- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
صبري صيدم يكتب: ومضات: هل يحرر القلق أوطاناً؟
صبري صيدم يكتب: ومضات: هل يحرر القلق أوطاناً؟
- 19 يوليو 2023, 4:20:00 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في كل مرة تطل علينا حكومة الاحتلال الصهيوني بمواقف عنصرية نسمع بيانات الشجب والاستنكار. وعندما يشتد الخناق على الفلسطينيين ترتفع وتيرة الشجب لتصل إلى التعبير عن القلق. وبعد التعبير عن القلق يكتفي أصحابه بالقول: ها قد أصدرنا بياناً عبرنا فيه عن قلقنا، وعليه فقد قدمنا ما نريد، لا ما نستطيع! هذا التعبير عن القلق إنما يعني، حسب أصحابه أنهم قد وصلوا إلى الحد الأقصى في ما يمكن عمله لإرضاء الفلسطينيين، بينما يعني حقيقة أنه الوسيلة المثلى بالنسبة لهؤلاء لنفض أيديهم من المسؤولية وإعلانهم الضمني عن استسلامهم أمام جبروت إسرائيل وقوتها وقدرتها على التأثير، خاصة في إطار قدرتها على تحريك لوبياتها الضاغطة فتعلن الأخيرة حربها على من تسول له نفسه التعرض لإسرائيل عبر رفع عيار الضغط على الدولة العبرية.
وبطل العالم في القلق أو الحاصل على كأس العالم في هذا المجال هو الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً، الذي أفنى حياته وهو يعبر طيلة فترة خدمته عن القلق، حتى قيل إنه الفائز الأكبر بين الأمناء العاميين للمؤسسة الأممية بكأس العالم للقلق، إنه الكوري الجنسية بان كي مون الذي قضى فترة خدمته بالتعبير عن قلقه 2433 مرة حسب أحد الأصدقاء، 70% منها كان له علاقة بفلسطين.
التعبير عن القلق لا يحرر أوطاناً وهو وإن قيل فإنما يعكس حالة عجز ليس إلا، بل هو بمثابة الفرصة متجددة لإسرائيل لعمل المزيد
الشعب الفلسطيني ملّ التعبير عن القلق، حتى إنه لم يعد يكترث لمواقف بلا مخالب، ومحاولات الكثيرين نفض أيديهم من المسؤولية، خاصة أمام انتقائية القلق. فالتعبير عنه هو أقصى ما أمكن في حال كانت إسرائيل المعتدية، لكن إذا ما كان الفلسطيني متهما بأي عمل ما، فإن مصيره العقاب، بخصم أمواله وتحديد موارده، أو وقف الدعم المادي عن مصادر حياته.
إذن، أخطاء محتلك تقابل بالتعبير عن القلق، أما ما يراه البعض أنه خطؤك، فيقابله البعض بالبطش المعنوي والمادي، وعليه لا الفلسطيني حاصل على حقوقه، ولا تعبيره عن الظلم مقبول، بل يتهمه البعض بالتحريض ومعاداة البشرية وغيرها من صنوف التقريع المعنوي والتنكيل المادي. وقبل كتابة هذه الكلمات زارني أحد الوفود الأوروبية المعروف باقتناعه بالرواية الصهيونية، ليبادر أحد الحاضرين بسؤالي: ألا تعتقد أنكم كفلسطينيين إنما تبالغون في مطالبكم؟! فما كان مني إلا أن قلت: مبالغون بمطالبنا؟! أم أنكم مفرطون في استسلامكم وانبطاحكم عبر التعبير عن القلق ليس إلا؟ مواقف عنصرية واضحة بالقتل والتنكيل والترحيل، وتوسيع للمستوطنات، وإقرار لقوانين مجحفة، وتسليح للمستوطنين، وحرق لبيوت الآمنين الفلسطينيين، وقتلهم بدم بارد وهدم منازلهم واعتقال أبنائهم، وصولاً إلى تصريحات وزير القتل الصهيوني سموتريتش الأخيرة بالقول: على الفلسطينيين أن يختاروا، إما أن يعيشوا في إسرائيل بلا حقوق أو أن يرحلوا! كل هذا قبل بالتعبير عن القلق! ثم يأتيك من يقول إنكم مغالون! التعبير عن القلق لا يحرر أوطاناً وهو وإن قيل فإنما يعكس حالة عجز ليس إلا، بل هو بمثابة الفرصة متجددة لإسرائيل لعمل المزيد، لذا فإن التعبير عن القلق من قبل القادرين على الفعل إنما يرتقي إلى مستوى الشراكة في الجريمة. الصامت أمام القتل إنما هو شريك فيه، والإدانة دونما فعل إنما هي تواطؤ مع الاحتلال، خاصة من قبل الذين يستطيعون أن يؤثروا لكنهم يختارون تحييد أنفسهم وبيع إراداتهم للمحتل. فهل يستمر العالم في قلقه؟ أم ينتقل إلى مربع الفعل؟ هذا الكلام وإن بدا واضحاً فإنه يحتاج حتماً لأن يرفد بنهج وحدوي فلسطيني قائم على «تصفير» الخلافات الفلسطينية الفلسطينية، ولم الشمل وتوحيد النهج… فهل نرى لقاءً فلسطينياً فعلياً قريباً للمصالحة، وفق مطلب القيادة الفلسطينية، أم أننا سنبقى أسرى التعبير عن القلق؟ ننتظر ونرى!