- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
عبدالخالق فاروق يكتب : السيسي وكارثة الديون ٧
عبدالخالق فاروق يكتب : السيسي وكارثة الديون ٧
- 4 أبريل 2021, 2:07:01 م
- 3295
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يختلف كثيرًا مشروع موازنة العام المالى 2017/2018 ، التى بدأ بها الجنرال السيسى عهده عن موازنات السنوات السابقة أو الحكومات السابقة عليه، سواء من حيث الأسس المنهجية التى بُنيت عليها، أو نمط التحيز الاجتماعى الواضح لصالح الأغنياء ورجال المال والأعمال، والتى تظهر بأكثر ما يكون وضوحًا فى السياسات الضريبية من ناحية، وتوجهات الإنفاق الاستثمارى فى الموازنة من ناحية أخرى. وكذلك فى الاستغراق فى الديون الداخلية والخارجية، وإن كان نظام الجنرال السيسى قد ذهب فى هذا المجال إلى أبعد كثيرًا من غيره من حكومات، بما أصبح يشكل خطرًا حقيقيًا على حاضر ومستقبل البلاد .
وبرغم ما حصل عليه نظام الجنرال السيسى من"المنح" والقروض والمساعدات خلال الخمس سنوات الأولى من حكمه ، التى تعد أكبر حجما من المنح والمساعدات والقروض التى حصلت عليها مصر فى تاريخها الحديث. فخلال خمس سنوات فقط من عام 2013/2014 حتى العام 2018/2019 حصل نظام الجنرال السيسى، على حوالى 148.3 مليار جنيه (مايعادل 17.0 مليار دولار)، هذا بخلاف القروض والاستثمارات وأشكال المساعدات الأخرى فلم يتحسن الوضع الاقتصادى فى البلاد، وخصوصا حال الفقراء والطبقة الوسطى .
لقد بدأت المنح المقدمة لنظام الجنرال السيسى بحوالى 95.8 مليار جنيه فى عام 2013/2014 ، ثم أنخفضت فى العام التالى إلى 25.4 مليار جنيه عام 2014/2015 ، وبعدها إلى 3.6 مليار جنيه عام 2015/2016 ، ثم عادت وأرتفعت إلى 17.7 مليار جنيه عام 2016/2017 ، ثم أنخفضت إلى 3.2 مليار جنيه عام 2017/2018 ، وأخيرا إلى 2.6 مليار جنيه فى عام 2018/2019 ، ويبلغ مجموع هذه المنح ومعظمها مشتقات بترولية حوالى 148.3 مليار جنيه بالتمام والكمال .
وبدلا من تحسن الوضع الاقتصادى والمعيشى على العكس زاد معدل الفقر المعلن رسميا من 28% إلى 34% فى عام 2018 ، وزاد عليها فى تقدير معلن للبنك الدولى فى إبريل عام 2019 حوالى 26% أخرين أطلق عليهم التقرير ( المهددون بالسقوط فى وهدة الفقر not poor but vulnerable to falling into poverty ، وبهذا فأن نسبة الفقراء والمهددون بالفقر فى البلاد تكون قد وصلت إلى 60% من السكان عام 2019 ( راجع Understanding Poverty and Inequality in Egypt (English) Steven Williams,
وبدلا من التريث والترشيد زاد اندفاع النظام والجنرال السيسى فى مشروعات واسعة ، مفتقرة إلى دراسات جدوى حقيقية من وجهة النظر التنموية، ومعظمها ذهب إلى مشروعات البنية التحتية، خدمة للمستثمرين وتهيئة البلاد للاستثمار على حد قوله، وهو معزوفة رددها الرؤساء السابقون لمصر منذ عام 1974، فابتلعت أكثر من 440.0 مليار جنيه، ولم تهيئ البلاد بعد للاستثمار..!.
وقد أضافت الظلال الداكنة للتوقيع الرسمى للحكومة المصرية لاتفاقية القرض والوصاية الكاملة لصندوق النقد الدولى على البلاد لمدة ثلاث سنوات ( أكتوبر 2016 – أكتوبر 2019 ) ، مقابل الحصول على 12 مليار دولار على شرائح ربع سنوية، والحصول بالتالى على "شهادة حُسن سير وسلوك" لمصر، من أجل النزول بقوة أكثر إلى سوق الاقتراض الدولية، وطرح سندات دين على البلاد خلال تلك السنوات قد تزيد عن 25 مليار دولار أخرى. وقد تضمنت مشروطية الصندوق تنفيذ الحكومة المصرية لعدة إجراءات، كانت فى الواقع تقوم بتنفيذها منذ أكثر من ثلاث سنوات سابقة على التوقيع على الاتفاق رسميًا وهى:
تعديل قانون الضريبة على المبيعات والانتقال إلى قانون القيمة المضافة Value Added Taxes ، وبسعر أعلى من السابق (14% بدلا من 11% )، بكل ما يمثله هذا القانون من أعباء إضافية على قطاعات الإنتاج والخدمات، ومنها إلى المستهلكين المصريين عمومًا، وقد قدرت المصادر الحكومية أن من شأن تطبيق هذه الضريبة أن تزيد الحصيلة الضريبية بحوالى 35.0 مليار جنيه سنويًا، سوف يتحملها فى المحصلة النهائية كاسبو الأجور والمرتبات ومحدودى الدخل والطبقات الوسطى فى المجتمع المصرى.
دفع الحكومة دفعًا – وهو ما يتوافق مع الرغبات المعلنة من جانب رجال المال والأعمال والمحتكرين الكبار – إلى ما سُمى تعويم (تغريق) الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية وخصوصًا الدولار، وهو ما ترتب عليه خسران الجنيه المصرى لحوالى 60% من قيمته حلال الفترة من 3 نوفمبر 2016 حتى يوليه 2017؛ حيث انخفض سعر صرفه الرسمى من 8.88 جنيه / للدولار الأمريكى فى أول نوفمبر 2016 ، إلى 19.5 جنيه / للدولار فى يوليو 2017، ثم استقر عند مستوى 17.95 جنيه / للدولار بعد ذلك حتى تاريخ سبتمبر 2017، وعاد وأرتفع قليلا إلى 15.5 جنيه فى المتوسط فى الربع الأخير من عام 2019 . وقد أدى ذلك إلى موجة تضخمية لم تشهدها البلاد منذ خمسين عامًا مضى، حتى بلغ معدل التضخم المعلن رسميًا فى يوليه 2017 حوالى 34.5%.
وكذلك فرض على نظام الجنرال السيسى – وهو أيضًا ما يتوافق مع رغبات ومطالب كبار رجال المال والأعمال والمستثمرين فى قطاع البترول – زيادة أسعار المنتجات البترولية بمتوسط زيادة 40% فى كل مرة، حيث جرت الزيادة فى يوليو 2014، وفى يونيه 2016 ، ثم فى يونيه 2017 ، وفى يونيه 2018 ، لتؤدى بدورها إلى ارتفاعات متتالية ومتلاحقة فى أسعار النقل والمواصلات وبقية السلع والخدمات فى السوق المصرية.
كما أجبرت الحكومة ونظام الجنرال السيسى – وهو ما يتوافق مع رغباتها الذاتية – على صياغة برنامج غير معلن لتخفيض العمالة الحكومية بنسبة 20% خلال ثلاث سنوات، بدأتها بقانون جديد للخدمة المدنية، رقم (18) لسنة 2015، والذى جرى تعديله عام 2016 بعد رفض مجلس النواب الجديد له، وصدر مع تعديلات طفيفة لا تغير من جوهره ( ق 81 لسنة 2016 ) ، حيث تضمن الكثير من التراجعات عن الحقوق السابقة للعاملين فى القطاع الحكومى الواردة فى القانون السابق رقم 47 لسنة 1978، مثل المدد الزمنية للترقى الوظيفى، وإدخال وتقنين الوساطة والمحسوبية فى شغل الوظائف والتعيين فى القيادات الإدارية تحت مسمى "الخبرات النادرة " ، أو ما نفضل أن نسميها "النوادر "، وكذلك توسيع صلاحيات السلطة المختصة فى نقل وفصل العاملين، فى ظل جو محموم حول محاربة الإرهاب، والتخلص من التسرب والاختراق الإخوانى لمؤسسات الدولة والقطاع الحكومى، وكذا السعى لتخفيض الأجور والمزايا المالية، التى كان يحصل عليها العاملون الحكوميون – برغم ضآلتها – من خلال التقسيم الجديد لعناصر الأجور فيما سُمى "الأجر الوظيفى" و "الأجر المكمل"، بحيث جرى عمليًا تجميد بند الأجور فى الموازنة العامة خلال ثلاث سنوات من عام 2016 حتى 2019 ، وإذا قارناه بمعدلات التضخم وإرتفاع أسعار مستلزمات الحياة ، والجبايات المفزعة التى فرضت على المصريين فى معظم مناحى الحياة ، تكون النتيجة هى تخفيض حقيقى للأجور .
فى الوقت نفسه، استمرت السياسات الحكومية – برضا ودعم من الصندوق – فى الإبقاء على معدل الاستقطاع المتدنى للضرائب على دخول وأرباح شركات كبار رجال المال والأعمال والقطاع الخاص الكبير عمومًا، حيث خفض أعلى معدل للوقع الضريبى من 30% (25% على الدخول والأرباح إضافة إلى 5% أضيفت بعد عام 2012 لمدة ثلاث سنوات على مَنْ يزيد دخلهم عن مليون جنيه سنويًا)، فخفضت إلى 22.5% كأعلى استقطاع ضريبى، وألغيت الضريبة المؤقتة بنسبة 5%، كما أُلغيت الضريبة على أرباح التداولات بالبورصة والأرباح الرأسمالية بنسبة 10%، وذلك كله عشية انعقاد مؤتمر شرم الشيخ فى مارس عام 2015، كعربون محبة لرجال المال والأعمال وما يُسمى "المستثمرون" العرب والأجانب ، وبالتالى تحميل الطبقات الفقيرة والوسطى عبء الأزمة الاقتصادية ، مقابل زيادة دخول وثروات رجال المال والأعمال ورأسمالية المحاسيب .
فإذا تأملنا تداعيات ومخاطر هذه السياسة المالية فى الوقت الحاضر – ناهيك عن مخاطرها فى المستقبل – نجدها تتجسد بوضوح وقسوة فى ، تأثير خدمة هذا الدين الضخم والمتزايد ( الفوائد + الإقساط ) على الموازنة العامة وما يتبقى منها لتلبية أحتياجات أساسية للسكان ، مثل التعليم والصحة وتحسين الأجور للعاملين ، لقد زاد مخصصات الفوائد على القروض المحلية والأجنبية، بصورة خطيرة ومثيرة للقلق، من 173.2 مليار جنيه عام 2013/2014 ، إلى 381.0 مليار جنيه عام 2017/2018 ، ثم إلى 541.3 مليار جنيه عام 2018/2019 ، وإذا أضفنا إليها مخصصات سداد الأقساط التى زادت بدورها من 107.5 مليار جنيه عام 2013/2014 إلى 265.4 مليار جنيه عام 2017/2018 ، ثم إلى 276.0 مليار جنيه عام 2018/2019 مما أصبح عبئًا ثقيلاً فوق قدرة وطاقة الاقتصاد المصرى على تحمله. أى أن خدمة الدين العام قد بلغ 817.3 مليار جنيه فى موازنة عام 2018/2019 ، وما زال الحبر على الجرار ؟؟؟
لقد بلغ مجموع ما سددته الدولة المصرية خلال ست سنوات فحسب من عام 2013/2014 حتى عام 2018/2019 حوالى 3.2 تريليون جنيه خدمة للديون الضخمة، التى أغرقنا فيها هذا النظام، وهذا العبء الضخم يكشف عن خلل جوهرى فى السياسات المالية لنظام الجنرال السيسى. وعبر مصيدة الديون التى تحدث عنها ضابط الاستخبارات المركزية الأمريكية الأسبق " جون بيركنز" J. Berkiens فى كتابه الخطير والهام (112)، ومن قبله الدكتور رمزى زكى فى كتابه الهام " ديون العالم الثالث " (113) ، جرت أكبر عملية نهب للأصول العامة من شركات وأراضى وغيرها ، لقد دفعنا دفعا وتحت سياط الديون أن نسير فى هذا الطريق المؤلم ، والذى كان تتربص به وحوش كاسرة ، لا وطن لها ولا رأفة ببلد والفقراء فيه .
****************
لقد كان الثمن الذى دفعته مصر مقابل تخفيض نصف ديونها عام 1992 ، وقدرها 25.0 مليار دولار ، هو تسليم مصر كلها تسليم مفتاح من أجل إعادة تفكيكها وتركيبها على هوى الولايات المتحدة ودول الغرب الأوربى وجماعات المصالح الضارية فى الداخل ، والذى هو فى النهاية على مقاس المطالب الإسرائيلية .
وعموما بنهاية عام 2019 ، كان الدين الخارجى لمصر قد تجاوز 112.0 مليار دولار ، وقفز الدين الداخلى إلى 4.3 تريليون جنيه مصرى ، فى سابقة غير مسبوقة فى تاريخ مصر الاقتصادى الحديث .
وقدقفز الدين الخارجى لمصر فى يونيه 2020 إلى 123.49 مليار دولار ، مقابل 111.29 مليار دولار فى مارس 2020 ، ليسجل بذلك زيادة بنسبة 12.2% خلال الثلاثة شهور الأخيرة من العام المالى 2019/2020 .أى أنه خلال ثلاثة شهور فقط أقترض النظام والحكم فى مصر 12.2 مليار دولار ، وكان هذا الدين فى يونيه 2019 حوالى 108.7 مليار دولار وفق البيانات الصادرة عن البنك المركزى ، وأسباب هذا الإرتفاع فى الدين الخارجي في الثلاثة أشهر الأخيرة هو حصول مصر خلال ( مارس – يونيه 2019) على تمويلان من صندوق النقد الدولي أحدهما عبر برنامج التمويل السريع بنحو 2.8 مليار دولار، والآخر بقيمة ملياري دولار هي الدفعة الأولى من اتفاق الاستعداد الائتماني بقيمة 5.2 مليار جنيه على مدار عام ، كما باعت مصر سندات في الأسواق الدولية بقيمة 5 مليارات دولار في مايو الماضي (114) .
والأن .. وبسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للدولة المصرية ، هبطنا إلى مستنقع الديون من جديد ، وبدأنا بدفع العربون متمثلا فى التنازل عن جزء من أراضينا ( جزيرتى تيران وصنافير ) للمملكة السعودية وولى عهدها محمد بن سلمان ، ومن بعدها سلمنا قراراتنا السياسية الخارجية لصالح الدول الخليجية الدائنة وفى مقدمتها السعودية والإمارات المتحدة .
نحن كما هو واضح إزاء إدارة اقتصادية للبلاد تفتقر إلى الكفاءة المهنية والسياسية ، وتميل إلى أساليب المافيا واللصوصية في نهب موارد البلاد وسرقة مستقبل أجياله القادمة كما سوف نعرض بعد قليل .
الجزء الجزء عن نهب أراضى الدولة فى الجنرال