- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
نزار السهلي يكتب: النكبة واكتمال الوعي الفلسطيني والعربي
نزار السهلي يكتب: النكبة واكتمال الوعي الفلسطيني والعربي
- 9 مايو 2023, 4:13:35 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بعد 75 عاماً على النكبة الفلسطينية، يتساءل بعض أبنائها اللاجئين في شتات الشمال الأوروبي وقد حملوا منذ سنوات قليلة بعضا من أحمالها المركّبة في نكبات جديدة وشبيهة بما حدث للآباء والأجداد؛ عن فصلها الأول وتفاصيله التي لم تغادر شفاه وذاكرة الآباء والأجداد، برفض القبول بهزيمة جيوش عربية في قياس الحاضر الذي نعايشه، وعن أسباب غياب مقاومة عربية منذ لحظة الإعلان عن الهزيمة والاكتفاء بإعلانها على المنكوبين عام 1948 والتسليم العربي والدولي بقيام "إسرائيل" على أنقاض شعبٍ قتل وشرد واقتلع من أرضه، ليصبح التعامل مع النكبة وآثارها كأمرٍ واقعٍ، تمت رعايته لعقدين من الزمن حتى وقوع الهزيمة العربية الثانية في حزيران عام 1967، وكيف غابت دعوات وفعل تصدي الجيوش العربية المشاركة "بجيش الإنقاذ" دفاعاً عن فلسطين وفي مواجهة المشروع الصهيوني.
اليوم في زمنٍ عربي مشبع بالتشرذم وناصع بالتآمر والوضوح، يحمل إجابات كثيرة للمنكوبين ونسلهم المصاب بضخامة العدوان عليهم، يتضح معها سقوط التعويل على أنظمة وجيوش عربية منقذة لفلسطين وشعبها وقضيتها، أو منقذة لنفسها من كوارث وطنية وعربية حدثت وتحدث بفعل سياسات القمع والقهر وغياب الحريات والتنمية، بعد تأطير صورة الجيش في بوتقة قمع المنكوبين وأحضانهم العربية.
في زمنٍ عربي مشبع بالتشرذم وناصع بالتآمر والوضوح، يحمل إجابات كثيرة للمنكوبين ونسلهم المصاب بضخامة العدوان عليهم، يتضح معها سقوط التعويل على أنظمة وجيوش عربية منقذة لفلسطين وشعبها وقضيتها، أو منقذة لنفسها من كوارث وطنية وعربية حدثت وتحدث بفعل سياسات القمع والقهر وغياب الحريات والتنمية، بعد تأطير صورة الجيش في بوتقة قمع المنكوبين وأحضانهم العربية
ولأن التحرر من النكبة الفلسطينية بقي في الوعي العربي رمزاً شاملاً لحريةٍ وعدالةٍ تستقطب عشاق الحياة، نجح المنكوبون في النجاة من طوق الإبادة الصهيوني، ونجح الشارع العربي في إعادة بعض الأخلاق لذاكرة العالم في تجربته بالثورات العربية على أنظمة القمع العربي منذ العام 2010، والتي استدارت ناكصةً لتصافح يد الجلاد الصهيوني وتمنحه يد البراءة ليمنحها سلامة البقاء لحماية النكبة.
لأكثر من نصف قرن، مورس على المنكوبين وصاية فكرية وأيديولوجيا عربية، وبعد 75 عاما لم تعد تنطلي عليهم سياسات وشعارات دعم قضيتهم، كما تعرض الشارع العربي لذات الممارسات من هذه الوصاية التي خلعها في زمن الثورات العربية والمضادة لها، والتي حاولت أن تنزع مكانة القضية وأبنائها من نفوس أشقائهم العرب؛ بالتطبيع مع عدو الفلسطينيين أو بأخذ الدور الذي عجزت عنه المؤسسة الصهيونية بتحطيم مجتمع اللاجئين وتشتيتهم وقتلهم، وبقيت البيانات التي تراكم غبار الزمن عليها، بأن فلسطين المستخدمة "قضية مركزية" لأنظمة أمنية وقمعية، هي راع فعلي للنكبة المكشوفة من سياسات عربية أثرت مشاريع إسرائيل في فلسطين والمنطقة العربية كلها، عندما تسيّد النظام العربي ذريعة النكبة الأولى لبسط القمع والقهر لتصفية آثار النكبة والهزيمة، ثم الانخراط بمشاريع الحلول القاضية بتصفية حق اللاجئين والقضية برمتها بالتساوق مع ظهور طبقة فلسطينية تتقاطع مصالحها مع هذه المشاريع.
النكبة الفلسطينية لم تعد مناسبة بعيدة للألم والأسى يتذكرها أبناء فلسطين والعرب بحسرة على ضياع الأرض، بل هي مناسبة قديمة ومستمرة لمعايير الوعي العربي والفلسطيني في الكرامة والحرية والعدالة والمواطنة، معايير لا ضامن غيرها لإنسان عربي ينشد العيش على أرضه وفي وطنه بعزة وكبرياء، وتلك معايير تخيف المحتل والمستبد
في أيار/ مايو من كل عام، تنزلق ذاكرة الفلسطيني كومضة برق، لتستقر عام 1948، وكل يوم في أحاديث اللاجئين شهادة تعريف تقاوم التهويد والأسرلة، وتقديم الذات عن مسقط رأس الأجداد والأحفاد من حيفا وعكا ويافا، والناصرة وصفد وطبريا وإجزم ولوبية وجبع والقدس وأم الفحم والأغوار والنقب وبئر السبع والرملة وترشيحا.. حتى من تناسلوا في شتات بعيد يحملون أسماء القرى والمدن والبلدات والحواري والخِرب والآبار والسهول وطقوس التراث والتاريخ الفلسطيني وتفاصيل الأرض وأشجارها ومائها، فهي زادهم للبقاء والنجاة من مذبحة ونكبة "أبدية" تلاحقهم للتسليم والاكتفاء بما كان ومضى من آلامٍ وعذاب ونسيان حقهم في العودة لوطنهم وأرضهم وممتلكاتهم.
لكن التاريخ والأيام تأبى أن تقفل دورتها كما يشتهي حماة الخديعة والنكبة الفلسطينية، والاحتلال الذي يخيفه علم فلسطيني ويثير الذعر في كيانه مقاوم على أرضه يبتدع وسائل نضاله للمشروع الصهيوني؛ لا يخشى شيئاً من جيوش عربية وأجهزة أمنها المشغولة بنفس المهمة.
والنكبة الفلسطينية لم تعد مناسبة بعيدة للألم والأسى يتذكرها أبناء فلسطين والعرب بحسرة على ضياع الأرض، بل هي مناسبة قديمة ومستمرة لمعايير الوعي العربي والفلسطيني في الكرامة والحرية والعدالة والمواطنة، معايير لا ضامن غيرها لإنسان عربي ينشد العيش على أرضه وفي وطنه بعزة وكبرياء، وتلك معايير تخيف المحتل والمستبد المتحالفين لمحاربتها.
اكتمال الوعي الفلسطيني والعربي بنكبة فلسطين، بدأ بالانتباه للمعايير المغيبة وبالحقوق المسلوبة من الحريات والمواطنة والديمقراطية، وبتشديد القمع ورفع سواتره المتهالكة، وبطرح الأسئلة وإعمال العقل عمن يحمي نكبة الفلسطينيين ومن يعيق نضال المنكوبين؛ هل هو تآمر القوى الدولية و"الإمبريالية الأمريكية" والعجز العربي المقيم؟
اكتمال الوعي الفلسطيني والعربي بنكبة فلسطين، بدأ بالانتباه للمعايير المغيبة وبالحقوق المسلوبة من الحريات والمواطنة والديمقراطية، وبتشديد القمع ورفع سواتره المتهالكة، وبطرح الأسئلة وإعمال العقل عمن يحمي نكبة الفلسطينيين ومن يعيق نضال المنكوبين؛ هل هو تآمر القوى الدولية و"الإمبريالية الأمريكية" والعجز العربي المقيم؟ للتحرر من الأجوبة، قدم الشعب الفلسطيني ومقاومته للمشروع الصهيوني أجوبة كثيرة في نضاله وأدبياته، وفي أدواته البسيطة وإمكانياته المتواضعة التي حملته لتحديد مفاهيم من الاستحالة غض النظر عنها لكونها مسألة مفتاحية في تناول موضوع النكبة وآثارها وتداعياتها منذ العام 1948.
وبالنظر لقياس وعي الحاضر العربي والتدقيق بأحوال أنظمة عربية تطوق فلسطين التاريخية، وتجاور المشروع الصهيوني ومستعمراته وتَمدها بسبل الأمن والاستمرار والتطبيع، مقابل احتضان المنكوبين وقمعهم وتشتيتهم والتضييق عليهم بالإرهاب الأمني، يتضح المنحى العام لإجابات الفلسطيني اللاجئ من أرضه وفيها، ومن طريقة التعامل الأمني معه في غرف التحقيق الأمنية العربية وفي المطارات والسفارات، واستنفار الفروع الأمنية واستحداثها باسم "فلسطين" وتحويلها لمسالخ بشرية تُقتلع فيها العيون والأكباد وتقطع الأشلاء العربية كأهداف تخدم الشكل الجوهري لدوام النكبة الفلسطينية.
أخيراً، ما فعله ويفعله أصحاب الأرض في فلسطين وفي لجوئهم لمواجهة المشروع الصهيوني القائم على نكبتهم، تجاوز موضوع الشعارات والشفقة، والتمنين الرسمي العربي باحتضانهم، وكشف عن حاجة الحضن العربي الملحة لفلسطين وقضيتها، والتي تعني للعربي إنسانية وحرية وكرامة ومواطنة، وصورة لأحلامه وإرادته، لأن فلسطين كقضية عادلة، تبقى حاملا فعليا وأساسيا لتحرره وبالعكس، لا إثماً ينبغي التكفير عنه، كما تبتهل أنظمة الاستبداد والتطبيع العربي لإسرائيل في الكي الفاشل للوعي الجمعي العربي والفلسطيني المكتمل عند حقائق التاريخ وأحداثه المعاصرة.