- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عباس عبود يكتب: عراق ما بعد العولمة.. بين ماركس وكينز وفريدمان
عباس عبود يكتب: عراق ما بعد العولمة.. بين ماركس وكينز وفريدمان
- 17 أبريل 2024, 11:21:45 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
>> حكومة السوداني بدأت كنزية وانتهت فريدمانية والشعب يريدها ماركسية
منذ الكساد الأعظم في ثلاثينات القرن الماضي إلى إليوم، تأرجحت الراسمالية العالمية بين نظريتين الأولى النظرية الكنزية التي أسسها عالم الاقتصادي الإنكليزي جون مينارد كينز، والتي تقوم على ضرورة تدخل الحكومات في حماية الاقتصاد أوقات الأزمات من خلال زيادة الإنفاق وإجراءات أخرى تضمن عودة الحركة إلى طبيعتها.
والثانية لعالم الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان، والتي تقوم على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وإتاحة المزيد من الحرية للأفراد وباتت تعرف بالمدرسة النقدية.
وهذه المدرسة هي القلب النابض لليبرالية الجديدة والعولمة ويكفي أن نعرف طبيعة هذه النظرية من خلال أفكار فريدمان وهو صاحب مقولة: "إن رجال الأعمال الذين لديهم ضمير اجتماعي هم عن غير قصد دمى القوى الفكرية التي كانت تعمل على تقويض أسس المجتمع الحر".
سادت الكنزية خلال فترة مابين الحربين وما بعد الحرب العالمية الثانية وأسهمت في حل مشكلات الاقتصاد العالمي.
لكنها تراجعت نهاية سبعينات القرن العشرين نتيجة تفاعلات سياسية واقتصادية، ودخل العالم عصرا جديدا عندما تبنى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أفكار المدرسة النقدية لفريدمان وباتت تفرض على دول العالم الثالث أفكارها.
وعند وصول مارجريت تاتشر لرئاسة الوزراء في بريطانيا أعلنت عن قيامها بإصلاحات اقتصادية جذرية بناء على أفكار فريدمان، وهو مافعله رونالد ريغان عند وصوله للبيت الأبيض، حيث استقبل فريدمان وجعله من مستشاريه المقربين لترفع واشطن راية الليبرالية الجديدة.
وبهذا أسست واشنطن الخطوة الأولى للعولمة التي قامت على نشر الليبرالية الجديدة واقتصاد السوق، والنتيجة تهميش الطبقات الدنيا ورفع الدعم عن السلع ورفع يد الدولة عن دعم الاقتصاد وتقليص الوظائف العامة مع تقليص وظائف الدولة وحصرها في حقول محددة.
ومنذ ذلك التاريخ، سعت واشنطن بقوة لنشر العولمة القائمة على مبادي الليبرالية الجديدة باسم أفكار السوق الحرة من خلال منظمة التجارة الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
واستمرت في استنزاف الدول الفقيرة لغاية عام 2008، حيث رفع الحزب الديموقراطي الأمريكي شعار التغيير وصادف حصول أزمة الرهون العقارية عام 2008 والتي أجبرت الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى العودة إلى أفكار كينز وإنقاذ البنوك الأمريكية من الإفلاس والانهيار.
ويمثل هذا التاريخ نهاية عصر العولمة ودخول العالم عهد جديد، تراجعت فيه الليبرالية الجديدة وصعدت للواجهة قوى يسارية وشعبوية خاصة في إيطاليا وإسبانيا.
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جولدن براون والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون العودة إلى النظرية الكنزية بل وتوجيه النقد للنظرية النقدية والتخلي عن الليبرالية الجديدة التي تسببت في تفاقم الأزمات العالمية ونشر القرصنة والاوبئة والفقر والأمية والتخلف لصالح قلة راسمالية مستفيدة.
وشهد العالم تأسيس منظمة بريكس بين روسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا والهند والصين وفق قواعد اقتصادية رافضة للمدرسة النقدية ومدرسة شيكاغو التي جسّدت وحشية مبادئ العولمة.
في العراق مازال العقل السياسي والاقتصادي العراقي يحاول إجلاس فريدمان وماركس وكينز على كرسي واحد.
حيث يحاول قادة العراق نقل الاقتصاد العراقي من نموذج اشتراكي مشوه هو الأقرب لنموذج رأسمالية الدولة، إلى اقتصاد سوق مشوه هو الأقرب إلى الفوضى والفساد، مع غياب عقيدة اقتصادية واضحة الملامح تحدد مسار النظام النقدي والاقتصادي العراقي.
وقد تباين موقف رؤساء الحكومات العراقية واختلفت سياساتهم النقدية والاقتصادية:
ففي حكومة نوري المالكي الأولى، تناقضت رؤى المالكي الأقرب إلى دعم الطبقات الفقيرة والمتضررة مع رؤية محافظ البنك المركزي العراقي سنان الشبيبي الأقرب إلى اقتصاد السوق.
بينما حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي الاندماج بالنظام الاقتصادي الدولي من خلال فتح قنوات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية والخضوع لمساعيهما في (إصلاح) المنظومة الاقتصادية العراقية.
أما رئيس الوزراء الأسبق المتخصص في الاقتصاد عادل عبدالمهدي فلم يتردد في إعلان رفضه للنموذج الغربي وانحيازه للنموذج الشرقي الذي يجسده النمو الصيني المذهل. لكن هذه الحكومة لم تكن تمتلك أدوات عملية للتحول أو الإصلاح الاقتصادي، الأمر الذي أدخل الحكومة في مواجهة مع الشارع انتهى بسقوطها.
وفي عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كان وزير المالية علي عبد الأمير علاوي الأكثر صراحة وحماسة في التحول باتجاه تبني أفكار مدرسة شيكاغو والليبرالية الجديدة في أوج تراجعها في مهدها من خلال تقليص حدود دعم الدولة للشرائح الفقيرة وتحجيم عملية التوظيف. وقد أعلنت الحكومة عن ما أسمتها بالورقة البيضاء.
وبالفعل بدأت حكومة الكاظمي بتسريح أعداد كبيرة من الموظفين من خلال تقليص سن التقاعد لثلاث سنوات ورفع سعر صرف الدولار وتمديد مساحة الرأسمالية على حساب القطاع العام بدعوى تشجيع الاستثمار لكنها اي الحكومة لم تتمكن من ضبط حركة الدولار من والى البنك المركزي العراقي واخفقت في احكام السيطرة على الاقتصاد العراقي وتضاعفت مستويات الفقر.
في عهد حكومة محمد شياع السوداني، حاولت الحكومة استيعاب ضغط الشارع من خلال قرارات اقتصادية تم اتخاذها وفقد تصور سياسي لكنها لم تحقق نتائج مرضية وبنفس الوقت لم تقرب بغداد من المثلث الرأسمالي العالمي صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية بل واجهت المصارف العراقية طوق أمريكي خانق باتجاه تحجيمها.
لهذا بدأت حكومة السوداني باتخاذ إجراءات جديدة تذكر العالم الرأسمالي بانها ماضية في إصلاحات اقتصادية تؤهلها لنيل ثقة القطب الرأسمالي في واشنطن من خلال رفع الدعم عن البنزين وتوسيع مساحة الضرائب مع محاولات لإنعاش سعر صرف الدولار والسيطرة على حركة النقد وتقليص الهوة مع السوق الموازي.
النتيجة أن الاجراءات الحكومية في العام الثاني من عمرها تتناقض مع اجراءاتها في العام الاول ونستطيع القول انها بدات كنزية وانتهت فريدمانية والشعب يريدها ماركسية ..فالكرسي لايتسع إلا لعنوان واحد تحدده نتائج زيارة السوداني الى واشنطن.