عادل أبو هاشَم يكتب: في إطار حربها ضد المقاومة .. السلطة وإغتيال محيي الدين الشريف

profile
عادل ابو هاشم إعلامي فلسطيني
  • clock 28 مارس 2023, 7:15:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قبل اغتيال أشهر رموز المقاومة في فلسطين المهندس القائد المجاهد يحيى عياش يوم الجمعة ٥ / ١ / ١٩٩٦ م ، كان محيي الدين الشريف اسمـًا مجهولاً لا يحظى باهتمام وسائل الإعلام، وفجأة بعد شهرين من اغتيال عياش قفز اسم الشريف إلى واجهة الأحداث بعد أن اتهمته المخابرات الإسرائيلية بأنه المسؤول عن تركيب وإعداد العبوات المتفجرة التي استخدمت في عدد من الهجمات الإستشهادية.


يعتبر محيي الدين الشريف المهندس رقم ( ٢ ) في كتائب عز الدين القسام بعد استشهاد يحيى عياش، وكان رأسه مطلوبـًا للمخابرات الإسرائيلية بإلحاح لدورة في تدريبالأستشهاديين على دور "القنبلة البشرية"، وقد اتهمته بأنه المسؤول عن تركيب وإعداد العبوات الناسفة في الهجمات الإستشهادية ، وهو الذي رتب وأشرف على تفجيرات القدس، وقد أدت عملياته إلى مقتل ١٢٩إسرائيلي، وجرح ٩٩٥ آخرين.

وإذا كان يحيى عياش خبير المتفجرات في حماس قد درس الهندسة الكهربائية، فإن خبير المتفجرات الجديد محيي الدين الشريف درس الهندسة الإلكترونية وحصل على درجة البكالوريوس من كلية العلوم والتكنولوجيا في أبوديس إحدى كليات جامعة القدس.


أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتبرت أن محيي الدين الشريف تلميذًا موفقـًا لزعيمه الروحي ومعلمه المهندس يحيى عياش، مشيرة إلى أن عياش كان قد تمكن قبل اغتياله من تدريب مجموعة من عناصر المقاومة، وقد كان الشريف من أوائل المنتمين لخلايا الإستشهاديين بعد أن انتقل من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، حيث أصبح تلميذًا للمهندس عياش، وتلقى على يديه فنون إعداد العبوات المتفجرة.


فيما بعد ظهرت خلية في كتائب القسام أطلقت على نفسها لقب (تلاميذ المهندس) هي التي نظمت عمليات الثأر الموجعة لاغتيال عياش في شهري فبراير ومارس  ١٩٩٦م، والتي أطاحت بشيمون بيريز الذي ظل يعض أصابع الندم والحسرة على اغتيال عياش بصفته السبب في سقوطه في الانتخابات الإسرائيلية أمام خصمه بنيامين نتنياهو في مايو ١٩٩٦ م. 


ولد  محيي الدين ربحي سعيد الشريف  في ٥/ ١/ ١٩٦٦  م في بيت "حنينا" إحدى ضواحي مدينة القدس وعائلته في الأصل من مدينة الخليل التي تعتبر أكثر مدن الضفة تأييدًا لحركة حماس ونفوذًا لكتائب القسام، حصل على الشهادة الثانوية من بيت "حنينا".


درس هندسة الإلكترونيات في كلية العلوم والتكنولوجيا إحدى كليات جامعة القدس المفتوحة.


انتظم في صفوف الحركة الإسلامية أثناء دراسته الجامعية.


حين انضم إلى صفوف الحركة الإسلامية أثناء دراسته الجامعية وكان فاعلا فيها تعرض -على غرار آلاف الفلسطينيين - لاعتقال دام سنتين ونصف السنة إبان الانتفاضة الأولى . 


ثم اعتقل سنة ونصف السنة عام ١٩٩١ م بسبب إيوائه مجاهدين من كتائب الشهيد عز الدين القسام . 


وكان محيي الدين الشريف مدرسة في الصمود في غرف التحقيق، حيث سطر  أروع آيات الصمود في أقبية السجون عند العدو في كافة مراحل التحقيق، ولسان حاله يقول : 


فإما حياة تسر الصديق.. 
وإما ممات يغيظ العدا .. 


بعد خروجه من السجن بأسبوع أصبح محيي الدين الشريف في عداد المطاردين ، ذلك أنه كان من أوائل المنتسبين إلى مجموعات الاستشهاديين التي أسسها يحيى عياش ،وحاولت سلطات الاحتلال اعتقاله في تموز ( يوليو ) ١٩٩٥م ،غير انه نجح في الإفلات من قوات الاحتلال، وأدرج منذ ذلك الحين على قائمة المطاردين .


نجا محيي الدين الشريف من محاولة لاغتياله في العام ١٩٩٦ م عندما فتح عملاء لسلطة الاحتلال وأفراد من المستعربين النار على سيارة كان يستقلها غير انه تمكن من النجاة ومغادرة موقع الهجوم بأعجوبة .


عرف  الشريف بشغفه وتفوقه في المجالات العلمية وخاصة في فرع الكهرباء.


ولعلم  يحيى عياش بقدرة محيي الدين الشريف وتفوقه في صناعة وتجهيز المتفجرات استدعاه إلى قطاع غزة في النصف الأول من عام ١٩٩٥ م ليتلقى تدريبات مكثفة في صناعة وتجهيز المتفجرات وتفخيخ السيارات. ، ذلك أن هم المهندس يحيى عياش كان كيفية إيجاد من يكمل المسيرة من بعده ووجد ضالته في  محيي الدين الشريف وآخرين .


ثم عاد الشريف إلى الضفة الغربية في الأسبوع الأول من شهر يوليو /تموز ١٩٩٥ م مع رفيقه المجاهد عبد الناصر عيسى أحد أبطال الخلايا الإستشهادية إلى الضفة الغربية، حيث أقاما هناك عددًا من خلايا الأستشهاديين في القدس ونابلس، وهي التي نفذت عمليتي رامات أشكول ورامات غان منتصف عام ١٩٩٥ م.

 

رافق  محيي الدين الشريف  المهندس يحيى عياش طويلا وعملا معا في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنه تلقى علومه في تركيب المتفجرات من مواد أولية قبل أن يطور نفسه أسلوبا شديد التعقيد حرم الصهاينة من معرفة المكونات الأصلية للعبوة بعد انفجارها، وقد استخدمت عبواته في هجمات القدس الاستشهادية في آب "أغسطس" وأيلول "سبتمبر" العام ١٩٩٧م.


اعتبرته سلطات الاحتلال الأسرائيلية خليفة الشهيد القائد يحيى عياش ومسؤولا مع المجاهد حسن سلامة عن ثلاث هجمات الثأر له.


ولما عجزت قوات الاحتلال عن القبض على  محيي الدين الشريف قامت على هدم منزل عائلته انتقامـًا منه في عام ١٩٩٧م ظنا منها أن هذا يمكن أن يؤثر على القائد الذي هانت عليه الدنيا كلها، وتطلع إلى ما عند ربه في جنة عرضها السماوات والأرض .


عمل القائد المجاهد محيي الدين الشريف قبل اغتياله على تطوير أسلوب التفجير بواسطة جهاز التحكم عن بعد.


وصفه قادة الشاباك الصهيوني بأنه قنبلة موقوتة لا تعرف متى ستنفجر، واعتبر المطلوب رقم (١) في الضفة الغربية بعد عمليات الثأر للشهيد يحيى عياش.


 ورغم أهمية موقعه إلا أن القائد المجاهد محيي الدين الشريف كان مشتاقاً للقاء ربه ، ففي يوم الأربعاء ٢٣ / ٨/ ١٩٩٥م خرج من بيته وهو يحمل بيده حقيبة ، اتجه نحو مكان ما حيث قام بتصوير شريط فيديو يودّع فيه أهله لأنه يعتزم القيام بعملية استشهادية ، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بعد اتصالات من القائد محمد ضيف، ليكون  الشريف قائداً يجند المجاهدين ويجهز الاستشهاديين، ويعد العبوات .


.كان من سياسة القائد محيي الدين الشريف العسكرية إيقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف العدو والمحافظة على إخوانه ، فبدأ بمشروع إعداد العبوات الموقوتة ، وهو أول من بدأ بتنفيذها فكانت عملية المحطة المركزية في تل أبيب باكورة أعماله التي أوقعت حسب زعم العدو قتيل وأكثر من ٦٣جريح .


وبدأ مسلسل العمليات القسامية بقيادة هذا البطل المجاهد بالتعاون مع قادة العمل العسكري أمثال يحيى عياش ومحمد الضيف وعادل عوض الله وحسن سلامة ... فكان حصاد عمليات القائد المجاهد محيي الدين الشريف وحسب اعترافات العدو : ١٢٩ قتيل و ٩٩٥ جريح .


وقد اغتيل القائد المجاهد محيي الدين ربحي سعيد الشريف بانفجار غامض بسيارة مفخخة يوم السبت ٢٩ آذار "مارس"  ١٩٩٨م في بلدية بيتونيا الصناعية في مدينة رام الله ، وعلى بعد مئات الأمتار من المقر الرئيسي للعقيد جبريل الرجوب قائد جهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية ..!!


، وقد اتهمت حركة حماس رئيس الأمن الوقائي في الضفة الغربية العقيد جبريل الرجوب بتصفية الشريف بالتواطؤ مع المخابرات الإسرائيلية، لكن الأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبد الرحيم سارع إلى الإعلان أن جهات في حماس حاولت التعتيم على مقتل الشريف بسبب صراعات في القيادة، وأن عماد عوض الله أحد قادة الجناح العسكري لحركة حماس أطلق ثلاثة أعيرة نارية على محيي الدين الشريف بعد خلاف حاد بينهما ، ثم عادت السلطة واتهمت عادل عوض الله شقيق عماد بأنه هو الذي قتل محيي الدين الشريف، حتى وصل الأمر بنبيل أبو ردينة مستشار رئيس السلطة ياسر عرفات إلى اتهام ستين شخصاً في حماس من بينهم د. عبد العزيز الرنتيسي بالتورط بالجريمة ..!!


فما كان من حركة حماس إلا أن قامت بتوزيع شريط فيديو يظهر فيه القائد عادل عوض الله ينفي فيه التهم التي وجهتها السلطة الفلسطينية له باغتيال الشريف، متهمـًا رئيس الأمن الوقائي في الضفة الغربية جبريل الرجوب بالتواطؤ مع إسرائيل في مقتل الشريف ..!! 


لم يصدق أحد رواية السلطة الفلسطينية ، ووقف والد الشهيد القائد المجاهد محيي الدين ربحي سعيد الشريف وهو أحرص الناس على دم ابنه ليقول : " تاريخ حركة حماس نظيف ولم تنفذ الاغتيالات ، حيث لم يعرف عنها أنها قامت باغتيال أفرادها أو من غير أفرادها ، ونحن لم نسمع بالاغتيالات إلا بعد مجئ السلطة الفلسطينية " ، وبعد هذا التصريح منعت السلطة والد  محيي الدين الشريف من الكلام ..!! 


طالبت حركة ( حماس ) بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية  ، ثم اعتقلت الأجهزة الأمنية  القائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وذلك بسبب رفضه لتفسير السلطة لحادث اغتيال الشريف، ومطالبته بالكشف عن الفاعلين الحقيقيين القتلة الشريف . 


أما رواية حركة حماس بعد تحقيقاتها فجاءت نتيجة التحقيق كما يلي :

(أن الأخ محيي الدين الشريف وقع قبل مقتله بمدة وجيزة أسيراً في قبضة جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية الذي يرأسه جبريل الرجـوب، وانه تعرض لتعذيب شديد -كعادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة- فلم يستطع تحمل وطأته فلفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي جلاديه  من بني جلدته هذه المرة، مما اضطر جهاز الأمن الوقائي إلى فبركة عملية انفجار السيارة بعد أن وضعت جثته ــ رحمه الله ــ داخلها وهي عارية تماماً، لتتحول في غضون ذلك إلى كتلة من اللهب، وبعد ذلك عاد رجال الأمن الوقائي إلى مقرهم وكأن شيئاً لم يكن) ..!! 


اتخذت قيادة الحركة قراراً صارماً بعدم نشر نتائج التحقيق في أوساط قواعد الحركة وكتائب الشهيد عز الدين القسام بالأخص أو الرأي العام، ويرجع السبب في ذلك إلى تخوف قيادة الحركة من ردود فعل قد تتخذها قواعد الجناح العسكري للحركة وتستهدف فيها أياً من رموز السلطة الفلسطينية، وبالأخص مسؤولي الأجهزة الأمنية وعلى رأسهم جبريل الرجـوب، الأمر الذي تعتبره قيادة حماس خطاً احمر ينبغي عدم تجاوزه لتجنب الدخول في حروب جانبية على حساب السياسة العامة للحركة وهي مواجهة العدو الصهيوني، ومن ثم فالحركة لم ترد إعطاء المسوغات لأبنائها للقيام بمثل هذه الأعمال، ومما يفسر هذا الأمر الانتقادات الشديدة التي وجهتها قيادة الحركة في تلك الفترة إلى جبريل الرجـوب، بل وطالبت ياسر عرفات بإقصائه عن موقعه في مرات مختلفة  .

التعليقات (0)