تكبير الخط تصغير الخط

في خضم الأزمات التي تعصف بالسودان منذ منتصف أبريل 2023، تتكشف يوماً بعد يوم محاولات يائسة لفرض واقع جديد يمزق وحدة هذا البلد العريق. مؤتمرات تُعقد في عواصم بعيدة، وأجندات تُرسم خارج إرادة السودانيين، تسعى لإقامة حكومات موازية أو فرض تقسيم الأمر الواقع على أرض روتها دماء الشهداء والثوار. لكن الشعب السوداني، بتاريخه النضالي العظيم، يرفض هذه المشاريع رفضًا قاطعًا، ويطالب بوحدة وطنية راسخة، بحكومة تمثله، وبجيش وطني يحمي سيادته من كل تهديد.

محاولات فاشلة لتقسيم السودان

تأجيل التوقيع على ميثاق الحكومة الموازية في نيروبي، الذي كان مقرراً في 20 فبراير 2025، لم يكن مجرد صدفة، بل مؤشر واضح على فشل المخططات التي تسعى لتمزيق السودان. قوى مدعومة خارجيًا، على رأسها قوات “الدعم السريع” وبعض الأطراف الموالية لها، تحاول شرعنة نفسها عبر هذه المشاريع، لكنها لا تعدو كونها أدوات في مخطط أكبر يستهدف وحدة السودان وسيادته. وما يثير السخرية أن هذه التحركات تأتي وسط رفض شعبي واسع، عبّر عنه بوضوح حزب “المؤتمر الشعبي”، ومجلس الصحوة الثوري بقيادة موسى هلال، وحتى الحزب الشيوعي السوداني، الذين أجمعوا على أن وحدة السودان خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد خلاف داخلي، بل هو امتداد لمشاريع دولية وإقليمية تهدف إلى تفكيك السودان لمصلحة قوى تسعى للسيطرة على موارده، كما حدث سابقًا في جنوب السودان، حيث أدى الانفصال إلى مزيد من الفوضى والحروب، بدلًا من تحقيق الاستقرار والازدهار. وهذا يثبت أن التقسيم لا يخدم إلا مصالح القوى الكبرى، وليس الشعوب التي تدفع ثمن هذه السياسات.

الجيش السوداني.. الحصن الأخير للوحدة

وسط هذه المؤامرات، يبقى الجيش السوداني المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على الحفاظ على وحدة البلاد ومنع انزلاقها إلى سيناريوهات الفوضى. لقد أثبت الجيش، رغم التحديات الكبيرة، أنه الدرع الحامي للسودان في مواجهة مشاريع التفكيك، وهو ما أكدت عليه القوى الوطنية، ومنها مجلس الصحوة الثوري، الذي شدد على أن دعم الجيش ليس مجرد موقف سياسي، بل هو التزام وطني للحفاظ على السودان موحدًا.

لكن يجب أن يدرك الجميع أن الحل لا يمكن أن يكون عسكريًا فقط، بل يحتاج إلى رؤية سياسية جامعة، تستند إلى وحدة القوى الوطنية، ورفض أي محاولات لإقامة كيانات موازية، أو فرض حكومات من الخارج تحت أي ذريعة.

الحل في الداخل وليس في الخارج

في مقابل محاولات فرض الأمر الواقع عبر السلاح، تظل المبادرات الوطنية، مثل المشاورات التي نظمها الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، خطوة إيجابية إذا أُحسن استغلالها لتوحيد القوى السياسية والمدنية حول حل سوداني خالص. لكن الأولوية يجب أن تكون لوقف الحرب فورًا، وإيصال المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، كما أكدت رؤية حزب الأمة القومي وتحالف “صمود”.

إن مستقبل السودان لن يُقرر في نيروبي أو أي عاصمة أخرى، بل في الخرطوم وعلى أرضه، بإرادة أبنائه. على القوى الوطنية أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية، وأن تقدم حلولًا واقعية تنهي هذه الأزمة، بدلًا من الانجرار خلف المشاريع الخارجية التي لا تخدم إلا أجندات التقسيم.

رسالة إلى المتآمرين: السودان ليس للبيع

إلى كل من يتآمر على السودان، سواء من الداخل أو الخارج، نقول: توقفوا عن العبث بمصير هذا البلد العريق! السودان ليس ورقة تُقسَّم في المؤتمرات، ولا سلعة تُباع وتُشترى في أسواق الأجندات الأجنبية. هذا الشعب الذي قدَّم التضحيات من أجل استقلاله وحريته، لن يسمح بأن يُفرض عليه واقع جديد بالقوة أو بالمفاوضات المشبوهة.

السودان الموحد ليس مجرد شعار، بل هو عهدٌ قطعه السودانيون على أنفسهم، وفاءً لدماء الشهداء، وآمال الأجيال القادمة. الجيش سيظل درعه وسيفه، والشعب هو قلبه النابض الذي سيحميه من كل المؤامرات. والمطلوب اليوم من كل القوى الوطنية أن تتجاوز خلافاتها، وتتوحد خلف مشروع سياسي جامع، يُخرج السودان من محنته، ويحفظ وحدته واستقلاله.