- ℃ 11 تركيا
- 20 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: كيف ستتصرف دول البريكس مع البوليساريو؟
نزار بولحية يكتب: كيف ستتصرف دول البريكس مع البوليساريو؟
- 23 أغسطس 2023, 6:36:40 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أعضاء المجموعة متفقون على مناهضة الهيمنة الغربية، لكن هل يختلفون على بعض الملفات والمسائل الإقليمية؟ إن مواقفهم من كثير من القضايا تبدو غامضة وملتبسة، فمن يعرف اليوم مثلا تصورهم للنزاع الصحراوي المزمن، أو من أي زاوية ينظرون للخلافات الجزائرية المغربية العميقة؟ كما أن وضعية أكبر مرشح في الشمال الافريقي للعضوية في مجموعتهم ما تزال مبهمة، فإن كانت الصين ترحب، وروسيا تؤيد، وجنوب افريقيا لا تمانع، فلماذا لم تحصل الجزائر بسهولة إذن، كما قد يقول كثيرون على مقعدها في البريكس؟
إن ما قد يرد به البعض هنا هو أن غياب اتفاق على قواعد محددة ومضبوطة للعضوية هو ما حال دون ذلك، غير أن الوجه الآخر للسؤال هو، ما الذي سيخرج به الجزائريون في النهاية من قمة جنوب افريقيا التي بدأت أمس؟ هل سيحققون هدفا استراتيجيا كبيرا وهو الحصول على العضوية التي طلبوها في ذلك التكتل العالمي؟ أم أنهم سيتمكنون وفي الحد الأدنى من تحقيق هدف تكتيكي ظرفي، وهو الترويج الإعلامي والسياسي للبوليساريو؟ ربما كان تزامن الحدثين لافتا، فيوم الاثنين الماضي دشنت الجزائر خطا جويا مباشرا بينها وبين جوهانسبرغ وسافر مسؤول حكومي رفيع المستوى في أولى رحلات ذلك الخط لتمثيل بلاده في تلك القمة، ورغم أن كثيرين توقعوا في وقت سابق على الأقل، أن يسافر الرئيس الجزائري بنفسه إلى جنوب افريقيا، إلا أن وزير ماليته هو من حضر بالنيابة عنه، ليشدد في تصريح أدلى به للإذاعة الرسمية على أن «مشاركة الجزائر في المنتدى، أي في اجتماع البريكس دليل على مدى اهتمام الدولة بالتفكير بتعزيز التعددية العادلة والمنصفة لإصلاح الحوكمة العالمية» على حد تعبيره. لكن الأمر طرح علامة استفهام، فهل كانت هناك رسالة ما من وراء الطريقة التي حضرت بها الجزائر؟ لا شك في أن التحضيرات لإطلاق خط جوي بينها وبين جوهانسبرغ تطلبت عدة أسابيع، غير أنها لم تكن وعلى أي حال سوى مؤشر على ما تعرفه العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة من تطور ملحوظ عكسه بوضوح تطابق مواقفهما في جل القضايا والملفات الافريقية، وعلى رأسها ملف الصحراء.
لكن تغيب تبون الذي قد يعود لأسباب داخلية وخارجية في الوقت نفسه، قد يعكس نوعا من الغضب، مما قد تعتبره الجزائر شكلا من المماطلة والتسويف في قبول طلب عضويتها في البريكس، وقد أشار الرئيس الجزائري في لقائه الأخير مع بعض وسائل الإعلام المحلية، إلى أن هناك اختلافا بين الدول الأعضاء حول شروط توسيع المنظمة، مضيفا بما قد يعكس ذلك الاستياء أن الجزائر لا يمكنها أن تفرض نفسها على المجموعة، كما أنها لا تمانع في الدخول كعضو مراقب فيها في مرحلة أولى. ومع أن الجزائريين قد لا يكونون متأكدين بعد من أنهم قد يقبلون هذه المرة في نادي البريكس، إلا أنهم واثقون تماما من شيء آخر، وهو أن حليفتهم جنوب افريقيا ستساعدهم حتما على تحصيل مكسب إعلامي وسياسي من وراء تنظيمها لذلك الاجتماع، لكن كيف سيتم ذلك؟
الرباط تفصل جيدا بين جوهانسبرغ، التي تتبنى مواقف عدائية نحوها، خصوصا في ملف الصحراء، وباقي دول البريكس التي تقيم معها «علاقات ثنائية مهمة وواعدة»
هل إنها ستوجه الدعوة مثلا إلى إبراهيم غالي للحضور إلى جوهانسبرغ وسيفرش له السجاد الأحمر ويأخذ صورا تذكارية مع الزعماء ورؤساء الوفود المشاركة؟ أم أن الجبهة التي يصفها المغرب بالانفصالية ستكون حاضرة رمزيا وعلى مستوى أقل، وسترتب لها الدولة المضيفة مع ذلك بعض اللقاءات المحدودة التي قد تعطي هالة إعلامية لوجودها في جنوب افريقيا؟ إن المدار الحقيقي لكل تلك التساؤلات قد يكون موقف مجموعة البريكس من البوليساريو، فإن كانت جنوب افريقيا تقول صراحة أنها تدعم الجبهة، فهل إن الأعضاء الأربعة الباقين، يؤيدون ولو ضمنيا موقفها من دعوتها للحضور في اجتماع «البريكس افريقيا» المرتقب غدا الخميس أم لا؟ إنهم يعلمون وبلا شك أن ذلك الأمر قد يمثل حساسية كبرى بالنسبة للمغرب، فهل سيكونون قادرين على صياغة موقف موحد من تلك الدعوة؟
لقد لاحظ كثيرون أن المصدر المأذون في الخارجية المغربية لم يكتف عند خروجه الإعلامي يوم الجمعة الماضي بالتأكيد على أن «التفاعل إيجابا مع الدعوة للمشاركة في اجتماع «بريكس افريقيا» المرتقب في جنوب افريقيا، أو المشاركة في هذا الاجتماع على أي مستوى كان، لم يكن واردا أبدا بالنسبة للمملكة المغربية» بل مضى أبعد مسهبا في شرح الأسباب التي دعت بلاده لاتخاذ مثل ذلك القرار، والتي قد تتلخص في نقطتين وهما ما أبدته جنوب افريقيا «دائما من عدوانية مطلقة تجاه المملكة» و«اتخاذها بطريقة ممنهجة مواقف سلبية ودوغمائية بخصوص قضية الصحراء المغربية» ثم «الخروقات البروتوكولية المتعمدة والاستفزازية التي اتسمت بها دعوة المغرب» للاجتماع، وما يروج عن دعوة «العديد من الدول والكيانات بشكل تعسفي من قبل البلد المضيف – في إشارة إلى البوليساريو ـ ومن دون استشارة مسبقة مع البلدان الأعضاء الأخرى في مجموعة بريكس» وفقا لما جاء في نص التصريح. ومن الواضح أن الرباط أرادت من خلال ذلك التصريح، أن تؤكد أن لا مشكل لها أبدا مع البريكس، وأن خلافها ينحصر فقط مع جنوب افريقيا. فهي تفصل جيدا بين جوهانسبرغ، التي تتبنى مواقف عدائية نحوها، خصوصا في ملف الصحراء، وباقي دول البريكس التي تقيم معها «علاقات ثنائية مهمة وواعدة» بل «تربطها بثلاث منها اتفاقيات شراكة استراتيجية» لكن ما الذي يعنيه ذلك بالأخير؟ إنه يدل على أن المغاربة وبغض النظر عما إذا كانوا قد تقدموا أم لا بطلب للعضوية في تلك المجموعة، فإنهم لم يغلقوا الباب نهائيا أمام تلك الفرضية، وقد لا يمانعون في وقت آخر ربما للتقدم بطلب للانضمام إليها، وذلك ربما في صورة ما إذا غيرت جنوب افريقيا من موقفها من النزاع الصحراوي. كما أنه يشير إلى أنهم قد لا يريدون فقط قطع الطريق على الظهور الإعلامي والسياسي للبوليساريو في القمة واستغلالها للترويج لإطروحاتها، بل وضع الدول الأربع، أي روسيا والصين والبرازيل والهند أمام مسؤوليتها، بعد فرض جنوب افريقيا بشكل أحادي ومن دون تشاور معها حضور البوليساريو ضمن ضيوف القمة. وهنا لم يكن من قبيل الصدفة أبدا أن يجري وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، يوم الأحد الماضي مكالمة هاتفية مع نظيره الهندي سوبرامانيام جيشانكار، تباحث فيها الجانبان، فضلا عن العلاقات الثنائية وبشكل معمق «القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ولاسيما علاقات المملكة مع مجموعة البريكس» مثلما ما جاء في بيان الخارجية المغربية. لقد وجدت الرباط أن دلهي التي أبدت ربما ترددا في الموافقة على قبول طلب عضوية الجزائر في البريكس، هي أفضل من يوصل رسالتها إلى باقي الأعضاء. لكن ما الذي سيفعله الهنود؟ وهل سيكون بمقدورهم تعديل الكفة وإقناع الصينيين والروس والبرازيليين بالضرر التي تلحقه جنوب افريقيا بمصالحهم في الشمال الافريقي؟ ربما سيكون المحك هو ما سيحصل على هامش الاجتماعات وفي ما إذا كان ممثل البوليساريو سيظفر بصورة مع مسؤول من دولة من تلك الدول أم لا.