- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عبدالناصر سلامةيكتب : التعريص القاتل
عبدالناصر سلامةيكتب : التعريص القاتل
- 23 يونيو 2021, 1:36:39 ص
- 1365
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أحد كبار المعرصين ويشغل منصباً كبيراً الآن، في رده على سؤال حول سر هذا الموضوع في حياته أجاب قائلا: غريب جداً إن أنا فلاتي، بتاع نسوان، وسكير، وبي كل العبر، ولا يشغلكم غير موضوع التعريص!!، في دلالة على أن هناك اتساق غريب مع النفس، وبالمناسبة هذا المشار إليه أهم ما يميزه هو إنه يقول الكلام وعكسه بأريحية شديدة جداً، أي أنه يحكي الواقعة بطريقة معينة في إحدى القنوات الفضائية كشاهد عيان عليها، وبعد دقائق يحكيها في مؤتمر أو في ندوة بتفاصيل مختلفة تماماً، لأن نوعية الجمهور المتلقي مختلفة، وسوف يواجه بهجوم إذا رواها بالتفاصيل نفسها هنا وهناك.
أذكر أيضاً أن أحدهم من فرط التعريص قال: إن من يقول تيران وصنافير مصرية خائن للوطن!!، وحتى الآن بصراحة لا أجد تفسيراً لهذه الجملة في أي من القواميس، وذلك في دليل أيضاً على أن تجليات التعريص يمكن أن تذهب بالمعرص إلى مدى لا يمكن إدراكه أو التحكم فيه، فيما يسمى الفلتان التعريصي، لكن الغريب في الأمر أنه كأن لم يفعل شيئاً، ويعود إلى بيته، ويتناول طعامه، وينام ويستيقظ، ويدعو الله بالستر، وكأن شيئا لم يكن!!
أذكر أيضاً ذلك المعرص الذي قال على الهواء مباشرة، لا يهمنا النيل، وإذا ضاع النيل، فلدينا عبدالفتاح السيسي، والسؤال مع احترامنا للرئيس عبدالفتاح السيسي كرئيس، مادخل هذا بذاك، وكيف يمكن أن نشرب ونأكل ونغتسل ونروي ونزرع وننتج في وجود رئيس الدولة أياً كان اسمه بدون وجود مياه، وألا يدل ذلك على أن عملية التعريص في بلادنا قد خرجت عن السيطرة، ألا يدل ذلك على أنه لا بد من وقفة حتى تستقيم الأمور.
أذكر أيضاً أداء البرلمان السابق، برئيسه غير المأسوف عليه، وكيف أنه فرط وتنازل ونافق ودلس على الهواء مباشرة، دون حياء أو خجل من الشعب على الأقل، ذلك أنه قد بدا واضحاً أن لقاء الله سبحانه وتعالى ليس في حسابات هؤلاء أبداً، والا لما سمعنا لا هذا الكلام ولا ذاك، وذلك في دلالة على أن قسَم اليمين بالحفاظ على الوطن وسلامة أراضيه، لا وجود له على أرض الواقع، هي جملة نرددها كتحصيل حاصل، لا أكثر من ذلك ولا أقل، ويمكن القياس على ذلك في كل المجالات الأخرى.
يحضرني هنا أيضاً ذلك اللواء، أُكرر اللواء للأسف، الذي من فرط التعريص للموقف الرسمي قال في سهرة تليفزيونية: (وأقول لك ماهو أخطر: سيناء كلها ليست مصرية!!)، في دلالة على أن المعرصين عموماً في أي مجتمع يجب أن يوضعوا في حظائر حديدية، ثم توضع هذه الحظائر في الميادين الكبرى، ليس من أجل البصق عليهم ذهاباً وإياباً، ذلك أنهم في النهاية بَشَر، وإنما للعبرة والعظة، وإذا رجعنا بالذاكرة قليلاً لأشكالهم، وأرجو ذلك، سوف نجد أنها لا تعدو عن كونها تتناسب مع الحظائر والخنازير والمواشي بشكل عام.
طيب، (لما يطلع واحد يقول: كامل الوزير ماله ومال حوادث القطارات، يعني هو اللي بيسوق والا هو بيوجه؟، والتاني يقول: كامل الوزير ها يعمل لكم ايه يعني، ها يتدخل في قضاء ربنا، الموت علينا حق، والثالث يقول: كامل الوزير كفاءة والمشكلة في الإخوان اللي بيعملوا الحوادث).. بالتأكيد نحن أمام حالة ميئوس منها من التعريص بالغ السوء، حتى لو كان ذلك الذي يقال في برامج الردح الليلي نتيجة تعليمات من سامسونج أو غير سامسونج، حتى لو كان ذلك بتعليمات من كامل الوزير نفسه، لا هذا بإعلام، ولا هذا بموقف رسمي، ولا هذا بدفاع عن رجل قريب من أعلى السلطة، نحن أمام أزمـة شبه يومية تتعلق بدم، تتعلق بأرواح، تتعلق بضحايا، خلفوا ورائهم أمهات وآباء وأرامل ويتامى، كان يجب أن يتوارى التعريص، ولو مؤقتاً، حرصاً على مشاعر هؤلاء على أقل تقدير.
بالتأكيد لا يجب أن ننسى (أُم التعاريص) المتعلقة بأَسر قائد الأسطول السادس الأمريكي في عرض البحر المتوسط، والتي رواها أحدهم للأسف أيضاً على الهواء مباشرة، في خضم محاولات تغييب الشعب بمجموعة من الروايات اللامنطقية، قبل أن تصبح هذه الرواية ملكية فكرية باسم الكتائب الإلكترونية، من خلال رسالة شائعة على تطبيق الواتس آب، للطفل البطل هاري بوتر، الذي تصدى لذلك الاسطول بغواصاته الخارقة التي لم ترصدها الرادارات الأمريكية، ولا النظارات الليلية الروسية، ولا حتى حاملات البتنجان بالتقلية!
نحن إذن أمام تعريض قاتل، من النوع المدمر، كوفيد ٢٠٢١ وهو نوع متطور جداً سبق الغرب المتخلف الذي مازال يعيش مع كوفيد ١٩، والغريب أننا لم نسمع عن أي هيئة أو شركة تسعى لإنتاج مصل مقاوم لذلك الوباء أو تلك الجائحة، في الوقت الذي تستمر فيه معامل ووهان التعريصية في إنتاج مزيد من مسلسلات الإلهاء، التي كان آخرها تجريم "اغتصاب" الزوج لزوجته، وقبل ذلك صماويل السكة الحديد التي يلعب بها الأطفال، بعد أن صادرت وزارة التموين مبكراً بيض البندول من المحلات، لسبب غريب، مما دعا الأطفال للاتجاه بالتفكير نحو وزارة النقل.
عودة طابور الصباح المدرسي أيها السادة، والنشيد الوطني بلادي بلاد، لك حبي وفؤادي، كان يمكن أن يغنينا عن كل لجان ومسلسلات وبرامج التعريص، ذلك أن الروح الوطنية والانتماء لا يمكن تعاطيهما عن طريق معلبات من السوبر ماركت أو حتى من السيارات إياها التي تجوب الشوارع بالأغاني والأهازيج، في ممارسات بالغة الهزل، في وقت كان يجب أن يتصدر فيه الجد المشهد على كل الاصعدة السياسية والاجتماعية، وقبل كل ذلك العسكرية، نتيجة ما تمر به البلاد الآن من تحديات بالغة الدقة.
كما أن الحفاظ على حقوق مصر في الأرض والعرض والغاز والنيل، واستنفار الوطنية المصرية في سبيل ذلك، بعد استنفار الجيش طبعاً، كان يمكن أن يغنينا عن أكاديميات، يُنفق عليها الملايين، تقوم ببث وتدريس ما يتعلق بأهمية الأمن القومي، وخطورة داعش، وحتى لا نُصبح سوريا والعراق، وغير ذلك كثير، يذهب أدراج الرياح بمجرد حصول الدارس على الورقة او الشهادة التي ستؤهله للتعيين او الترقي، بدليل أن كل من عبروا قناة السويس وحطموا خط بارليف، لم يحصلوا على أي من هذا الهزل، فقط رددوا -الله أكبر- بتلقائية وعفوية، ووطنية منقطعة النظير، ذلك أن هذا النداء في حد ذاته لم يكن ضمن خطة أو برنامج العبور.
أعتقد أن الممارسات تؤكد أننا أمام حقيقة قاتلة ومدمرة يجب الاعتراف بها والتعامل معها، وهي أن التعريص أخطر الآفات التي تعاني منها الحالة المصرية الآن، وهو ما يوجب علينا جميعاً رفع الشعار: لا للتعريص.
موضوعات متعلقة:
تقرير : بعد مطالبته السيسي بالتنحي ..اعتقال عبد الناصر سلامة بتحريض من لجان إلكترونية
عاجل : أنباء عن اعتقال الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة
الكاتب الصحفي عبدالناصر سلامة : افعلها ياريّس
عبدالناصر سلامة : تعريص النخبة
عبدالناصر سلامة :الخيانة بالتعريص