- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
سهيل كيوان يكتب: لماذا يريد الشعب إسقاط نتنياهو وحلفائه؟
سهيل كيوان يكتب: لماذا يريد الشعب إسقاط نتنياهو وحلفائه؟
- 13 أبريل 2023, 3:29:19 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد مئة يوم من تشكيل الحكومة الأكثر تطرُّفاً في تاريخ إسرائيل منذ قيامها، وبضعة أسابيع من المظاهرات ضد نتنياهو وحكومته، التي تعتمد على الجناح الكاهاني الترانسفيري، انقلب الإسرائيليون عليها، وباتوا متحمِّسين للتخلّص منها، فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي التي نُشرت مساء الثلاثاء الماضي، عشية عيد الفصح العبري، تفوُّقاً كاسحاً لمعارضي حكومة نتنياهو، حيث أن المعسكر المناوئ سيحصل على 64 مقعدا في حال أقيمت الانتخابات اليوم، من دون احتساب مقاعد العرب، وهبوط معسكر نتنياهو الحاكم من 64 إلى 46 مقعداً فقط.
هذا يعني أن مئات الآلاف ممن صوّتوا لإنشاء حكومة اليمين الأكثر تطرفاً، أدركوا بسرعة قياسية حجم الورطة التي يمكن لهذه الحكومة أن تزجّهم فيها.
اكتشف هؤلاء بسرعة كبيرة غباء الصهيونية الدينية وعدم واقعيتها، وضعف نتنياهو أمامها لحاجته إليها، وبأنّها قد تورّط البلاد كلها في حالة غير مسبوقة من الفوضى والدماء، والإخلال بمعادلات اجتهدت قيادات الحركة الصهيونية بمختلف ألوانها وتنظيماتها عقوداً لأجل تحقيقها، وبات واضحاً لمن خفي عليه الأمر، أن نتنياهو لا يهمّه شيء أمام مصلحته وأنانيّته، حتى لو جازف بأمن إسرائيل ووحدتها الداخلية.
المسجد الأقصى ليس عشرة آلاف دونم من الأرض تصادَر دون ضجّة، بل هو رمز روحاني عميق مزروع في وعي مئات ملايين العرب والمسلمين كعقيدة وتاريخ
لقد أوهم نتنياهو أكثرية المجتمع الإسرائيلي بأن حكومة يمين اليمين قادرة على تحقيق ما لم يستطع أن يحقِّقه السابقون، وهو فرض التقسيم المكاني الفعلي للمسجد الأقصى، ثم تحقيق حلم السيطرة التامة عليه، من خلال إطلاق يد الصهيونية الدينية بزعامة حليفه بن غفير، وفي الوقت ذاته مواصلة جذب المزيد من العرب والمسلمين إلى حلقة التطبيع، إضافة إلى وعوده بالرّفاه الاقتصادي. الآن يدركون أن العتمة ليست على قد يد الحرامي، وأن هنالك عوامل لا يستطيع أحد تخطّيها.
أوّل هذه العوامل وأساسها هو الشعب الفلسطيني نفسه في جميع أماكن وجوده، الذي أظهر استعداداً للدفاع عن المسجد الأقصى ويعتبره خطّا أحمر. المسجد الأقصى ليس عشرة آلاف دونم من الأرض تصادَر دون ضجّة، بل هو رمز روحاني عميق مزروع في وعي مئات ملايين العرب والمسلمين كعقيدة وتاريخ، وعلى رأسهم الفلسطينيون. بات واضحاً أنّ فَرض تقسيم الأقصى مكانياً وتحويله إلى السيادة اليهودية، سيشكّل محطة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهذا ستكون له إسقاطاته في المنطقة، ويشكل امتحاناً صعباً للتطبيع وحتى لاتفاقات السّلام. أدرك أكثرية الإسرائيليين أنّ تفكيك السُّلطة في رام الله الذي يدعو إليه حلفاء نتنياهو، يعني العودة إلى المربع الأول، أي إزالة المنطقة الرمادية التي تعني وجود حكومة فلسطينية مسؤولة عن إدارة حياة ملايين الفلسطينيين وضبطهم أمنياً، وانهيارها يعني العودة إلى حقبة الأسود والأبيض، احتلال وشعبٌ يقاوم، يعني وضوح الصورة من جديد، وهو ما عملت الدعاية الصهيونية منذ بدأت مشروعها على تشويهه، وقد تكلل هذا التشويه للحقائق، بالإيهام بقيام دولة فلسطينية وانتهاء الصراع، وتحقُّق السَّلام. المنطقة الرمادية مفضّلة، وهي التي يقيم فيها معارضو بنيامين نتنياهو وحكومته، فهي مساحة تمنح القدرة على البلبلة وخلط الأوراق حتى لدى الفلسطينيين أنفسهم، ولدى العرب، وأصدقاء الشعب الفلسطيني عبر العالم. هذه المنطقة الرمادية يسعى حلفاء نتنياهو بغبائهم إلى نسفها، وهو ما ترفضه أكثرية الشَّعب في إسرائيل. يرتاح الشّعب في المنطقة الرمادية، لأنها تعتمد إدارة الصراع «بحكمة» إلى جانب القوة، الزّحف الاستيطاني البطيء، الكرُّ والفرُّ، خطوة إلى الخلف لأجل اثنتين إلى أمام، تخدير الضّحيّة بترضية هنا وأخرى هناك، وعقوبة مغلّظة وقت الحاجة، العصا والجزرة، لتحقيق أكثر ما يمكن من الإنجازات لصالح الأمن الشخصي والأمن العام وتقوية الاقتصاد وجذب المستثمرين وتوسيع دائرة الأصدقاء وإضعاف الأعداء، وضرب الأسافين بينهم بصورة متواصلة، وتجنّب إحراج من اختاروا السَّلام والتطبيع مع إسرائيل. هؤلاء يدركون أن القوة لوحدها لا تكفي، فهنالك شبكة معقدة من العلاقات المحلية والإقليمية والدولية التي يجب مراعاتها، وحكومة تعتمد على الفكر الكاهاني المتهوّر لا توفّر هذه البضاعة، فهي تعتمد الاستفزاز والغوغائية، وتوحِّد الأعداء في عنجهيتها، ولهذا انقلب أكثر الجمهور إلى المعسكر المناوئ لنتنياهو، لظنّهم بأنَّ هذا المعسكر لديه قدرة أكبر على المناورة، والحفاظ على ما حقّقته الحركة الصهيونية حتى الآن من إنجازات، منذ قيام إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني