صبري صيدم يكتب: ومضات: تكنولوجيا الافتراء واغتيال العالم!

profile
  • clock 23 أغسطس 2023, 6:33:34 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ما أكتبه لا يعني انتقاصاً من أهمية التكنولوجيا في حياتنا اليومية، ولا تقليلاً من دورها الثمين في خدمة البشرية وتطوير حياتها وتحقيق رفعتها وإسناد تنميتها وتعزيز إبداعاتها. لكنْ كما لكل شيء في حياتنا وجهان مختلفان، فإن للتكنولوجيا الحديثة وجهين مختلفين أيضاً، أحدهما سلبي والثاني إيجابي. وعليه فإن ظهور المنحى السلبي عبر إساءة استخدام التكنولوجيا وتوظيفها للافتراء والتضليل على سبيل المثال لا الحصر، ليس بالأمر الغريب، بحيث تشتمل أغراض الإساءة على مناحٍ وطرق عدة.
لذا وأمام تصاعد وتيرة الاعتماد على التقنيات المختلفة كل يوم، وبغرض الاستعاضة عن ما اعتدنا عليه من أمور تقليدية، تعمل بعض الجهات وعلى مدار الساعة، على توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنيات مختلفة لبث الشائعات وخلط الأوراق وصناعة الكذب وفبركة الافتراء، وذلك لأغراض وأسباب عدة. ولعل شكوى مشاهير الغناء مؤخراً من مساعي القراصنة إلى تقليد أصواتهم بتطابق يصل إلى 100%، إنما تذكرنا بتعاظم الدور السلبي في هذا المضمار، وهو ما يسمح بدوره بإسقاط أغنياتهم المحبوبة، وأغنيات جديدة أخرى تحمل أصواتهم، على وجوه وشفاه أشخاص آخرين بحيث يستبدل الشخص المشهور بشخص مغمور.

مع كثافة تداول الموضوعات والأخبار فإنها ستتحول أكثر فأكثر إلى مسلمات وبديهيات حتى إن كانت مفبركة ومصطنعة ومضللة، وعليه فإن «تكنولوجيا الافتراء» ستشهد ازدهاراً أكبر في المستقبل القريب

هذا التطور وغيره من إمكانيات تحوير الصورة، والخطوط والمواقع والأحداث، إنما بات يدق ناقوس الخطر في مسار العلاقات البشرية مستقبلاً، خاصة مع تنامي التأثير الواضح للإعلام الاجتماعي، الذي بات المسيّر الأول لمزاج الناس ومواقفها، والمؤثر الأول في ترسيخ صناعة الانطباع العام أو الفردي.
ومع كثافة تداول الموضوعات والأخبار فإنها ستتحول أكثر فأكثر إلى مسلمات وبديهيات حتى إن كانت مفبركة ومصطنعة ومضللة ومخترقة، وعليه فإن «تكنولوجيا الافتراء» ستشهد ازدهاراً أكبر في المستقبل القريب، خاصة في خضم تعاظم الأحقاد البشرية وتصاعد الحروب والمعارك، وتزايد تناقضات المصالح.. وبهذا ستجد وسائل الاستخبارات العالمية على سبيل المثال لا الحصر، وحسب إمكاناتها، مساحة أكبر لصناعة المزاج العام وتأجيج الصراعات وتعظيم الخلافات إحكاماً منها للسيطرة، وتعزيزاً من خلالها لإدارة الخلافات والشقاق بصورة تخدم وتحمي مصالحها.
وفي هذا الإطار، سنجد جيلاً جاهزاً لتصديق الروايات المصممة لاغتيال السمعة الفردية والجماعية والحزبية والدينية والاجتماعية، خاصة في حال توفرت مسبقاً بذرة الاختلاف بالرأي أو التباين في المواقف. ولهذا فإن تكنولوجيا الافتراء ستعتمد على القدرات التقنية للأفراد والمؤسسات والدول، بصورة لن يحكمها أي وازع أخلاقي أو إنساني، وهو ما يجعل من العمل العام والوجود في دائرة الضوء عبئاً ثقيلاً على صاحبه، ما لم يكن عالماً بعالم التقانة ومحاذيره وسبل التعامل معه.. فهل نشهد تطوراً يساهم في تهذيب التكنولوجيا؟ أم إمعاناً في توظيفها لإيذاء البشرية واغتيال العالم… ننتظر ونرى!


 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)