- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
شيماء المرسي تكتب: ما يمكن أن تجنيه إيران من عضوية بريكس
شيماء المرسي تكتب: ما يمكن أن تجنيه إيران من عضوية بريكس
- 14 سبتمبر 2023, 11:08:04 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد إعلان رئيس جمهورية جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا دعوة 6 دولة إلى العضوية الكاملة لمجموعة “بريكس” من بينها إيران بحلول يناير القادم، حفلت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية منها وشبه الرسمية بالتأكيد على أهمية تلك العضوية التي ستفتح لإيران المجال أمام الانفتاح على أسواق مختلفة، بعد ما تسببت فيه العقوبات الأمريكية والأوروبية من تشديد اقتصادي تسبب في أزمات داخلية أسفرت عن خروج تظاهرات تندد بسياسات النظام في أغلب الأحيان، وعزلة إقليمية مع محيطها الجغرافي والعالمي.
وكان من أهم ما نقلته وسائل الإعلام الإيرانية تأكيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على أن عضوية إيران في “بريكس” ستزيد من قوة طهران في المجال السياسي، بالإضافة إلى ما ذكره خطيب جمعة طهران حجة الإسلام محمد جواد حاج علي أکبري من أن تلك العضوية ستساهم في كسر الأحادية الأمريكية، علاوة على ما ذكره رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى من أن عضوية إيران في مجموعة “بريكس” تجسد فشل العقوبات الأمريكية.
ولعل تلك النقطة هي الأبرز في تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول عضوية طهران في “بريكس” بجانب انضمامها أيضًا لمنظمة شنجهاي للتعاون وهو ما قد يساهم في تعزيز الفرص الاقتصادية لإيران في مناطق بأسيا وإفريقيا.
وقد جاءت تلك التحركات الإيرانية للانضمام لتلك المنظمات والهيئات الاقتصادية الناشئة كرد فعل على فشل المفاوضات النووية ومحاولات التوافق مع الغرب، والتخلص من العقوبات الأوروبية والأمريكية، التي كبدت الاقتصاد الإيراني الكثير من الخسائر وتسببت في انهيار قيمة العملة المحلية، وتدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتأجج الداخل الإيراني الرافض لسياسات النظام، وهو ما دفع إيران لإعادة النظر والتوجه نحو القارة السمراء بشكلٍ خاص وأمريكا اللاتينية بشكلٍ عام باعتبارهما فرصتان مناسبتان لتوسيع نطاق النفوذ الإيراني، ودعم وجوده على الساحة الإقليمية والدولية.
لهذا السبب وبعد أن نجحت إيران في حل الصدام بينها وبين المملكة العربية السعودية بعد فترة من القطيعة والسجال دامت نحو سبع سنوات، سعت مؤخرًا نحو تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والدبلوماسية مع جنوب إفريقيا. تلك الخطوة جاءت بعد مصادقة روسيا والصين على الحضور الإيراني هناك.
البعد الجيواقتصادي لجنوب إفريقيا
خلال الأونة الأخيرة ركزت إيران أنظارها على جمهورية جنوب إفريقيا كونها عضوًا في مجموعة العشرين “G20″، والتي يمثل أعضاؤها أكثر من 75% من التجارة العالمية من جهة، بالإضافة إلى أنها عضو في منظمة التعاون الاقتصادي “بريكس” من جهة أخرى. ولعل الزيارات الأخيرة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان إلى بريتوريا عاصمة جمهورية جنوب إفريقيا، وإلى مدينة جدة السعودية كانت أحد العوامل المحفزة لقبول عضويتها في مجموعة بريكس بعدما نجحت في تحسين صورتها كدولة صديقة.
ولاشك أن تلك الخطوة ستفتح لإيران آفاقًا جديدة على المستويات كافة، إلى جانب فتح أسواق حيوية تُسهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني. وبما أن عالم اليوم تمرّ معادلاته السياسية والاقتصادية بتغيراتٍ غير مسبوقة، بل وتتجه نحو التعددية القطبية، اعتبرت إيران جنوب إفريقيا منفذًا جديدًا للتعاون المشترك في مجال المنظمات الدولية، والخروج من بوتقة العزلة الدولية المفروضة ضدها، خاصة وأنها رأت نجاح سياستها الخارجية في تتبع مسار القوى العالمية الرائدة اليوم وعلاقات الشراكة والصداقة بينها وبين باقي الدول.
على سبيل المثال، انتهجت الصين سياسة تنويع مصادر الطاقة، حيث تستورد نفطها من دول أسيا كالمملكة العربية السعودية وإيران ومن قارة إفريقيا وبالتحديد من نيجيريا، بالإضافة إلى أوراسيا من خلال فتح مجال الاستيراد من روسيا، بينما تُصدر بضائعها إلى السوق الإفريقية والأسيوية.
أما روسيا فقد عمدت على توسيع العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية مع دول إفريقيا منذ عام 2008م، وبالنسبة لإيران فإن مساعيها الاقتصادية المرتقبة في إفريقيا ستعتمد بشكل رئيس على الاستثمار والبناء والتصدير.
في الوقت نفسه، ستعمد طهران على أن تكون مورد الطاقة الرئيس لدول البريكس، وذلك باستغلال احتلالها المركز الثالث بقائمة أكبر 10 دول منتجة للغاز الطبيعي باحتياطي يقدر بأكثر من 33 تريليون متر مكعب و154 مليار برميل قابلة للاستخراج، وقدرة إنتاجية للنفط الخام تبلغ 3 مليون و800 ألف برميل يوميًا وفقًا لتصريحات وزير النفط الإيراني جواد أوجي.
ولقد بدا هذا في تصريحات النائب الإيراني، وعضو لجنة الطاقة بالبرلمان الإيراني رمضان علي سنجدويني، والذي أكد سعي بلاده أن تكون العضو المورد لأعضاء البريكس بالوقود والطاقة المستدامة، من منطلق معرفة إيران حاجة تلك الدول لإمدادات الطاقة المستدامة، علاوة على أنها فرصة جيدة للتحايل على العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على بلاده.
تعزيز الحضور الإيراني في إفريقيا
خلافًا للتصور السائد حول الفقر المدّقع وانعدام الموارد في دول القارة السمراء، أو كما صوره الإعلام الغربي خلال العقود الماضية، فإن إفريقيا تتمتع بموارد وثروات كثيرة في مختلف المجالات الجيوسياسية والجيواقتصادية، وبالأخص جمهورية جنوب إفريقيا ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا بعد نيجيريا. إذ تملك شواطئ تقدر بنحو 2954 كيلو مترا على المحيط الهندي والمحيط الأطلسي، وتعتبر بؤرة تجارية ومركزًا مهمًا للتصدير في جنوب وغرب إفريقيا، علاوة على أنها بوابة دخول لجزء كبير من الأسواق الإفريقية.
تلك الأسواق تضم نحو 14 دولة عضوا في مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية “SADC” والتی تتمیز بکثافة سكانية تبلغ نحو 300 مليون نسمة ووسائل نقل متنوعة ومشاريع سكك حديد تسهل صعوبات النقل الإفريقية، كما أنها تتمتع بموقع جغرافي متميز وأهمية استراتيجية كبيرة. وحاليًا تستحوز جنوب إفريقيا على 53% من تجارة المجموعة.
لهذا فإن انضمام إيران إلى مجموعة بريكس سيعزز العلاقات بينها وبين جنوب إفريقيا، لتصبح الأخيرة إحدى الحلفاء والأصدقاء المقربين من الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إفريقيا. ولا نعني من هذا أن التحالف بين الدولتين سينحصر على المستوى الاقتصادي فحسب، ولكن يبدو أن إيران تعمل على تغذية الجوانب الفكرية والثقافية بين البلدين.
التقارب الفكري بين إيران وجنوب إفريقيا
منذ أن تقدمت إيران بعضويتها إلى مجموعة بريكس، والأوساط السياسية والفكرية الإيرانية تروج لمعتقد يؤمن بوجود تقارب بين الخطابين السياسيين لكل من البلدين، هذا إلى جانب صعود نبرة مناهضة الفكر الاستعماري والإرث الروحي لشخصيات مناهضة لنظام الفصل العنصري مثل السياسي الشهير نيلسون مانديلا، والمناضل الكونجولي ذو الميول الاشتراكية باتريس لومومبا، وهو ما يبدو مقاربًا للفكر الثوري الإيراني من وجهة نظر الساسة الإيرانيين.
ترى إيران أن فترة الاستعمار البريطاني والفرنسي وما تلاها من تدخلات خارجية هناك، خلقت تجربة تاريخية خلدت وحشية الاستعمار الغربي وهمجيته مع الشعوب الإفريقية، والتي يمكن المقارنة بينها وبين موقف الإسلام تجاه العرب وما زرعه من كرامة إنسانيةز
ولأجل هذا ستكون الدول الإفريقية منجذبة أكثر للتعاون مع الدول الإسلامية وبخاصة إيران صاحبة الفكر الإسلامي الثوري المناهض للاستعمار والتدخلات الأجنبية، من وجهة نظر إيران بطبيعة الحال.
وباعتبار أن جمهورية جنوب إفريقيا إحدى الدول الداعمة لعالم متعدد الأطراف فإن تعزيز التعاون بينها وبين إيران سيساهم في إزالة العزلة الدولية المفروضة على الأخيرة، وحل الكثير من القضايا السياسية والاستراتيجية، إلى جانب زيادة التبادلات التجارية واستبدال هيمنة الدولار الأمريكي المسيطر على النظام المالي العالمي والتجارة الدولية، وهو ما سينقذ العملة المحلية الإيرانية من عثرتها.
خاتمة
جملة ما أعلاه أن الانفتاح الإيراني على إفريقيا والفوز بعضوية مجموعة التعاون الاقتصادي للدول النامية “بريكس” سيحقق مزيدًا من النفوذ الاستراتيجي والاقتصادي والأيديولوجي لإيران في المنطقة، وبالتالي مزيدًا من الصدارة في صفوف اللاعبين الإقليميين. علاوة على أنه سيحقق مكاسب اقتصادية كبيرة إلى جانب عضوية منظمة شنجهاي للتعاون، وهو ما سيساعد على حلحلة الأزمة الاقتصادية الإيرانية.
كما سيزيد من فرص التفاوض بين إيران والولايات المتحدة، وتصدر شركاء للوساطة من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد. ومع ذلك، فإن هذا الانفتاح يثير الشكوك حول استغلال إيران لتقاربها الفكري ــ كما تعتقد ــ مع جنوب إفريقيا كفرصة لترويج المبادئ الثورية الإيرانية، والتي فشلت في بثها في كثيرٍ من البلدان العربية بعد انتصار الثورة عام 1979م.
أما على المستوى الداخلي، فلا شك أن نجاح السياسة الخارجية للحكومة المحافظة، والتي عززت من فرص إيران إقيلميًا ودوليًا برغم الحظر الدولي، سيُزيد من شعبيته أمام التيار الإصلاحي لاسيما وأنهما حاليًا على أعتاب منافسة شرسة للفوذ بمقاعد عضوية مجلس الشورى الإسلامي خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة.