- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
صبري صيدم يكتب: ومضات… إدارة الظهر لم تعد مقبولة!
صبري صيدم يكتب: ومضات… إدارة الظهر لم تعد مقبولة!
- 10 مايو 2023, 5:26:33 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
فتح تنصيب الملك تشارلز الثالث ملكاً على بريطانيا قبل أيام شهية الدول المنضوية تحت رئاسته الرمزية للتفكير بمسارات جديدة في حياتها، يشتمل البعض منها على فك الارتباط الكامل عن العرش والملك، بينما يفكر البعض الآخر بالطلب من بريطانيا الاعتذار عن تاريخها الاستعماري، وما يتضمنه هذا الاعتذار من مسؤوليات مادية ومعنوية. وتعرف تلك الدول بعوالم الكومنولث التي تضم ست عشرة دولة ومملكة لتشتمل بالإضافة إلى بريطانيا، على كندا ونيوزلندا وجامايكا والبيليز وجزر الأنتيغا والباربودا، والبهامز، وغرينادا، وبابوا غينيا الجديدة، وسانت كيتس والنيفيس، وسانت لويشا، وسليمان والتوفولو، والغرينادينز وسانت فينسنت.
أما رابطة الكومنولث فتضم إضافة إلى عوالم الكومنولث، واحداً وأربعين دولة أخرى، حيث أنشئت تلك الرابطة في الربع الأول من القرن العشرين تقريباً، بموجب إعلان خطه شخص يعرفه الفلسطينيون جيداً، نعم.. آرثر بلفور، الذي تولى منصب وزير المستعمرات ورئيس الوزراء بعد توليه منصب وزير الخارجية لعدة سنوات، ساهم بعدها وتحديداً في عام 1926 بإصدار الإعلان المذكور، الذي عرف بإعلان المؤتمر الإمبراطوري، ولتصادق عليه بريطانيا رسمياً عام 1931، ولتعاد صياغته واعتماده عام 1949، بحيث تشكل اللغة والتاريخ والقيم المشتركة الرابط المتبقي بين تلك الدول، وليستحدث رسمياً ما سمي آنذاك بألعاب الكومنولث الرياضية.
الملك الجديد قادر على توجيه حكومته لحل القضايا الإنسانية والتاريخية، ومنها قضية فلسطين وما راكمته من مسؤولية أخلاقية وإنسانية تتحمل بريطانيا جزءاً كبيراً منها
ورغم تلك الرابطة التي حاول معها العرش البريطاني ومن قبله امبراطوريته السابقة ضمان استفادته عسكرياً واستراتيجياً ولوجستياً ومادياً من محمياته ومستعمراته السابقة، إلا أن نزعة فك الارتباط لم تغب يوماً عن تلك المستعمرات السابقة، بينما دأبت فلسطين على الطلب رسمياً من بريطانيا تصحيح الخطأ التاريخي الذي حدث بفعل إعلان آخر لبلفور وما خلفه من نكبات ونكسات وكوارث، أدت إلى انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتأسيس دولة الاحتلال عام 1948 على أرض وحساب الشعب الفلسطيني الذي تم تهجيره وتدمير مدنه وقراه في نكبة مستمرة منذ 75 عاماً. وعليه فإن الملك تشارلز الثالث، الذي بورك تنصيبه بزيت فلسطيني مقدسي، قد وجِه برسالة وقع عليها أكثر من إحدى عشرة دولة من دول الكومنولث وعريضة أسترالية تطالبه بالاعتذار. ولعل الشخصية المنفتحة للملك الجديد، شجعت هذا النهج، كيف لا وهو المطلع على العالم ويعرف حق المعرفة حجم الظلم التاريخي الذي وقع على الشعوب المختلفة وتحديداً الشعب الفلسطيني. ورغم طبيعة التركيبة الدستورية للمملكة المتحدة وضوابط الحكم المعروفة للجميع، التي تمنع تدخل الملك في الأمور السياسية، إلا أن الملك الجديد قادر على توجيه حكومته باتجاه حل القضايا الإنسانية التاريخية العالقة على اختلافها، ومنها قضية الشعب الفلسطيني وما راكمته من مسؤولية أخلاقية وإنسانية تتحمل بريطانيا جزءاً كبيراً منها. ولعل الآلية الأسلم لتحقيق هذا الهدف، تكمن في توقيع بريطانيا لخطة خريطة طريق أسوة بتلك التي وقعتها مع إسرائيل مؤخراً، بحيث تفضي هذه الخطة إلى جدولة واضحة لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، عبر اعتراف بريطانيا العضو الدائم في مجلس الأمن، بفلسطين دولة كاملة السيادة وعضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة.
إن تجاهل بريطانيا لهذا الأمر لا يمكن أن يستمر، كما أن إدارة الظهر للقضية الفلسطينية، وكأن الأمر لا يعنيها لم يعد مقبولاً، خاصة أمام تنامي التطور السكاني والعرقي للمملكة المتحدة وأهلها، الذين يشاهدون يومياً تزايداً فلكياً في تقتيل الشعب الفلسطيني دونما رادع أو مانع. وتختلف فعلياً مسؤولية بريطانيا في مضمونها عن مسؤولية بقية دول أوروبا، وعليه فمن المهم التزام بريطانيا بموقفها المعلن قولاً وعملاً والقائم على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وإنهاء ملف القضية الفلسطينية وفق القانون الدولي والتعويض المادي والمعنوي لجميع الفلسطينيين الذين هجروا ودفعوا حياتهم وأحلامهم ثمناً لصراع لا طائل منه.