- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
شعراء ثائرون واحزاب معارضة: الرافضون عن الشعر والثورات (٣)
شعراء ثائرون واحزاب معارضة: الرافضون عن الشعر والثورات (٣)
- 21 يونيو 2021, 3:27:37 م
- 826
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إن هذا الشاعر الذي اختار الغربة والاغتراب، والعزلة والانفراد لم يضع في رأسه أنه يفعل ذلك لشيء إلا ليفعل ما يؤمن به؛ ليقيم حياته كما شاءت المثل العليا، متمردًا على حياة مجتمع كامل، ولو تتبعنا مسار الشعر العربي لوجدنا من اختاروا هذا المرتقى الصعب؛ أن يعبروا عما في نفوسهم صراحة فيجد الناس أنهم يعبرون عن الحقيقة الكبرى، كان قدر الشاعر الثوري إذن أن يواجه بقلمه كل محاولات القاهرين الجبارين وأن يقاوم في ذات الوقت زمر الشعراء المداهنين القائلين إنهم يزرعون قيمًا لمن يأتي، وأنهم لا يقصدون إلا وضع المثل العليا ليتعلم منها الحكام:
وَلَولا خِلالٌ سَنَّها الشِعرُ ما دَرى بُغاةُ النَدى مِن أَينَ تُؤتى المَكارِمُ
ولنتابع مسيرة الشعراء الرافضين للأنساق الاجتماعية التي يرون أنها مقيدة لهم أو أن هناك بديلا أفضل، وإن قراءة شعر الخوارج والشيعة في العصر الأموي، وشعر الشعوبية في العصر العباسي ليدلك في جلاء على أن تحت الرماد وميض نار، تقرأ في شعر الشيعة مثلا ولنلحظ ظاهرة جديدة وهي شيوع الشواعر فيه:
شَمِّر كَفِعلِ أَبيكَ يا اِبنَ عُمارَةٍ يَومَ الطِعانِ وَمُلتَقى الأَقرانِ
إِنَّ الإِمامَ أَخو النَبِيِّ مُحَمَّدٍ عَلَمُ الهُداةِ وَعِصمَةُ الإيمانِ
فَقُدِ الجُيوشَ وَسِر أَمامَ لِوائِهِ قُدُماً بِأَبيَضَ صارِمٍ وَسِنانِ
وقالت بكارة اليمنية تخاطب ابنها:
يا زَيدُ دونكَ فَاِستتر مِن دارِنا سَيفاً حساماً في الترابِ دَفينا
قَد كنت أَذخرهُ لكلّ عظيمةٍ فَاليومَ أبرزه الزمانُ مَصونا
هذا ما يدفع باحثًا إلى أن يجد نفسه أمام موقفين نقيضين موقف السلطان وشعرائه، وموقف الحسين وشعرائه الثوريين، وعلينا الآن ان ننظر إلى نموذج شعري يوضح كيف كان (جهاد) هؤلاء الشعراء داعمًا للثورات بشكل منهجي؛ وليس لدينا كالكميت صاحب المشروع الشعري: الهاشميات
ألا هَل عَمِّ في رَأيه مُتَأمِلُ وَهَل مُدبِرٌ بَعدَ الإِسَاءَةِ مُقبِلُ
وهَل أمةٌ مُستيقظونَ لرشدِهِم فيكشِفُ عنه النَّعسَةَ المتُزَمِّلُ
فَقَد طَالَ هذا النَّومُ واستَخرَج الكَرَى مَسَاويَهم لو أنَّ ذا المَيلِ يَعدِلُ
وَعَطَّلت الأحكامُ حتى كأنَّنا على مِلَّةٍ غيرِ التي نَتَنَحَّلُ
كلامُ النَّبِيينَ الهُدَاةِ كَلاَمُنا وأفعالَ أهلش الجاهليَّةِ نَفعَلُ
ثمة تحول في مشروع الجهاد/ المقاومة/ الثورة فنجد تحركًا لكشف الواقع عن طريق: الثنائية الضدية، التكرار، الجدل الكلامي، الصياغة الفنية للنظرية، بما يجعل الشاعر في وجهة النظر النقدية: الكميت بن زيد هو الحافز الحق للثورة الأدبية العباسية والسباق للتحرر والتجديد، وأن الشاعر العربي عندما يعبر عن تجربته الحياتية الكيانية فإنه يأتي بالجدي الذي يمثل عصره أصدق تمثيل ولأنه يمثل عصره بهذا الصدق فهو شعر إنساني عظيم.
لا أود أن أتتبع حركة الثورة في الشعر العربي، لكنني كنت أود إثبات فرضية أولى هي وجود المقاومة لدى الشعراء العرب ودعمهم لأصحاب الرؤى الثورية وإن اختلفت تسميتها من صعلكة إلى خروج إلى شعوبية إلى مقاومة إلى ثورة، وجدير بالذكر أن اعتبار الشعوبية ثورة على الواقع لا يعني اقتناع المرء بأهدافها وقيمها وإنما هي حيادية الطرح التي لا يستطيع الاختلاف الفكري والعقائدي أن يحملها على تجاهل ما هو قائم فعلاً، هذه الثورة في الشعر العربي لم تنبت على الرغم من المحاولات المستميتة لذلك، لا عبر القمع ولا عبر الشراء، بل كأنما السلطة في هذه الحال هي بامتياز المسيخ الدجال إذ يعد المؤمنين به بالجنة والكافرين به بالنار، لكن جنة المسيخ/ السلطة هي على الحقيقة نار/ مقبرة.