عبدالناصر سلامة :الخيانة بالتعريص

profile
  • clock 24 يونيو 2021, 12:17:24 ص
  • eye 1649
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 قد لا يدري المعرص، أنه يخون بلاده بذلك السلوك المشين، ذلك أنه لا يضر نفسه فقط، أو يضر شخص، أو حتى أشخاص، إنما يضر المجتمع، كل المجتمع، وقد يدري حجم ما يرتكب من جرم، إلا إنه يفتقر إلى الضمير، كالعميل والجاسوس تماماً، لذا لا يعنيه حجم الضرر الذي يقع على وطنه جرّاء ذلك السلوك، مادام يستفيد على المستوى الشخصي مادياً أو وظيفياً، أو أي استفادة من أي نوع. 

 هذا النموذج الأخير هو الأغلب الأعم، بدليل انتشارهم المريع في المواقع المختلفة، وتصدرهم المشهد في كل مكان، يصعدون السلم الوظيفي بسرعة بالغة، يحصلون على مايريدون في وضح النهار، لا تعنيهم نظرة المجتمع إليهم، بل أحياناً يلجأ إليهم أصحاب الحاجات للتوسط لدى السلطات، التي تسارع بتلبية مطالبهم تثبيتاً لوجودهم بين الناس،، فقد يتطلب الأمر ترشحهم هنا أو قيامهم بأدوار هناك. 

 كل ذلك لا ينسينا أننا امام عملية خيانة للوطن متكاملة الأركان، ولو أن هناك عدالة حقيقية لكانت هناك قوانين رادعة بهذا الشأن تضعهم في سلة واحدة مع الجواسيس والخونة، أو على الأقل بتهمة إفساد الحياة السياسية، أو الإفساد في الأرض، ليحق عليهم حُكم الله سبحانه وتعالى (أن يُقَتّلوا أو يُصَلّبوا او تُقَطّع أَيْدِيهم وأرجُلَهُم من خِلاف أو يُنْفَوْا من الأرض) ذلك إنهم كانوا سبباً في ديكتاتورية الحاكم، كانوا سبباً في تزيين الباطل، ضللوا صاحب القرار، كانوا سبباً في ضياع حقوق الناس، كانوا سبباً في ضياع حقوق الدولة، حصلوا على ماليس من حقهم، أفسدوا في مواقعهم، ساهموا في إفساد غيرهم. 

 وعلى الرغم من أن الإسلام  قد علمنا أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، إلا أن المعرص سوف يجد ما يقنع به نفسه، من أن طاعة أولى الأمر من طاعة الله ورسوله، على الرغم من أن هذه القضية قُتِلت بحثاً، وقال فيها مولانا الشيخ الشعراوي الكثير مما يدحض هذا الافتراء على كلام الله، إلا أن المعرص سوف يقنع نفسه بهذا السلوك انطلاقاً من نظرية الراحل حسن البارودي في فيلم الزوجة الثانية حينما أراد أن يزوج فاطمة زوجة أبو العلا للعمدة، أو حتى نظرية نور الشريف حول تعاطي المخدرات في فيلم "العار" رداً على سؤال شقيقه الراحل محمود عبدالعزيز: (إذا كان حرام آهو احنا بنحرقه، وإذا كان حلال آهو احنا بنشربه). 

 معرصو هذا الزمان لن تعييهم الحيلة، وهم يبحثون عن مبرر لذلك التعريص الذي قد يجدون فيه خدمة للوطن، حتى لا يعود الإخوان للحكم مثلاً، أو حتى لا تعود جيوش الاحتلال الفرنسي أو الانجليزي، وربما حتى لا يعود الهكسوس لحكم مصر، ذلك أن ذريعة حتى لا نكون كسوريا والعراق أصبحت متآكلة، تحتاج إلى تجديد، وقد يجدون في حُكم أي رئيس دون تحديد أجل للحكم ميزة كبيرة انطلاقاً من الحكمة اللوذعية (اللي نعرفه أُحسن من اللي ما نعرفوش)، أو المقولة الخالدة (هانجيب مين، ما فيش بديل)!!

 للأسف لم نعد نرى مع فراعين العصر الحديث، ولو حالة واحدة من الحالات التي كانت في معية فرعون موسى، التي أشار إليها القرآن الكريم بقول الله تعالى في سورة غافر: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيِمَانَهُ)، كنا نتمنى أن نسمع كلمة حق واحدة من أحد مستشاري حكام العصر الحديث أو المقربين منهم تراعي الله، وتُعبّر عن الشعب تعبيراً صادقاً، نشعر من خلالها بأن هناك أمل، إلا إنه بدا واضحاً أنه لم يعد هناك حتى من يكتم إيمانه، على الرغم من ذلك فقد حق عليهم القحط، كما جاء في سورة الأعراف: (وَلَقَدْ أخذنا آل فرعون بالسِنِينَ ونقصٍ من الأموال والثمرات لعلهم يذّكّرون)، ثم بعد ذلك في سورة القصص: (واستكبر هُوَ وجنودَهُ في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يُرجعون، فأخذناهُ وجنودَهُ فنبذناهُمْ في اليَمِ فانظُر كيف كان عاقبةُ الظالمين).  

بالتأكيد المعرصين هنا سوف يبتهجون بالجفاف المتوقع للنيل وما تفعله إثيوبيا في هذا الشأن، ظنا منهم أنهم نجوا من عقاب الله بالإغراق مثلاً، وربما يزعمون بأن هذه كانت نظرة ثاقبة بعيدة المدى للقيادة السياسية، وذلك في إطار حالة الطمس على القلوب التي اعتدناها من هؤلاء في التعامل مع كل قضايانا، حتى المصيرية منها، وهو ما يؤكد أننا أمام حالة مرضية مزمنة لن يستطيع مواجهتها إلا نظام الحكم نفسه، وذلك بإعلان الحرب عليها فوراً، على اعتبار أن هذا المرض يضر السلطة الحاكمة أكثر مما ينفعها. 

 بالفعل، ليس شرطاً أن تكون خيانة الوطن بالتعامل مع العدو، قد تكون بالتعامل مع نظام ديكتاتور، أو نظام فاسد، أو نظام عميل، يجب التفريق إذن بين الإخلاص لشخص والإخلاص للوطن، قد تكون الخيانة بتحقيق مصالح شخصية على حساب الصالح العام، الفساد في حد ذاته خيانة للوطن، والإفساد خيانة، والسير في ركاب الباطل خيانة، والسكوت عن الحق خيانة، ما بالنا إذا كنا أمام معرصين جمعوا بين كل هذه الخصال في آن واحد. 

 أعتقد أن الشعار أصبح ضرورة حتمية: لا للتعريص.


موضوعات متعلقة:

تقرير : بعد مطالبته السيسي بالتنحي ..اعتقال عبد الناصر سلامة بتحريض من لجان إلكترونية

عاجل : أنباء عن اعتقال الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة : افعلها ياريّس

عبدالناصر سلامة : تعريص النخبة

عبدالناصر سلامةيكتب : التعريص القاتل

عبد الناصر سلامة يكتب : وللتعريص مدارس .. (٢)

الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة يكتب : المهنة معرّص !!

التعليقات (0)