- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
ابراهيم نوار يكتب: في ذكرى النكبة: القضية الفلسطينية إلى أين؟
ابراهيم نوار يكتب: في ذكرى النكبة: القضية الفلسطينية إلى أين؟
- 10 مايو 2023, 4:28:56 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إلى مستقبل جديد مستدام؟ أم إلى إعادة تكرار الفشل؟ أم إلى ضياع؟ هذه ثلاثة سيناريوهات رئيسية يجب أن نتوقف أمامها، وأن نتأملها، حتى نرى طريقا أبعد مما تقف عليه الأقدام، طريقا يرسم مستقبلا جديدا تتوفر فيه مقومات الحياة والاستمرار، يحقق طموحات قابلة للتنفيذ، يمكن الدفاع عنها، والمحافظة عليها، وحمايتها، وحتى نجيب على السؤال الكبير: القضية الفلسطينية إلى أين؟ يجب أولا أن نتخلص من منطق «إدارة السياسة بالحماسة»، وألا نعول كثيرا على النوايا الحسنة، وأن نعلم أن السياسة هي إقامة حقائق جديدة، للتغيير وصنع المستقبل، وأن المستقبل ليس بالضرورة استمرارا للماضي، بل يمكن تغييره، لأنه إذا كان من المستحيل تغيير حقائق الماضي، فإن إقامة حقائق جديدة في الحاضر يمكن أن يقود إلى مستقبل جديد لا يمثل امتدادا خطيا للماضي.
وإنني إذ أعتز بانتمائي إلى مدرسة «الواقعية السياسية» قولا وعملا، خصوصا أفكار هانز مورجنتاو، فإنني أرى أن السياسة هي «إقامة الحقائق»، وليست مجرد «إدارة الحقائق القائمة فعلا»، مع أن الأخيرة تصلح للتطبيق في مجالات الممارسة الدبلوماسية ذات الأهداف القصيرة الأجل مثل «تهدئة الصراع» أو ما يطلق عليه «سياسة رجل الإطفاء». وعندما عزمت على كتابة هذا المقال تابعت ثلاث رؤى مختلفة للمشهد الراهن للقضية الفلسطينية، ومآلاته المستقبلية المحتملة. ضربة البداية جاءت في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» في 14 أبريل/نيسان الماضي عن «حقيقة الدولة الواحدة في إسرائيل: لقد حان الوقت للتخلي عن حل الدولتين»، شارك في كتابته أربعة من المفكرين الأمريكيين المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط هم، مايكل بارنت، ناثان براون، مارك لينش، وشبلي تلحمي. وتوصل مايكل بارنت وزملاؤه الثلاثة إلى استنتاج كبير مفاده، أن حل «الدولة الواحدة الثنائية القومية» قائم فعلا، لكنه يعاني من خلل هيكلي ناشئ عن التمييز ضد الشعب الفلسطيني، ومن ثم فإن حل الدولة الواحدة لا يمكن تجاهله باعتباره الحل العملي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
المقال أثار ضجة كبرى في الولايات المتحدة، ما دعا اثنين من كبار خبراء الشرق الأوسط، ذوي الانتماءات الصهيونية الصريحة، هما دينيس روس ودافيد ماكوفسكي، للرد على مقال بارنت وزملائه، في مقال نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتاريخ 27 أبريل الماضي، بعنوانٍ يتخذ من الديمقراطية ثوبا خارجيا، لكنه في جوهره يهاجم مقال «فورين أفيرز». وقد اهتمت الصحف الإسرائيلية اهتماما كبيرا بالمقال، الذي نشرته أيضا مجلة «ناشيونال إنتريست» في اليوم نفسه. في هذا المقال شن روس وماكوفسكي هجوما عنيفا على مقال بارنت وزملائه، انطلاقا من افتراض عنصري ضيق الأفق، يفتقر إلى أي أساس علمي أو سياسي، منطوقه أن إسرائيل اختارت الديمقراطية، وأن هذا الاختيار يتوافق فقط مع وجود دولة يهودية أحادية القومية، تفقد صفتها الديمقراطية بالضرورة إذا أصبحت ثنائية القومية. بعد ذلك تواصلت ردود الفعل، وانضم إلى الجدال مسؤول سابق عن الشرق الأوسط في أجهزة المخابرات الأمريكية هو بول بيلار، صاحب الزاوية المتميزة في مجلة «ناشيونال إنترست»، ونشر مقالا في المجلة بتاريخ 6 مايو/أيار الحالي، ناقش فيه حقيقة الصدام بين فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية، والدولة العنصرية الأحادية القومية، وكذلك فكرة حل الدولتين، المتداولة دبلوماسيا. مقال بول بيلار يتكامل عضويا مع مقال بارنت وزملائه الثلاثة، ويعرّي إلى حد بعيد الطابع المفلس لمقال روس وماكوفسكي. وإنني لأرجو من المفكرين السياسيين العرب والباحثين في القضية الفلسطينية وصناع القرار المعنيين أن يقرأوا بعناية المقالات الثلاث المشار إليها لأهميتها.
إذا كان من المستحيل تغيير حقائق الماضي، فإن إقامة حقائق جديدة في الحاضر يمكن أن يقود إلى مستقبل جديد لا يمثل امتدادا خطيا للماضي
تغيرات جيوسياسية
وأظن كذلك أننا في حاجة شديدة لإعادة قراءة التداعيات التاريخية للمشروع الصهيوني وغياب المشروع الفلسطيني الواحد للمستقبل. هذه الحاجة تنبع من أربعة اعتبارات: الأول، هو التغيرات الجيوسياسية الجوهرية التي تمر بها المنطقة، خصوصا منذ 10 مارس/آذار الماضي. الثاني، هو الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي تستخدم الرصاص بدلا من الحجارة. الثالث هو صعود نفوذ التيار الصهيوني الديني المتطرف، إلى درجة تهديد طبيعة الدولة في إسرائيل، وإشعال ما يمكن وصفه بأنه «حرب أهلية سياسية» بين التيارين الديني المتطرف والعلماني المعتدل في الحركة الصهيونية العالمية. وهذا هو أخطر اختبار داخلي لدولة إسرائيل منذ إنشائها، لأنه يتعلق بطبيعة وجود الدولة كوحدة سياسية لها هوية محددة. وقد لاحظ الإعلام الإسرائيلي، أن الدول العربية ليست مهتمة بالتحولات السياسية الجارية داخليا، بالقدر الذي اهتمت به إسرائيل بثورات الربيع العربي عام 2011. كذلك فإننا نلاحظ ضعف اهتمام القوى السياسية العربية داخل إسرائيل والموقف السياسي العام بين المواطنين ذوي الأصول العربية بالمشاركة في المسيرات الأسبوعية المعارضة للتعديلات المقترحة على النظام القضائي الإسرائيلي، وهو ما يقلل من فاعليتهم في النظام السياسي القائم، ويعكس سلبية سياسية قد يدفعون ثمنا فادحا لها، إذا تمكن نتنياهو وأقطاب الصهيونية الدينية المتطرفة من تمرير مشروعهم، الذي تتضمن أهدافه فتح الاستيطان في ما يسمى «أرض إسرائيل»، ووضع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة أمام خيارين: الهجرة أو القتل. أما الاعتبار الرابع والأخير فهو تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وزيادة اعتمادها على «عسكرة الدبلوماسية»، بمساعدة إسرائيل، وهو ما يضعف كل منهما إقليميا.
ديمقراطية على جثة الشعب الفلسطيني
الغريب جدا في مقاربة روس وماكوفسكي إنها تنطلق من فرضية شديدة العنصرية، تعتبر أن إسرائيل يستحيل أن تكون دولة ديمقراطية، إذا كانت «ثنائية القومية». هذه المقاربة في واقع الأمر تتجاهل حقيقة ان إسرائيل هي دولة ثنائية القومية فعلا، يعيش فيها مليونان من الفلسطينيين، المحرومين من حقوقهم بالمشاركة في الحكم بنسبة تمثيلهم في الكنيست، وأكثر من 3 ملايين في الضفة الغربية يخضعون للاحتلال، وتعتبرهم إسرائيل مجرد سكان غرباء يعيشون على أرض تخضع لسيادتها. روس وماكوفسكي، يعتبران أن الاعتراف بالوجود السياسي للفلسطينيين ينزع عن إسرائيل بالضرورة صفة «الدولة الديمقراطية»، ومن ثم يجب أن تكون «دولة يهودية» أحادية القومية. هذا المنطق يبرر سياسة التمييز القومي والديني والاجتماعي والسياسي ضد غير اليهود داخل إسرائيل، كما يبرر سياسة القهر العسكري في الضفة، ونزع الملكيات وإقامة المستوطنات على أراضي الفلسطينيين وطردهم منها، وتطبيق القانون الإسرائيلي على الأرض والسكان.
السلام العربي
ويزعم روس وماكوفسكي أن إسرائيل محاطة ببحر من الأعداء، مثل حماس وحزب الله، متجاهلا حقيقة أن القدرات العسكرية لإسرائيل وتفوقها الاستراتيجي الساحق على دول المنطقة والحركات المسلحة غير الحكومية في دول فاشلة مثل سوريا ولبنان، تزيد بمرات عن التهديدات من أولئك «الأعداء». الكاتبان يتجاهلان أيضا حقيقة أن هناك هدنة غير معلنة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وأن حماس عرضت أكثر من مرة ترتيب هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تسمح بالتعايش السلمي بينهما، وأن السلطة الوطنية الفلسطينية تعترف بإسرائيل وتتعامل معها وتنسق معها أمنيا بشكل منتظم. كما يتجاهلان حقيقة أن إسرائيل تربطها علاقات دبلوماسية بمصر والأردن ودول عربية أخرى. كما يتجاهل روس وماكوفسكي حقيقة أن إسرائيل تسعى لأن تصبح القيادة السياسية والعسكرية للمنطقة من خلال تحالف يجمعها مع مصر والدول الأعضاء في «منتدى النقب». ويتجاهل الكاتبان أيضا حقيقة سعي الدول العربية إلى سلام مع إسرائيل، على أساس مبادرة السلام العربية، التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ووافقت عليها القمة العربية عام 2002.
لدينا إذن أربعة سيناريوهات يجرى العمل على مساراتها المختلفة، يحدد كل منها من الآن، وليس آجلا، مستقبل القضية الفلسطينية. السيناريو الأول هو حل الدولة اليهودية الأحادية القومية على أرض فلسطين، وهو حل يحتمل تهجير من يطلق عليهم «عرب 48» ولا يقتصر على فلسطينيي الضفة الغربية، بحجة أن إسرائيل لا تكون دولة ديمقراطية إلا إذا كانت دولة يهودية، طبقا لما جاء في مقال روس وماكوفسكي. والحل الثاني هو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية، وهو ما يعكس الوضع الراهن ويحتاج للاعتراف بوجوده سياسيا، على أن يخضع لقواعد القانون الدولي، ويوفر حقوقا كاملة لكل القوميات والعناصر متساوية مع الحقوق اليهودية بلا تمييز، وهو ما يقول به مقال مايكل بارنت وزملائه. أما الحل الثالث فهو حل الدولتين كما تقول به مبادرة السلام العربية، واتفاقيات أوسلو وتمتد جذوره إلى قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار التقسيم والقرار 242 لمجلس الأمن. الحل الرابع والأخير يتمثل في ترحيل مسؤولية استيعاب الفلسطينيين إلى الدول العربية والعالم، مع الإبقاء على الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، حتى تبقى نموذجا للدولة التي يعيش فيها الفلسطينيون أو يطالبون بها.