ومن المثير للريبة أن يتم تضخيم الحديث عن "خطأ تقني" في إضافة رقم صحفي مع أن الجهات الأمنية الأميركية قادرة تقنيا على اختراق التطبيق ذاته إن أرادت وهو ما يدفع للتساؤل: هل كان الخطأ مقصودا؟

عبدالملك محمد عيسى يكتب: بين الفضيحة والتخبط: ماذا تكشف تسريبات “سيغنال” عن معركة واشنطن في اليمن؟

profile
عبدالملك محمد عيسى أستاذ علم الاجتماع السياسي جامعة صنعاء
  • clock 27 مارس 2025, 1:23:33 م
  • eye 618
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
تعبيرية

هزت الإدارة الأميركية فضيحة غير مسبوقة بعد أن كشف عن ضم صحفي أميركي إلى مجموعة مراسلة سرية عبر تطبيق "سيغنال" كانت تناقش بالتفصيل خطة ضربات جوية أميركية ضد صنعاء وعلى الرغم من محاولة البيت الأبيض التخفيف من وقع الحدث باعتباره "خطأ فرديًا" فإن القراءة من زاوية يمنية تضع هذه الواقعة في سياق أكبر - سياق يكشف فشلا عسكريا وارتباكا سياسيا وخداعا إعلاميا - يراد به تحويل الأنظار عن جوهر المعركة، في بلد كالشيطان الاكبر يفترض أن يكون تداول معلومات عسكرية بهذه الحساسية مؤمنا عبر قنوات خاصة وآمنة لا تطبيقات شائعة كـ"سيغنال" المعروف بين الصحفيين والنشطاء .

 

ومن المثير للريبة أن يتم تضخيم الحديث عن "خطأ تقني" في إضافة رقم صحفي مع أن الجهات الأمنية الأميركية قادرة تقنيا على اختراق التطبيق ذاته إن أرادت وهو ما يدفع للتساؤل: هل كان الخطأ مقصودا؟ وهل أُريد من ورائه إرسال رسائل ضمنية بأن المراسلات كانت محمية في هذا التطبيق من أجل استخدامه في دول أخرى كاليمن مثلا؟ .

 

المؤكد أن ما جرى كان محاولة ذكية لتحويل بوصلة النقاش العام من سؤال الفشل العسكري الأميركي في اليمن إلى الحديث عن "فضيحة داخلية" تتعلق ببروتوكولات الأمن الرقمي فبينما كانت الصواريخ اليمنية تواصل إغلاق الممرات البحرية وتحدي الهيمنة الأميركية في البحر الأحمر اختارت واشنطن فتح معركة إعلامية داخلية لإخفاء خيبتها الاستراتيجية، اللافت في التسريب أن بعض المسؤولين الأميركيين المشاركين في المحادثة أبدوا ترددا في توجيه الضربات ليس حرصا على تفادي التصعيد بل لأنهم "لا يحبذون إنقاذ أوروبا مرة أخرى".

 

 كما قال نائب الرئيس الأميركي هذا التحول الخطابي من حماية "إسرائيل" إلى الدفاع عن "أوروبا" هو محاولة لإعادة تسويق المعركة بأهداف جديدة بعدما انكشف طابعها الحقيقي كمحاولة لحماية الكيان الصهيوني من تداعيات دعمه لجرائم الحرب في غزة، إن السياق لا يُخطئه المتابع اليمني الضربات الأميركية على اليمن كانت دائما مدفوعة بضغط إسرائيلي مباشر بعد أن تحولت صنعاء إلى رأس حربة في معركة نصرة غزة وأغلقت باب البحر الأحمر بوجه السفن المرتبطة بالعدو، 

 

وبالتالي فإن إعادة تلميع مبررات الضربات والحديث عن "حرية الملاحة الدولية" هو مجرد ستار لتغطية حقيقة أن الولايات المتحدة تخوض حربا بالوكالة نيابة عن كيان غاصب فقد هيبته ويبحث عن من ينقذه من الغرق، من زاويتنا كيمنيين لم تعد المسألة تقتصر على استهداف بارجة هنا أو طائرة هناك بل دخلت مرحلة "تفكيك الرواية" التي طالما قدمت واشنطن كقوة لا تقهر ها هي اليوم تتخبط بين رسائل "سيغنال" وخلافات داخلية بين مسؤوليها وفشل في فرض الردع رغم استخدامها أدواتها العسكرية والإعلامية والسيبرانية كافة، إن اليمن لا ينتصر فقط في الميدان بل بدأ ينتصر في معركة الوعي وهذه الفضيحة مهما حاول الإعلام الأميركي التلاعب بها ستبقى شاهدا على ضعف العدو وعلى هشاشة قراراته وعلى عمق المأزق الذي يعيشه فالمعركة في حقيقتها لم تكن يوما من أجل "أوروبا" ولا "حرية الملاحة" بل كانت وما زالت حربا أميركية - صهيونية ضد شعب قرر أن يكون حاضرا في معادلة النصر لفلسطين.

التعليقات (0)