- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
شُيّدت بتمويلٍ من سكانها ولها نظامٌ وقوانينٌ خاصة.. “تافيلالت” مدينة جزائرية مُستنسخة عن مُدن العصور الوسطى
شُيّدت بتمويلٍ من سكانها ولها نظامٌ وقوانينٌ خاصة.. “تافيلالت” مدينة جزائرية مُستنسخة عن مُدن العصور الوسطى
- 6 مايو 2023, 12:22:29 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فوق هضبةٍ صخرية في منطقة وادي ميزاب بولاية غرداية شمال الصحراء الجزائرية، توجد واحدةٌ من أجمل مدن الجزائر الحديثة، ويتعلق الأمر بمدينة تافيلالت التي تُعدّ أوّل مدينة بيئية في الجزائر، وهي المدينة التي وضع حجر أساسها سنة 1997، وانتهى العمل بها سنة 2018.
ومما يميّز هذه المدينة الساحرة، علاوةً على كونها مدينة صديقة للبيئة، فقد تمّ الاعتماد في تشييدها على الهندسة المعمارية التقليدية التي كان سكان منطقة وادي ميزاب يعتمدونها منذ قرون طويلة، مما جعل تافيلالت الجزائرية، مدينة إيكولوجية مستنسخة من العصور الوسطى، تنقل الزائر لها 10 قرون إلى الوراء.
شُيِّدت في عشرين سنة من قبل جمعياتٍ محلية
بدأت فكرة إنشاء مدينة تافيلالت في العقد الأخير من القرن الماضي، من قبل أحد المهندسين الميزابيين يدعى أحمد نوح، الذي أراد بناء مدينة بالنمط المعماري القديم، كبديل للمدن الأسمنتية التي انتشرت في ربوع ولاية غرداية، وقام باقتراح إنشاء مؤسسة أمنيول من أجل تمويل مشروع بناء المدينة الجديدة.
وبالفعل شرعت المؤسسة في جمع التمويل من المجتمع المحلي الميزابي والتجار أعيان الميزابيين في ولاية غرداية، وانطلق المشروع في سنة 1997، وذلك بعد أن وافقت الحكومة الجزائرية على تخصيص 22 هكتاراً من أرض صخرية بثمن بخس، رغم أنها تطل على قصر بني يزقن أحد أقدم قصور مدينة غرداية التاريخية.
دام بناء المدينة 20 سنة، وذلك بسبب اعتماد الأنماط التقليدية في البناء؛ إذ تمّت الاستعانة بنظام التويزة، وهو نظام اجتماعي يساعد من خلاله الجزائريون بعضهم البعض في البناء وأعمال الحرث والدرس، وكذا اعتماد أصحاب مشروع بناء مدينة تافيلالت على التمويل الذاتي المحلي من قبل الجمعيات المحلية والأعيان لإنجاز سكنات المدينة.
نظام معماري فريد مستوحى من 10 قرون مضت
تم تشييد تافيلالت لتكون إحدى المدن الإيكولوجية بالجزائر، وذلك بالاعتماد على الهندسة المعمارية التقليدية التي كانت مستعملةً في إنشاء القصور في القرن الـ10 ميلادي، إذ تمّ الاستغناء عن الطريقة العصرية التي أنشئت من خلالها الجزائر عشرات المدن منذ الاستقلال، واكتفت في بنائها لمدينة تافيلالت بالطريقة القديمة، سواء في المخطط العمراني أو حتى مواد البناء، إذ تم الاستغناء عن مادة الأسمنت باعتبارها مادة تساهم في ارتفاع درجة حرارة البيوت صيفاً، والاكتفاء في البناء بمواد الحجر والطين والجبس والجير، وهي المواد التي تم اختيارها بسبب توفرها وقلة ثمنها، كما أنّها توفر عزلاً جيداً من الحر والضجيج الخارجي.
بينما النوافذ من الخشب المشبك الذي يضمن خصوصية المنازل في هذه المنطقة المحافظة، ويوفر تهوية طبيعية للشقق، إذ إن الفرق في درجات الحرارة بين الداخل والخارج في فصل الصيف قد يصل إلى 5 درجات.
وحرص تصميم المدينة على أن تكون كلّ البيوت متلاصقة وبنفس الطول؛ إذ إن كل البنايات في المدينة لا يزيد علوها على 7,6 متر، كي يضمن ذلك دخول أشعة الشمس إلى كل بيتٍ في مدينة تافيلالت.
كما قام مهندسو المدينة بطلاء بيوتها بألوان الصحراء الطبيعية، وهي مزيج من الأصفر والأبيض المناسب لدرجات الحرارة الحارقة، وهو أهم عاملٍ جعل المدينة صديقةً للبيئة.
مدخل مدينة تافيلالت عبارةٌ عن باب عظيم من الخشب، يؤدي إلى شوارع متشابكة ضيقة بحيث تكسر العواصف الرملية، وتوفر الظل للمارة خلال أيام الصيف الصحراوي الحار جداً، كما تمّ ربط وسط المدينة بأنظمة اقتصاد الطاقة والطاقة الشمسية وتصريف مياه الأمطار والصرف الصحي وتسيير النفايات المنزلية.
قواعد خاصة للسكن في مدينة تافيلالت
تُعدّ مدينة غرداية، التي تقع بها مدينة تافيلالت، من أكثر المدن الجزائرية المحافظة، وكون بناء هذه المدينة العصرية جاء للحفاظ على النمط العمراني الأصيل للمنطقة، فقد كان لزاماً على مؤسسي المشروع الحفاظ على الموروث الثقافي للمجتمع الميزابي المبني على التعاون والتضامن وفقاً لتعاليم المذهب الإباضي، إذ إنّ كلّ سكان المدينة يتبعون هذا المذهب الإسلامي بحسب france24.
وللحفاظ على هذه القيم وتنميتها، تحكم مدينة تافيلالت قوانين وقواعد تخص كل مناحي الحياة من حسن الجوار إلى طريقة إحياء حفلات الزواج، فالحياة في مدينة تافيلالت منظمة وفق ميثاق يوقعه كل السكان، وتفرض هذه القوانين الحفاظ على النظافة والمشاركة في كل الأعمال التي تخص المدينة.
بحيث تتكفل كل أسرة بنظافة الحي الذي تقطن فيه لمدة أسبوع، كما يشارك السكان في صيانة المساحات الخضراء.
وخارج أسوار المدينة، أنشأ السكان حديقة لتعوض واحة النخيل التي عادة ما تجاور قصور غرداية لضمان حاجيات السكان، فكل قاطن في المدينة يغرس 3 أشجار، نخلة وشجرة مثمرة وشجرة للزينة، وعليه أن يسقيها ويحافظ عليها وفق معايير الزراعة البيولوجية دون استخدام سماد أو مبيدات كيميائية.
جوائز عربية ودولية
في سنة 2015، فاز مشروع إنجاز مدينة تافيلالت بالجائزة الأولى العربية للإدارة البيئية، كما حصد جائزة أحسن هندسة معمارية بالجزائر عدّة مرات.وفي سنة 2021، فازت مؤسسة "أميدول" التي شيّدت مدينة تافيلالت بجائزة "إنرجي غلوب الدولية 2020" التي تُعد واحدة من الجوائز المرموقة عالمياً في مجال البيئة والاستدامة التي تمنحها مؤسسة "إنرجي غلوب" النمساوية لإنجاز قصر يتوفر على مناخ حيوي فريد وهو قصر "تافيلالت"، وتُعدّ تافيلالت أوّل مدينة صديقة للبيئة بالجزائر.