عبد الجبار سلمان يكتب: أسباب غياب الديمقراطية وحرية التعبير في الشرق الأوسط: اليمن كنموذج

profile
عبدالجبار سلمان كاتب صحفي
  • clock 30 أكتوبر 2024, 4:55:24 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في الواقع، تعد قضايا غياب الديمقراطية وحرية التعبير والرأي في الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن، من القضايا التي تثير الكثير من الاهتمام والتحليل. تاريخيًا، تعاني العديد من دول الشرق الأوسط من غياب المؤسسات الديمقراطية وضعف الحريات العامة، ويعود ذلك إلى مجموعة متنوعة من العوامل التاريخية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي ساهمت في تشكيل بيئة تسودها النزاعات والانقسامات. لعب الاستعمار دورًا كبيرًا في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بشكل يتجاهل الهويات القبلية والطائفية للسكان، ما أدى إلى نشوء دول غير متجانسة عرقيًا ودينيًا. ومع استقلال هذه الدول، استمر التنافس على السلطة بين الفئات المختلفة، واستغل المستعمرون السابقون وبعض القوى العالمية هذه الانقسامات لتحقيق مصالحهم، فدعمت جماعات معينة على حساب الأخرى، ما عزز النزاعات الداخلية. اليمن، على سبيل المثال، 

عانت من تدخلات خارجية مستمرة ساهمت في تعقيد الصراعات الداخلية، مثل الصراع الدائر بين القوى الإقليمية كالسعودية وإيران، حيث تتبنى كل منهما أطرافًا داخلية مختلفة بما يخدم أجنداتها الإقليمية، ما يعمق الفجوة بين أطياف المجتمع ويزيد من حدة النزاعات الطائفية. كذلك يعد الحكم السلطوي من أهم سمات العديد من دول الشرق الأوسط. بعد الاستقلال، غالبًا ما تبنت الدول أنظمة حكم مركزية واستبدادية للسيطرة على الشعوب، كما سعت هذه الأنظمة إلى قمع أي محاولة للإصلاح أو المطالبة بالديمقراطية. فالنظم الاستبدادية تبني قوتها على القمع والرقابة، وتعتبر أن انفتاح المجتمع على الحريات يشكل تهديدًا لوجودها. في اليمن، كانت السلطة تاريخيًا تتركز في يد نخبة ضيقة، سواء خلال حكم الأئمة الزيدية ( الهضبة الزيدية ) أو خلال الفترات الجمهورية فيما بعد. وقد استخدمت الأنظمة الحاكمة في اليمن القمع وسيلةً لكبح الحريات وممارسة رقابة صارمة على وسائل الإعلام، فضلاً عن استخدام أجهزة الأمن للتصدي لأي محاولة تغيير سياسي. هذا النهج أسهم في إخماد محاولات الإصلاح ومنع ظهور مجتمع مدني قوي قادر على الدفع نحو الديمقراطية. ومن جانب آخر تعاني بعض الدول في الشرق الأوسط، ومنها اليمن، من تباين طائفي كبير، حيث يتوزع السكان على عدة طوائف وأقليات دينية. ويمكن أن يستغل الحكام هذه الانقسامات لتثبيت سلطتهم، 

عبر تأجيج الصراعات الطائفية التي تُلهي الشعب عن المطالبة بالحريات وتؤدي إلى تعزيز سلطة الحاكم باعتباره الضامن الوحيد “للاستقرار”. وفي اليمن، يوجد تنوع طائفي، مثل الصراع بين الحوثيين الذين ينتمون للطائفة الزيدية وبعض المناطق السنية. وقد أدى استغلال الانقسامات الطائفية إلى إشعال حروب طاحنة وتصاعد العنف الطائفي الذي أدى إلى قتل وتهجير الآلاف. وقد ساعدت هذه الانقسامات الطائفية في إضعاف الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الفرعية، ما أدى إلى خلق بيئة تتقبل النزاعات المسلحة كوسيلة لحسم الخلافات. وأيضاً تعاني دول الشرق الأوسط من ضعف مؤسساتها الرقابية والقضائية، مما أدى إلى غياب مفهوم سيادة القانون. في غياب مؤسسات قوية ومستقلة، يسهل على النخب الحاكمة ممارسة السلطة بطرق استبدادية دون مساءلة قانونية. غياب سيادة القانون يؤدي أيضًا إلى ضعف الثقة بين الدولة والمواطنين، حيث يشعر المواطنون بأنهم محرومون من حقوقهم. في اليمن، تعاني المؤسسات الحكومية من ضعف وفساد شديد، ما يترك الساحة مفتوحة لسيطرة الميليشيات والعصابات، 

ويجعل من السهل على الأقوياء فرض سيطرتهم بالقوة. كما أن القضاء في اليمن يتعرض للتسييس، مما يفقد المواطنين الثقة في العدالة ويعزز من انتشار مظاهر العنف كرد فعل على الظلم. وأيضاً يلعب الوضع الاقتصادي المتردي دورًا هامًا في تأجيج الصراعات وإضعاف المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. كثيرًا ما تفتقر الدول في الشرق الأوسط، وخاصة اليمن، إلى خطط تنموية حقيقية، ويعاني المواطنون من انتشار الفقر والبطالة. وعندما يشعر الأفراد باليأس الاقتصادي، يكونون أقل اهتمامًا بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأكثر عرضة للانضمام إلى الحركات المسلحة أو الخضوع للأنظمة الحاكمة، خاصة إذا كانت تقدم لهم بعض الفوائد الاقتصادية. اليمن تعد من أفقر الدول في المنطقة، وتعاني من أزمة اقتصادية حادة، وقد ساهم هذا الوضع في زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية، مما زاد من تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية وجعلها ساحة صراع لمصالح القوى الإقليمية والدولية، وخلق بيئة يسودها العنف.

 وبالإضافة الى كل ما سبق يُعد التعليم من الركائز الأساسية لتطوير وعي مجتمعي داعم للديمقراطية والحرية، ولكن في العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن، يعاني التعليم من إهمال كبير. يرتبط ضعف التعليم بزيادة نسبة الأمية وضعف الوعي الحقوقي، ما يُسهل على الأنظمة الحاكمة السيطرة على الشعوب ومنع المطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. في اليمن، كانت الحرب سببًا رئيسيًا في تدمير العديد من المدارس وتراجع مستوى التعليم، ما أسهم في تكوين مجتمع يفتقر إلى الأسس التي تمكنه من السعي نحو الديمقراطية والمطالبة بحقوقه. ختاماً إن غياب الديمقراطية وحرية التعبير في الشرق الأوسط، واليمن كنموذج، هو نتيجة تضافر مجموعة معقدة من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. إن بناء مستقبل ديمقراطي يتطلب وجود إصلاحات جذرية، تشمل تعزيز سيادة القانون، وتقوية المؤسسات المستقلة، وتوفير التعليم، وتطوير الاقتصاد، وإنهاء التدخلات الخارجية.

كلمات دليلية
التعليقات (0)