- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عبدالعزيز عاشور : قول الزمان ارجع يا زمان
عبدالعزيز عاشور : قول الزمان ارجع يا زمان
- 3 مايو 2021, 10:10:19 م
- 831
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
طرح الصديق الكريم سؤالا عبقريا كاشفا فقال :
لو عاد بك الزمان هل كنت ستختار ذات شريك الحياة الذى تعيش معه ؟
والسؤال طبعا لكل من الزوجين الرجل والمرأة ..
ايه يا عم الحاج ؟
ده سؤال عادى فين هيا العبقرية ؟
أنا أقول لك فين العبقرية وليه هو سؤال كاشف ..
بس اقرأ ببعض الصبر ..
إجابة السؤال التى سيبادر معظمنا لقولها تبين عبقرية السؤال وكونه كاشف لنهج التفكير الذى يسيطر على معظمنا ان لم يكن علينا جميعا ..
انا مثلا او اى واحد من حضراتكم رجالا او نساء لما نحب نجاوب على السؤال ما الذى سيقفز فورا الى الذهن الحاضر ؟
سيقفز الى الذهن الحاضر ما استقر فى الوجدان عبر سنوات العشرة طالت أم قصرت ..
بمعنى آخر ستقفز الى الواقع الآن مخزونات العقل الباطن ..
تعالوا كده نشوف ايه اللى بيتم تخزينه فى العقل الباطن ..
الحياة المشتركة بين الزوجين فيها كل الاحوال والعوارض ..
فيها لحظات السعادة اليومية وفيها لحظات الإنهاك والمتاعب والمعاناة والأزمات ..
لحظات السعادة وآثارها نظرا لندرتها عموما او قلتها قياسا لغيرها بتبقى عاملة زى الزبدة يطلع عليها النهار تسيح زى ما بيقول المثل الشعبى ..
يعنى بتتنسى مع الايام وكثرة المتاعب ...
لحظات المتاعب والألم والمعاناة تأثيرها فى النفس يكون أكثر رسوخا وأقوى أثرا خصوصا لو فشل شريك العمر فى معالجة آثارها أولا بأول ..
فتتراكم وتترك داخل النفس كلكيعة تنمو وتتضخم مع الايام ..
فإذا أردت أن تجيب على سؤال الصديق الكريم ستجد هذه الكلكيعة التى نمت وتضخمت وترسخت فى العقل الباطن عبر عشرات السنين تقفز أمامك لتجيب هى بدلا عنك ..
فتقول الزوجة يا اختى أنا مش عارفة وافقت أتجوزه على ايه ؟
مع انى كنت قمر زمانى والخطاب بيتخانقوا عليا وهو كان عدمان وصدمان ..
انما تقولى ايه انطسيت فى نظرى وفضلته على كل الخطاب ..
والزوج يقول .. وانا والله يا اخى مش عارف ايه الجنان بتاعى ده ..
ده انا كنت دونجوان الحتة كلها والبنات بتتمنى نظرة واحدة منى وكلهم كانوا أحلى منها ، مش عارف ايه اللى عمانى وخربط نفوخى وخلانى اقول لهم الا دى مش هاتجوز غيرها ودفعت فيها الجلد والسقط وعملت جمعيات واقساط
يا ما ..
جرى ايه يا عم الحاج ..
مع احترامنا لواقعية الرصة اللى انت رصيتها دى بس برده ما فهمناش فين عبقرية السؤال ..؟؟
على مهلك شوية ..
أصل أنا نسيت اقول لحضرتك جاوبت الصديق ازاى على سؤاله ..
قلت له الآتى ..
لو فكرت فى الموضوع وحسبت الحسبة بنفس معطيات وظروف لحظة الإختيار من عشرات السنين سواء معطيات الظرف الاجتماعى والاقتصادى ومعطيات الحالة العقلية والنفسية والثقافية حينها بعيدا عن تراكمات تلك السنين لكان اختيارى هو ذات الاختيار دون تبديل ..
لكن لو حسبتها بمعطيات هذه اللحظة وما تغير فى كلينا من المكتسبات الثقافية والاجتماعية ومخزون الآلام والخبرات ممكن أقول لك فى أحسن الأحوال إنه كان مفروض الواحد يفكر شوية ويتأنى شويتين ..
وأعتقد أن أحدا لن تختلف إجابته عن ذلك لو أمعن التفكير قليلا ..
وتلك يا صديقى آفتنا فى تقييمنا لحوادث الزمان وشخوصه ..
كلما تناولنا حادثة من حوادث الزمن او شخصية من ابطالها تناولناها او تناولناه ليس بمعطيات عصرها او عصره ولا وفق المناخ الاجتماعى والثقافى الذى أحاط بها أو به ..
وإنما نجلس ونتقعر ونسقط على الحادث وشخوصه خبراتنا وثقافتنا وظرفنا الاجتماعى والاقتصادى والسياسى رغم اختلاف كل ذلك جذريا عن الواقعة او الشخص تحت التقييم والدراسة ..
بل ونذهب أبعد من ذلك ..
فالطبيعى أن تقييمنا للشخوص والحوادث وفق خلفياتنا الحالية والتى تختلف ايضا من شخص الى غيره ومن بيئة الى غيرها ومن مستوى ثقافى الى غيره أن يختلف التقييم وتختلف النتائج ..
ومن ثم نتفرق نحن حولها ونختلف ونتنازع ..
بل ويتم تشكيل الفرق والاحزاب والطوائف وفق اختلافنا فى التقييم والنتائج ..
وكل ذلك رغم أن القضية فاقدة للمنطق من بدايتها ..
فالصلة منبتة تماما بين الحوادث والشخوص ومعطيات ظروفها التى أنتجتها وتلك التى نبنى عليها اختلافاتنا ونتقاتل عليها ويقتل بعضنا بعضا ظنا أن الصواب معه دون غيره ..
بل ونسعى لتقييم حوادث وشخوص مجتمع البداوة كما الحضر وفق منظور واحد هو منظور خبراتنا نحن وثقافتنا وأعرافنا نحن دونهم بل ونحرص على نموذج نظنه منطقيا وهو من صنعنا ووفق خلفياتنا وخبراتنا فيفسد القياس ونظل نحن طوال القرون والعقود نتعارك حول الحوادث والشخوص وغيرنا قد ترك كل حوادثه وشخوصه خلف ظهره وانطلق باحثا عن المستقبل فصار يبتعد عنا بفجوة حضارية يصعب تخطيها ..
والعجيب إننا واحنا بنعمل المصيبة دى فى التقييم بننسى او نتغافل ان الحوادث الآنية التى تقع بيننا وأمام ناظرينا يختلف تقييم كل منا لها ولشخوص فاعليها وأبطالها وفق المستوى الثقافى والاجتماعى والخبرات الحياتية المختزنة مع أننا ننظر اليها فى ذات لحظة وقوعها ..
فما بالك بتلك التى حدثت بعيدا عن ناظرينا وإدراكاتنا منذ مئات أو آلاف السنين ؟
فهل صدقتم ان السؤال كان عبقريا فى طرحه كاشفا لسوءاتنا التى نأبى أن نسمو فوقها أو نتخلص منها ؟؟