شيماء المرسي تكتب: إيران ترى أن سبب الأزمة السودانية هو قطع العلاقات معها

profile
شيماء المرسي باحثة دكتوراة بالشأن الإيراني
  • clock 22 مايو 2023, 6:51:02 ص
  • eye 328
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

خلال الاحتجاجات التي انطلقت في إيران يوم 16 سبتمبر 2022، تنديدا بمقتل الفتاة الكردية، مهسا أميني، نشر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعية للمعارضة في إيران صورًا عن الأحداث السياسية في السودان لعام 2019، هذا البلد المُتخم باشتباكات مسلحة زعزعت استقراره منذ الخامس عشر من إبريل 2023.

وبحسب تقرير نشرته وكالة أنباء تسنيم إحدى ذراعي الحرس الثوري الإيراني الإعلاميتين، خضع السودان عام 2019 لتحولات وتطورات سياسية، ليتمكن بعد عشرين عامًا، من تشكيل أول حكومة جديدة في هذا البلد العربي – الإفريقي برئاسة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، والذي وصلت حكومته إلى السلطة عام 1989م، بانقلاب عسكري.

انقلاب 2019 نموذجًا

خلال السنوات الأخيرة لحكمه قام البشير بتغيير نهج إدارته، وحاول تقليص حجم العقوبات المفروضة عليه وعلى السودان من خلال التقرب من الدول العربية الثرية، وذلك عبر المشاركة في حرب اليمن، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

مع ذلك لم يتحسن وضعه أو وضع السودان فحسب، بل انتهى به الحال إلى تسليم السلطة إلى الجيش عام 2019. وفي خضم تلك التوترات، برزت مشاركة المرأة في أحداث السودان، الذي يعاني منذ سنوات عدة مشكلات اقتصادية ومجاعات، وأزمات إنسانية.

كما شهد السودان توسعًا في نطاق وجود المرأة في الشوارع من أجل المطالبة بالحرية، وأصبحت آنذاك شخصية الطالبة “آلاء صالح” رمزًا شعبيًا وأيقونةً للمرأة السودانية.

آلاء صالح متظاهرة مناهضة لنظام عمر البشير، اكتسبت شهرتها من صورة التقطتها لـ”أنا هارون” وانتشرت في شهر إبريل 2019، وتوسمت باسم “الكنداكة” إحدى ملكات أرض النوبة أو الاسم القديم للسودان.

المفارقة أنه مع بداية احتجاجات سبتمبر 2022 في إيران، حاول بعض المعارضين على منصات التواصل الاجتماعي، تقديم شخصية “آلاء صالح” باعتبارها نموذجًا يُحتذى به في الوقوف أمام قوات الشرطة الإيرانية وردعهم للاحتجاجات، بل وخلق وجه أنثوي ليطلقوا عليه اسمًا للحركة الداعية لحرية المرأة الإيرانية في خلع الحجاب.

إضافة لذلك روجوا فيديو لسيدات سودانيات يقمن بإعلان دعمهن لنساء إيران، ويُظهرن نموذجًا لمشاركتهن في الشارع عبر منصات التواصل الإجتماعي. ولهذا بدأ المغردون المعارضون في إيران يشيدون بانقلاب السودان، بل وعدّوه نموذجًا للانقلاب السلمي الذي صاحبه دور فعال للمرأة.

 

وزاد من أهمية تلك النزعة أن “آلاء صالح” كانت أحد الوجوه المؤثرة في فترة انقلاب 2019 وعضواً في الشبكة النسائية السودانية “Mansam” المؤثرة إلى جانب 18 تنظيما مدنيا رائدا خلال الاحتجاجات المناهضة لعمر البشير.

الفتيات السودانيات ومهسا أميني

مع ذلك، بقيت تلك الرموز فقط أيام أحداث العام 2019 في السودان، لأنه بعد تنحي الرئيس السابق عمر البشير من السلطة، وتشكيل حكومة حمدوك المدنية مدة عامين؛ وقع السودان في أيدي العسكريين.

بناء عليه تم حل المؤسسات الانتقالية بما فيها الحكومة وفرضت حالة الطوارئ، ليتسلم رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، سلطة البلاد عام 2022، وهو الذي أعلن عن انخراط القوى السياسية في خارطة طريق تعيد السلطة مرة أخرى إلى المدنيين.

برغم تعهده بإجراء انتخابات عامة وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة، لم يمهله شريكه السابق قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دوقلو” الملقب بحميدتي، الفرصة وأطلق الرصاصة الأولى ضد قوات الجيش في وقت باكر من صباح الخامس عشر من إبريل 2023.

في غضون ذلك كله رفعت الفتيات السودانيات صورة مسها أميني في مظاهرات اندلعت على مر تلك الشهور الطويلة، واللافت كذلك أن الفتيات الإيرانييات فعلن الأمر نفسه ورفعن صور الناشطات السودانيات في مظاهرات الاحتجاج على مقتل مهسا أميني.

السودان كما يراه الإصلاحيون

كتب موقع “خبر أونلاين” الإصلاحي، أنه ومنذ أحداث 2019 شهد السودان عدة أزمات واشتباكات، ليتجدد الصدام في الداخل السوداني من جديد خلال عام 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وبين الجيش السوداني النظامي بقيادة البرهان.

هذا على الرغم من أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عملا بشكلٍ مشترك في أحداث 2021 ضد الحكومة الانتقالية في السودان.

ولقد ظهرت جذور الخلاف بينهما في الأشهر الأخيرة خلال سلسة من المفاوضات المتوترة بشأن إصلاح قطاع الأمن في البلاد ونقل السلطة إلى حكومة مدنية. لاسيما وأن تفاوض القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بشأن الشروط التي بموجبها سيتم دمج كل من القوتين في جيش وطني واحد أدى إلى توترات متزايدة؛ لأن الفصائل المتشددة في الجيش قاومت دمج قوات الدعم السريع كقوة أمنية أقل احترافًا داخل الجيش.

في المقابل عارض قادة قوات الدعم السريع أن يكونوا تحت قيادة ضباط الجيش، خاصة وأن رُتبهم ورواتبهم لا تتوافق مع معايير الجيش.

ولهذا أثارت تلك الاشتباكات قلقًا دوليًا، خاصة وأن السودان ليس فقط دولة شاسعة ــ كثالث أكبر دولة في إفريقيا ــ وإنما يقع في منطقة غير مستقرة وحرجة من الناحية اللوجيستية والجيوسياسية، كونه ينتصف نهر النيل، ويقبع في مصبّه بالنسبة لمصر، وأعالي منبعه بالنسبة لإثيوبيا.

مآلات التوتر السوداني

من المرجح أن تؤدي اضطربات السودان إلى احتمالية تعطيل ضغط الخرطوم والقاهرة على إثيوبيا فيما يتعلق بتنظيم مياه النيل. وبما أن السودان يوازي غربه ــ إقليم دارفور ــ الحدود مع دولة تشاد، فقد نزح إليها حوالي 400 ألف سوداني بسبب النزاعات الأخيرة، علاوة على وصول حوالي 20 ألف لاجئ من السودان منذ اندلاع الاشتباكات إبريل الماضي.

الأمر الذي يزيد من قلق التشاد من تحول الأزمة من الحدود إلى المناطق التي يعيش فيها اللاجئون. كذلك الأمر مع جنوب شرقي السودان الواقع على حدود منطقة تيجراي شمالي إثيوبيا، وحدود السودان مع جنوب السودان الذي يبلغ إنتاجه النفطي حوالي 170 ألف برميل يوميًا، ويصدره عبر خطوط أنابيب في جارته الشمالية.

ويبدو أن أيًا من طرفي النزاع السوداني لا مصلحة له في تعطيل صادرات النفط في جنوب السودان، ومع ذلك أعلنت حكومة جنوب السودان الأسبوع الماضي أن الاشتباكات في السودان أعاقت العلاقات اللوجيستية والنقل بين حقول النفط وميناء السودان.

بجانب هذا يعدّ السودان مهمًا للغاية من الجانب الجيوسياسي لبعض الدول غير المجاورة كالسعودية والإمارات اللتين تعتبران انتقال السلطة هناك فرصة لتراجع نفوذ الإسلاميين في المنطقة. ولتوطين تلك الغاية، استثمر مستثمرو كلا البلدين في مجموعة واسعة من المشاريع في السودان.

وبما أن أي دولة لديها قاعدة بحرية في البحر الأحمر يمكنها التحكم في مضيق باب المندب، والذي يتم من خلاله نقل النفط من دول الخليج العربي إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد أعربت القوى الغربية عن قلقها إزاء إمكانية إقامة قاعدة عسكرية روسية على سواحل البحر الأحمر في السودان، خاصة وأن القادة العسكريين لهذا البلد أبدوا نيتهم في التعاون مع روسيا تجاه هذ الأمر.

خاتمة

جملة ما أعلاه، أن ما يثير حفيظة البعض في إيران بشأن أزمة السودان الأخيرة، هو أنه وخلال الأشهر التي شهدتها المدن الإيرانية من احتجاجات 2022، تحول رقص فتاة أعلى سيارة في السودان رمزًا للانتفاضة داخل إيران، لكن هذا البلد (أي السودان) ينجر الآن من جديد في كارثة إنسانية.

ولعل هذا يشير لحقيقة أن غاية المعارضين من التشبه بالسودانيات كان جرّ إيران إلى هاوية حرب أهلية علاوة على انقسامها، ولأن الشعب أدرك هذا الخطر، فصل صفوفه عن الساعين لتأجيج الداخل وتوريطه في فوضى عارمة، بحسب ما يرى الإعلام الإيراني.

أما مآلات اضطرابات السودان الأخيرة وكما يراها التيار الإصلاحي في إيران، فقد كشف تورط بعض الأطراف الخارجية في افتعال الأزمة من أجل ضمان بقاء مصالحهم، والحيلولة دون تعرضها لأي تهديد بغض النظر عن مصلحة هذا البلد أو مصلحة أهله حتى لو تعارضت مع مساعيهم التوسعية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
كلمات دليلية
التعليقات (0)