهم، لكن بعد فترة جمعت حولي عددا من الشباب الساخطين الذين يرفضون الخضوع للشروط، ويصرون على حريتهم واستقلالهم، لذلك رفض اليساريون أفكارنا.

ومن الواضح أنني كنت أغرد خارج السرب الذي يسير في طريق التبعية، وأكافح ضد الاستعمار الثقافي، وأرفض تقليد الغرب حتى في استخدام أساليب السينما الأمريكية في السرد.

لقد كنت أعتبر أن الأديب الحقيقي هو الذي يعبر عن أمته، ويعتز بالانتماء لها، وأنا فخور بأصلي العربي الذي أرى أنه يتميز بسمات أهلته لبناء حضارة عظيمة، ونشر نور الإسلام في العالم، وتحرير البشرية من ظلم الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية.

وأنا أرى أن الأديب الذي يتميز بالأصالة يرفض التقليد والتبعية، ويكافح مع أمته، ويعبر عنها، ويعتز بأن مصدره الأصيل هو الإسلام.

لست غربيا ولن أكون!

كان الهدف الرئيس لحملتي الصحفية في صوت الجامعة فتح المجال العام لأصوات أدبية جديدة ترفض التبعية للغرب، وتروي قصص كفاح الشعوب العربية ضد الاستعمار، فهذه القصص لم تجد بعد من يرويها، والأمة تحتاج إلى أدباء يعتزون بالانتماء لها ليعبروا عنها.

أنا لست غربيا ولن أكون تابعا، وأرى أن الأمة العربية يمكن أن تنتفض لتبني مستقبلا جديدا يقوم على العدل والحرية، وتستمد من تجاربها التاريخية قوة لبناء حضارة متميزة، لذلك رفضت الخضوع للشروط، وكنت أعرف جيدا أن ثمن الاعتزاز بالكرامة هو أن أفقد كل فرص الشهرة في عالم الأدب والصحافة.

أين دور النشر الخاصة؟!

من أهم العوامل التي منعت ظهور نهضة أدبية عربية جديدة ضعف دور النشر الخاصة التي تعاني الكثير من المشكلات، فمعظمها يتعرض لخسائر بسبب القيود التي تفرضها عليها السلطات، وعدم قدرتها على تسويق الكتب وتوزيعها، ولذلك لا تستطيع أن تغامر بنشر الإنتاج الأدبي لكتاب جدد لا يعرفهم أحد.

وبالرغم من أنني خرجت من مرحلة الشباب، فإنني لم أتمكن من نشر إنتاجي الأدبي، فدور النشر الخاصة تنشر كتبي العلمية، لأنها تضمن توزيعها في الجامعات، أما إنتاجي الأدبي والثقافي فلم أتمكن حتى الآن من نشره. لذلك أكرر الدعوة إلى فتح المجال لنشر الإنتاج الأدبي للكثير من الكتاب الذين يرفضون التبعية والخضوع، وهؤلاء الكتاب أصبحوا الآن في مرحلة المشيب لكنهم يحلمون بالحرية وبنهضة أدبية يعبرون بها عن حق أمتهم في التحرر من الاستبداد والاستعمار الثقافي.

وفتح المجال لأدباء جدد هو حق الأمة التي أصبحت تواجه تحديات تهدد وجودها، وتحتاج إلى أقلام الذين يعتزون بالانتماء لها ليعبروا عنها، ويرووا قصتها!


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)