تمرد نادر من داخل المنظومة الأمنية

شهادة الشاباك التي هزت "إسرائيل": صراع على الأمن والسلطة

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 21 أبريل 2025, 3:56:04 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في تطور غير مسبوق في تاريخ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قدّم رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، إفادة مكتوبة إلى المحكمة العليا، كشف فيها عن ممارسات خطيرة اتهم بها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

في إفادته، أوضح بار أن نتنياهو طالبه بنقل معلومات تتعلق بهوية قادة الحراك الاحتجاجي ضد حكومته، وأنه سعى لعقد اجتماعات سرية مع رئيس الشاباك دون حضور السكرتير العسكري أو المدونة الرسمية، في محاولة لتجنّب توثيق اللقاءات. كما أشار إلى أن نتنياهو حاول الضغط عليه لتقديم شهادة مزورة أمام المحكمة، تتعلق بتحقيقات تشمل "قضية قطر-غيت" وتسريبات وثائق أمنية.

وفي ما يخص طوفان الأقصى في 7 أكتوبر، أكد بار أن جهاز الشاباك أطلق تحذيرات لقيادة الجيش قبيل الهجوم بساعات، وأرسل إنذارًا واضحًا عند الثالثة صباحًا، ثم أبلغ السكرتير العسكري لنتنياهو في الخامسة فجراً، أي قبل بدء الهجوم بزمن معقول، على حد وصفه.

كذلك أشار إلى أن رئيس الوزراء تجاهل تحذيرات جهازه الأمني في عام 2023 حول احتمالية تدهور الوضع الأمني على خلفية الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية، وأنه رفع تقارير إلى نتنياهو تُشبه في خطورتها "الإنذار بالحرب"، لكنّها لم تُؤخذ على محمل الجد.

رد نتنياهو: هجوم مضاد ونفي قاطع

مكتب رئيس الحكومة أصدر بيانًا مطولاً وصف فيه شهادة رونين بار بأنها "حافلة بالأكاذيب"، واتهمه بالفشل الذريع في منع هجوم السابع من أكتوبر، معتبراً أن الإخفاق الأمني يُحتّم إقالته.

نتنياهو أشار إلى أن بار لم يبلغ لا هو ولا وزير الحرب بالتحذير الأمني، إلا عند الساعة 6:13 صباحًا، أي قبل دقائق من بدء الهجوم، وهو ما اعتبره "تقصيرًا كارثيًا". كما اتهمه بأنه قبيل الهجوم بيومين فقط، أبدى تفاؤلاً بشأن التفاهمات مع حماس وعودة الاستقرار لغزة، وهو ما اعتبره دليلاً إضافيًا على فشله التقديري.

وفي ما يتعلق بمحاولة التأثير على الشهادة أو تسييس الجهاز، نفى مكتب نتنياهو تلك الاتهامات بشكل قاطع، معتبرًا أن التوجه لإقالة بار يعود إلى قرارات قديمة تعود إلى نوفمبر 2024، وليس لها صلة بقضية قطر أو أي محاولة للتأثير على مجريات القضاء.

ردود فعل المعارضة

تصريحات المعارضة جاءت لاذعة، حيث قال رئيسها يائير لابيد: "شهادة رئيس الشاباك تُثبت أن نتنياهو خطر على أمن إسرائيل ولا يمكنه الاستمرار في منصبه. لقد سعى لاستخدام الشاباك للتجسس على المواطنين، وتفكيك الديمقراطية، ودفن تحقيق قطر-غيت".

أما رئيس حزب الديمقراطيين، يائير غولان، فاعتبر الإفادة "لائحة اتهام ضد نتنياهو وصفارة إنذار لحالة الطوارئ في النظام السياسي الإسرائيلي"، مضيفًا: "رئيس الحكومة طالب بولاء شخصي من رئيس الشاباك، واستخدم الجهاز ضد مواطنين، لا ضد الإرهاب بل ضد الديمقراطية".

تصدع الثقة داخل الكيان

تكشف هذه الأزمة عن تصدّع خطير في العلاقة بين رأس السلطة التنفيذية وأهم جهاز أمني داخلي في كيان الاحتلال. إفادة بار ليست مجرد شهادة دفاعية عن الذات، بل إعلان تمرد من داخل المنظومة الأمنية على محاولات إخضاعها لإرادة سياسية فردية.

الاتهام الأخطر هو استخدام الشاباك ضد المتظاهرين والخصوم السياسيين، وهي ممارسة تنسف دعاية الكيان لنفسه بأنه "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". حين يُطلب من رئيس الشاباك أن يعمل خارج القانون، فإن الخط الفاصل بين الأمن والسياسة يتلاشى.

كذلك، فإن تحميل بار مسؤولية هجوم 7 أكتوبر بشكل حصري من قبل نتنياهو، مع تجاهل التحذيرات التي أُرسلت، يعكس محاولة مكشوفة لتبرئة الذات على حساب المهنية الأمنية، ويعيد إلى الأذهان فصولًا مشابهة من تسييس الأحداث العسكرية والأمنية.

في المقابل، موقف المعارضة يستفيد من اللحظة لتصوير نتنياهو كزعيم سلطوي يستخدم أدوات الدولة لتصفية خصومه. لكن الأخطر من السجال السياسي، هو أن المؤسسات الأمنية نفسها بدأت في فقدان الثقة بالقيادة السياسية، ما قد يفتح المجال لمزيد من الانقسام داخل مفاصل الكيان.

إلى أين يتجه المشهد؟

إذا مضى نتنياهو في إقالة رونين بار، وعين بديله على مقاسه السياسي، فإن أزمة الثقة داخل كيان الاحتلال ستتفاقم، ليس فقط بين السياسيين والأمنيين، بل بين الجمهور والمؤسسات. وإن قرر قادة أمنيون آخرون كسر حاجز الصمت كما فعل بار، فقد نكون أمام لحظة فارقة تهز أسس النظام السياسي الإسرائيلي.

ما بدأ بشهادة فردية قد ينتهي بانفجار مؤسساتي يُعيد تشكيل العلاقة بين الأمن والسلطة داخل كيان الاحتلال، وبين الكيان وجمهوره، خاصة في ظل انعدام الاستقرار السياسي والعسكري الذي يتعيشه كيان الاحتلال منذ سنوات.

باختصار، شهادة رونين بار ليست نهاية مرحلة، بل بداية زلزال سياسي – أمني لا تزال توابعه تتكشّف.

التعليقات (0)