- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
مدى الفاتح يكتب: هل محاكمات ترامب مسيسة؟
مدى الفاتح يكتب: هل محاكمات ترامب مسيسة؟
- 9 مايو 2023, 4:21:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يكد الجدل حول قضية تورط الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في دفع أموال بطريقة غير قانونية للممثلة الإباحية ستوري دانييل، قبل انتخابات 2016 يخفت قليلاً، حتى تم توجيه اتهام جديد له يتعلق باغتصاب سيدة قبل خمسة وعشرين عاماً، ستضاف هذه القضية لسلسلة القضايا التي واجهها الرئيس المثير للجدل، الذي ارتبط بالملاحقات القانونية والتهديد بالعزل حتى قبل نهاية فترته.
ترامب، الذي كذّب بدوره كل هذه الادعاءات واعتبر أنها مختلقة، كرر ذلك مع الدعوى الجديدة المتعلقة باغتصاب الصحافية الأمريكية جين كارول، حيث اعتبر أنها قضية تهدف للكسب وترويج المذكرات، ويرى أن جميع التهم الموجهة إليه، تهم سياسية يقودها خصومه من الديمقراطيين، ومن المؤسسة السياسية الأمريكية، التي ظلت تنظر إليه كقادم من الخارج، وأن الغرض من كل هذا هو تشويه صورته وإبعاده عن المنافسة الرئاسية، وإذا تم الحكم عليه بأنه مذنب، فإن ذلك سيكون سابقة مهمة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، لكن الأهم هو أن ذلك سيعني استحالة عودته إلى البيت الأبيض.
التهم التي واجهت رؤساء أمريكيين، والتي احتفى بها مبهورون بالغرب وعدالته، لم يكن من بينها التسبب بانقلابات أو حروب أنتجت ملايين الضحايا
تدعي كارول أن حادثة الاعتداء عليها وقعت في منتصف التسعينيات وتقول إنها تشجعت للإبلاغ عن ترامب بفضل إعلان ولاية نيويورك عن فتح فرصة للبلاغات القديمة الخاصة بالاعتداءات والتحرش الجنسي، وفق تشريع جديد خاص بالناجين من ضحايا الاعتداءات، ستكون هذه القضية مهمة، ولسوء حظ ترامب، فإن الأنظار ستكون مسلطة على تفاصيلها ونتائجها، باعتبارها أول قضية من هذا النوع «التاريخي». بالنسبة لأنصار المرأة وللضحايا، الذين يرون أنه ليس من المفروض أن يسأل أحد، لماذا تفتح هذه القضايا بعد كل هذه السنوات؟ فإن الحكم لصالح كارول سيكون مشجعاً لآخرين للتقدم وفضح المتحرشين والمغتصبين، في حين سيكون تمييع هذه القضية أو وصولها إلى طريق مسدود مخيباً للآمال. المشرعون الأمريكيون في الولايات المختلفة يضعون موضوع الناجين نصب أعينهم في اتساق مع توجه عالمي منذ صيحة «مي تو» (أنا أيضاً) التي جابت الآفاق، لكن يبقى هناك تفريق قانوني جزئي بين حوادث الاغتصاب إبان الطفولة، التي ينظر إليها بصرامة أكثر ويطلب من الجميع الإبلاغ عنها، وغيرها من الحوادث المشابهة التي كان ضحاياها من البالغين. مثل كل البلاغات والادعاءات المشابهة تواجه هذه القضية صعوبة في الإثبات، بسبب أنه لا يمكن الاعتماد على الفحص الطبي، ولا الرجوع لتسجيلات الكاميرا، ما يجعل الحكم مرتبطاً بما يقتنع به المحققون والقضاة، من خلال التركيز على مقابلة إفادات الطرفين. بالنسبة للمحامين، يكفي ذكر أي تفصيل خاطئ، أو أن تخون الشاكية ذاكرتها حول أي معلومة لإضعاف موقفها، واعتبار أن كلامها محض افتراء، هذا حدث بالفعل مع كارول، التي اعترفت بأنها لا تتذكر كثيراً من تفاصيل الزمان والمكان، وأن كل ما تتذكره هو أن ذلك الاعتداء حصل. أمام القضاة اليوم ملف يحوي تصريحات ترامب السابقة البذيئة والمهينة للنساء، وشهادة لصديقين يقولان إن كارول سبق أن حكت لهما عن هذه الحادثة، إضافة إلى شهادة نساء يزعمن بأنهن أيضاً سبق وتعرضن للتحرش من قبل ترامب، لكن كل هذا ربما لا يكون كافياً لدعم رواية الاغتصاب، حيث يركز محامو ترامب على سؤال كارول حول أسباب عدم صراخها، أو استغاثتها بآخرين، أو عدم تقدمها بشكوى بمجرد وقوع الحادثة. تجريم رؤساء أمريكيين أو وضعهم تحت شبهات قانونية، ليس أمراً بدأ مع ترامب، حيث يحفل التاريخ السياسي الأمريكي بكثير من القصص من هذا القبيل، يمكن تتبعها بدءاً من حادثة الرئيس الثامن عشر للولايات المتحدة يوليسيس غرانت (1822ـ1885) الذي تم إيقافه عام 1872 في واشنطن بتهمة السرعة الزائدة (عربة الخيول). في تلك الحادثة التاريخية والمليئة بالرمزية خلد التاريخ اسم الضابط وليم هنري ويست، وعبارته التي تجمع بين التهذيب والواجب: «أنا آسف جداً، سيدي الرئيس، لأني يجب أن أفعل ذلك، فأنت رئيس الأمة، ولستُ سوى شرطي، لكن الواجب واجب، يا سيدي، وأنا سيتعين عليّ وضعك قيد الاعتقال».
كانت تلك الحادثة موحية ومثلها في ذلك قضية «ووترغيت»، التي استقال بموجبها الرئيس ريتشارد نيكسون عام1974 بعد أن كشفت أشرطة عن دوره في التستر على تجسس على مكتب اللجنة الوطنية الديمقراطية في مجمع ووترغيت. اكتسبت هذه القضية شهرة وأريد لها أن تكون مثالاً على أنه لا يمكن لأي أحد، بما في ذلك الرئيس نفسه، التلاعب بمصالح الشعب.
ترتبط فضيحة ووترغيت أيضاً بالرئيس اللاحق جيرالد فورد، الذي أعلن عفوه عن نيكسون بعد أن تم الحكم على كثير من طاقمه بالسجن. وفق باربارا بيري، المتخصصة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، فقد كان ذلك العفو هو أحد أسباب سخط الجماهير على الرئيس فورد، ما حملهم على سحب دعمهم له في الانتخابات التالية.
آخر رئيس كاد أن يقترب من المعاقبة الجنائية كان بيل كلينتون، الذي تولى الرئاسة خلال الفترة (1993ـ2001) الذي ارتبط بفضيحتين جنسيتين، كانت الأولى مع موظفة الاستقبال باولا جونز، التي اتهمته بالتحرش بها عام 1991، حينما كان حاكماً لولاية أركنساس، وانتهت بدفع تعويض، أما الفضيحة الثانية فكانت المعروفة بقضية مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض (1998)، التي وُضع كلينتون بسببها على طريق إجراءات مساءلة برلمانية تسعى لعزله، ليس لمجرد العلاقة، وإنما للكذب على المحققين بشأنها. أنقذ مجلس الشيوخ الرئيس كلينتون من العزل المؤكد ولم يلبث الأخير أن تجاوز الأزمة، مستعيداً شعبيته ليكتفي في لقاء بعد سنوات بالقول إن تلك العلاقة كانت بسبب محاولته التهرب من مخاوفه وقلقه.
بهذا، لا تكون مساءلة الرؤساء الأمريكيين من ناحية المبدأ أمرا جديداً، إلا أن البعض يرى أن هناك نوعا من التسييس، حينما يتعلق الأمر بترامب، وأن ذلك التسييس يعود لخصوصية الرجل الذي يبدو، ليس فقط «من خارج المؤسسة»، بل مارقاً عليها، فهو حالة خاصة حتى داخل حزبه الجمهوري. ترامب، السياسي غير الحصيف وغير المتدين، لكن الذي لا يرى الولايات المتحدة إلا بلاداً للبيض المسيحيين، يضع نفسه في مواجهة جميع الأقليات الدينية، إذا أضفنا إلى ذلك آراءه حول المثلية الجنسية وحقوق المتحولين، والتي يبدو فيها شديد التزمت، فإن ذلك يضيف له أعداء جددا ويجعله كالسابح عكس التيار العالمي الذي تحكمه قيم اليسار العولمي الجديدة. وفقاً لوجهة النظر هذه فإنه يمكن للحريصين على شيوع هذه القيم العولمية التسامح، على مضض، مع قيادة يمينية وتقليدية في دولة من دول شرق أوروبا مثلاً، لكن تمرير مشروع ترامب، الذي يسعى لرئاسة أكبر بلدان العالم وأكثرها تأثيراً، صعب لدرجة القول إن جهات كثيرة ستعمل ما بوسعها على ألا يتكرر خطأ عام 2016.
هل كل ذلك مقنع، وهل يمكن اتهام الدولة الكبرى بأنها محكومة بدولة عميقة تعمل على هندسة قيادتها وديمقراطيتها؟ الأمر يمكن أن يكون مثار جدل، لكن الأكيد هو أن التهم التي واجهت رؤساء أمريكيين، والتي احتفى بها مبهورون بالغرب وعدالته، لم يكن من بينها التسبب بانقلابات أو حروب أنتجت ملايين الضحايا.