- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: الشهر الأول من الحرب الأوكرانية: حسابات ومواقف
صادق الطائي يكتب: الشهر الأول من الحرب الأوكرانية: حسابات ومواقف
- 27 مارس 2022, 12:44:20 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم تحقق القوات الروسية سيطرة كاملة على أي مدينة كبيرة لكي تتمكن من تسويق الحدث كانتصارات واضحة. مدن أوكرانيا تتحول إلى خرائب وأنقاض نتيجة القصف المدفعي والجوي والصاروخي.
مر الشهر الأول على بدء الاجتياح الروسي لشرق أوكرانيا، والنتائج على الأرض بدت مختلفة عن التوقعات التي رسمت قبيل الحرب، حجم التحشيد العسكري الروسي وزخم الاندفاع الأول بدأ بالتلكؤ، لم تحقق القوات الروسية سيطرة كاملة على أي مدينة كبيرة لكي تتمكن من تسويق الحدث كانتصارات واضحة. مدن أوكرانيا تتحول إلى خرائب وأنقاض نتيجة القصف المدفعي والجوي والصاروخي، لكن مقاومة الجيش الأوكراني والمتطوعين تعرقل التقدم الروسي بشكل واضح. إذ ما تزال مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية عصية على السقوط بيد الجيش الروسي. وحسب رئاسة الأركان الأوكرانية، تواصل القوات الروسية عمليتها العسكرية لمحاصرة العاصمة كييف، بينما تهاجم على جبهات أخرى مدن إيزيوم، وبتروفسكي، وهروتشوفاكا، وسومي، وأختيركا، وفي منطقتي دونيتسك وزابوريجيا، وقد وصلت الدبابات الروسية إلى أطراف المناطق الواقعة على بعد 30 كم شمال شرق العاصمة من دون أن تستطيع التقدم إلى قلب العاصمة والسيطرة عليها.
الحسابات على الأرض
توقف طرفا النزاع عن نشر إحصائيات دقيقة للخسائر التي تكبدوها منذ الثاني من آذار/مارس بعد أسبوع واحد من بدء الحرب، لكن كانت هناك دراسات وإحصائيات استخبارية، تقديرية في أغلب الحالات، تنشر في وسائل الإعلام بين الحين والآخر. فقد أشارت مجلة «شبيغل» الألمانية إلى إن التقديرات العسكرية لحلف شمال الأطلسي «الناتو» تشير إلى أن الجيش الروسي المهاجم فقد بالفعل خمس قواته القتالية منذ بداية غزوه لأوكرانيا.
الصحف الأمريكية بدورها نقلت أرقاما مختلفة لخسائر الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية، إذ نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عمن وصفته مسؤولا عسكريا بارزا في «الناتو» أن نحو 40 ألف جندي روسي سواء قتلوا أو أصيبوا أو أُسروا أو فقدوا. أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد كتبت يوم 17 آذار/مارس وفقا لتقييمات استخباراتية أمريكية أن «أكثر من 7 آلاف جندي روسي قتلوا منذ بدء الهجوم في 24 شباط/فبراير الماضي» وأضافت أن «هذا العدد من الجنود الروس يزيد على عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا في العراق وأفغانستان على مدار أكثر من 20 عاما».
أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد ذكرت «مع مشاركة أكثر من 150 ألف جندي روسي الآن في الحرب بأوكرانيا، فإن الخسائر الروسية، تقدر بنحو 14 ألفا بالإضافة إلى 21 ألف جريح» وأضافت «كما خسر الجيش الروسي 3 جنرالات على الأقل في المعركة، وفقا لمسؤولين أوكرانيين وروس ومسؤولين في حلف شمال الأطلسي».
وزارة الدفاع الأوكرانية أعلنت إحصائيات عن الخسائر الروسية شملت تدمير 194 طائرة ومروحية بينها 86 طائرة مقاتلة و108 مروحيات و444 دبابة و1435 مدرعة و201 قطعة مدفعية و43 نظام دفاع جوي و56 منصة إطلاق صواريخ من طراز غراد، و60 شاحنة و7 طائرات مسيرة عملياتية وثلاث سفن.
أما وزارة الدفاع الروسية فقد أعلنت على لسان اللواء إيغور كوناشينكوف المتحدث باسمها، قيام الطائرات والمروحيات الروسية بقصف 97 هدفا من مرافق البنية التحتية العسكرية في أوكرانيا، وأضاف: لقد بلغت حصيلة الخسائر الأوكرانية منذ بدء العملية الخاصة 184طائرة ومروحية، و246 طائرة بدون طيار، و189 منظومة صاروخية مضادة للطائرات، و1558 دبابة وغيرها من المركبات القتالية المدرعة، و156 قاذفة صواريخ متعددة، و624 مدفع ميدان وهاون، و1354 وحدة خاصة من المركبات العسكرية.
ويبدو أن دول «الناتو» تعمل بإصرار على تسهيل دخول المتطوعين الأجانب للقتال في أوكرانيا وتقدم لكييف ترسانات الأسلحة ليستمر صمودها بوجه الاجتياح الروسي. وقد ذكر تقرير صحافي لـ«BBC» أن هناك مكاتب عند المعابر الحدودية البرية بين بولندا وأوكرانيا تابعة لإدارة ما يعرف بالفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا، مهمتها استقبال المتطوعين ونقلهم إلى داخل أوكرانيا. ولا تفصح الحكومة الأوكرانية عن أعداد المتطوعين الذين انضموا بالفعل للفيلق حتى الآن، ولا عن حجم الخسائر في صفوفهم. علما أن مجموعات منهم تقاتل على الخطوط الأمامية الأكثر صعوبة بحسب ما أكد دميان مارغو المتحدث باسم الفيلق. وتشير التقديرات إلى أن عدد المتطوعين يناهز 20 ألفا، غالبيتهم من دول الناتو، لكن جزءا منهم رفض توقيع العقد الذي ينص على إلزام المتطوع بالبقاء حتى انتهاء الحرب.
وقد عبرت موسكو عن رفضها لسياسة «الناتو» القائمة على تأجيج الصراع، وجاء ذلك على لسان السفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، الذي حذر الولايات المتحدة وحلفاءها من مخاطر ضخ الأسلحة والمعدات العسكرية في كييف وإرسال مرتزقة أجانب إلى أوكرانيا، وما يشكله هذا السلوك من تهديد للأمن الأوروبي والعالمي. وقال السفير في بيان رسمي «إن دعم نظام كييف بالسلاح وإرسال المرتزقة الأجانب إلى الأراضي الأوكرانية عمل غير مسؤول وخطير للغاية. وإن عسكرة أوكرانيا تهدد بشكل مباشر الأمن الأوروبي والعالمي».
المفاوضات وأزمات المدنيين
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وجولات التفاوض بين الطرفين مستمرة، وجرت منذ بداية الاجتياح ثلاث جولات من المحادثات بين المفاوضين الروس والأوكرانيين في بيلاروسيا، أسفرت عن وقف مؤقت لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين من البلدات المحاصرة، لكن تعنت طرفي النزاع أفشل أغلب جولات التفاوض، وتم خرق عملية وقف إطلاق النار والنتيجة كانت سقوط ضحايا مدنيين بسبب تجدد القتال، يتبعه تبادل اتهامات بين طرفي النزاع، حيث يرمي كل طرف مسؤولية ما حدث على الآخر.
السقف الذي تطالب به موسكو في مفاوضاتها ما زال مرتفعا ويتمحور حول جعل أوكرانيا منطقة عازلة منزوعة السلاح غير مسموح لها بالدخول في حلف «الناتو» لأن هذا الأمر يعد تهديدا للأمن القومي الروسي، مع رفض أي حديث عن إعادة مناطق شبه جزيرة القرم والأقاليم المستقلة في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا إلى سيطرة كييف من جديد. بينما تتمثل مطالب أوكرانيا في جولات التفاوض بعدم تدخل موسكو بقرارات كييف باعتباها دولة مستقلة وذات سيادة، وأن أي قرارات استراتيجية سيصوت عليها الشعب الأوكراني باستفتاء قبل إقرارها، كما يطالب المفاوض الأوكراني بالعودة إلى حدود جمهورية أوكرانيا قبل عام 2014 ما يعني تخلي موسكو عن الأراضي التي سيطرت عليها في شبه جزيرة القرم والدونباس.
جولة المفاوضات الأخيرة بين الطرفين تمت في مدينة انطاليا التركية على مستوى وزراء الخارجية يوم 10 آذار/مارس الجاري، وقد فشلت في التوصل إلى حل أو اتفاق أولي لوقف النزاع. إذ تمسك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا بمواقفهما خلال الاجتماع، وقال كوليبا للصحافيين «تحدثنا عن وقف لإطلاق النار ولكن لم يتم إحراز أي تقدم في هذا الاتجاه» وأشار الوزير الأوكراني في حديثه إلى أنّ وزير الخارجية الروسي لافروف أكد له أن روسيا «ستواصل عدوانها إلى أن نقبل شروطهم بالاستسلام». بيد أنه رد في المقابل قائلا إن «أوكرانيا لم ولن تستسلم».
وبينما يعاني مئات الآلاف من المدنيين من ويلات الحرب ونقص أو انعدام الخدمات، يتبادل طرفا النزاع الاتهامات بالنتائج الكارثية وانعكاسها على المدنيين، إذ نقل تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» عن مساعد رئيس بلدية مدينة ماريوبول بترو أندريوشتشينكو أن أكثر من مئتي ألف شخص لا يزالون داخل المدينة. وقال إن أكثر من ثلاثة آلاف مدني قُتلوا فيها منذ بدء المعارك، لكن الحصيلة المؤكدة لا تزال مجهولة، كما تتهم أوكرانيا القوات الروسية بعرقلة خروج المدنيين من المدن المحاصرة.
بينما نقلت وكالة الأنباء الروسية عن مسؤول كبير بوزارة الدفاع الروسية قوله إن الوضع الإنساني في أوكرانيا استمر بالتدهور السريع، وألقى باللوم على المقاتلين الأوكرانيين واتهمهم باستخدام المدنيين كدروع بشرية. كما أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن موسكو لا تثق بتصريحات كييف حول سقوط ضحايا بين المدنيين نتيجة عمليات القصف الروسية، مشيرا إلى أن العسكريين الروس لا يقاتلون ضد المدنيين. وخلال موجز صحافي نفى بيسكوف ما ورد في تقارير النيابة العامة الأوكرانية التي ذكرت سقوط قتلى بين المدنيين، بمن فيهم أطفال نتيجة ضربات الجيش الروسي. كما أشار بيان لوزارة الدفاع الروسية إلى «يواصل العسكريون الروس ضمان الخروج الآمن للاجئين الذين يغادرون ماريوبول. كل يوم، يواصل الأشخاص المسالمون مغادرة المدينة، دون المشاركة في الأعمال العدائية، وهم في الواقع، رهائن لدى الوحدات القومية النازية الأوكرانية التي تمركزت في مناطق سكنية وتستخدم السكان المدنيين كدروع بشرية في سير العمليات العدائية».
وبعد مرور شهر على الحرب في أوكرانيا أخذت الأوضاع الإنسانية للمدنيين في مدن القتال تسوء بشكل كبير، إذ هرب أكثر من 800 ألف شخص من السكان ذوي الأصل الروسي من شرق أوكرانيا إلى روسيا وبيلاروسيا، بينما هرب حوالي 3 ملايين شخص من الأوكرانيين إلى دول الجوار غرب أوكرانيا، وتعد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة هذه الأزمة واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية التي تشهدها أوروبا في التاريخ الحديث، وتتوقع حكومات الاتحاد الأوروبي استمرار الأزمة ما قد يوصل أعداد اللاجئين الأوكرانيين إلى حوالي 5 ملايين لاجئ.