عبد الحليم قنديل يكتب: الحرب الأوكرانية… الحساب الأخير

profile
  • clock 9 أبريل 2022, 12:05:17 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هل تنتهي حرب أوكرانيا بالفعل في 9 مايو/أيار 2022 المقبل؟ أي بعد مرور شهرين ونصف الشهر على بدء روسيا عمليتها العسكرية، لم تتحدث موسكو ولا عقبت بشيء عن التاريخ المذكور، بل سبق إليه المعسكر الآخر، وألحت عليه دوائر أمريكية رسمية، وبناء على ما تصفه بتقارير مخابرات دقيقة، تتابع مع جماعة فولوديمير زيلينسكي والجيش الأوكراني ما يجري لحظة بلحظة، وتوالي تقديم أسلحة فتاكة بعشرات المليارات من الدولارات، وعلى أمل هزيمة الجيش الروسي في الميدان الأوكراني، وحرمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إعلان نصره في 9 مايو، الذي يصادف موعد الاحتفال السنوي بعيد النصر الروسي، واستسلام القوات النازية للجيش الأحمر، في نهاية ما عرف باسم الحرب العالمية الثانية.
وقد لا تخلو فكرة 9 مايو من وجاهة سياسية ورمزية، وإن كانت موسكو المعنية لا تعلن شيئا عن موعد نهاية حرب قد تطول كثيرا، تماما كما لم تورد من البداية تفاصيل تذكرعن تكتيكات عمليتها العسكرية، واكتفت بعناوين عامة عن الأهداف السياسية، بدا الغموض فيها مقصودا، ودفع المعسكر الآخر إلى تخمينات، جرى إطلاقها في صورة معلومات، ظهر زيف أغلبها، من نوع الترويج لمرض عضال أصاب بوتين، أو تضليل المستشارين لرجل الكرملين الأول، أو اعتقال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، أو انتقال القوات الروسية إلى الخطة «ب» بعد فشل الخطة «أ» وكلها مما ثبت فساده، وكونها بعضا من أحاديث المقاهي، التي تنشر في وسائل إعلام ذات صيت دولي، تخوض حرب أكاذيب لا تنتهي ضد كل ما هو روسي، وتنفخ في بوق «شيطنة بوتين» الذي يعود فيظهر في صورة حازمة، ولا يتراجع أبدا عن الأهداف الخمسة الكبرى لحملته العسكرية، وعلى رأسها اعتراف الآخرين بروسية «شبه جزيرة القرم» التي جرى ضمها عام 2014، وكونها مسألة منتهية للأبد، ثم اعتراف السلطة الأوكرانية الراهنة باستقلال جمهوريتي لوغانسيك ودونيتسك في الدونباس شرق أوكرانيا، وتدمير ونزع البنية التحتية العسكرية للجيش الأوكراني، وتصفية نفوذ جماعة القوميين الأوكران الموصوفين بالنازية عند موسكو، وقبل كل هذا وبعده، إعلان ما يتبقى من أوكرانيا كيانا محايدا، لا ينضم إلى حلف «الناتو» ولا لأي تكتل عسكري آخر، مع الاستعداد لتقديم ضمانات أمنية إلى «كييف» في اتفاق إنهاء الحرب.

لا تصح الاستهانة بدور المقاومة الأوكرانية المدعومة أمريكيا وغربيا وبتدفق السلاح عليها، لكن أثرها الختامي على نتائج الحرب، لا يبدو حاسما

وبالجملة، وقبل شهر كامل من موعد 9 مايو المفترض أمريكيا وأوروبيا وأوكرانيا، لا تبدو هزيمة روسيا ممكنة، فمعايير النصر والهزيمة، تقاس بمدى الاقتراب أو الابتعاد عن الأهداف المرسومة، صحيح أن العملية العسكرية الروسية، بدت متباطئة جدا، وبقوات محدودة، ومرت أيام كثيرة من دون قتال فعلي، بلغت نحو نصف أيام الحرب، ربما على سبيل سعي روسيا لخفض التكاليف ودواعي الاستنزاف، ثم لجأت روسيا لسحب وحداتها من شمال شرق وشمال غرب العاصمة الأوكرانية «كييف» بعد أن قدمت السلطة الأوكرانية تعهدا خطيا بعدم الانضمام لحلف «الناتو» في مفاوضات إسطنبول، ومن دون أن تعلن موسكو تخليها نهائيا عن اقتحام «كييف» إن لزم الأمر، وهو ما قوبل بالارتياب في واشنطن، ودفعها مع تابعيها لنفخ النار في ما أسمي «مجزرة بوتشا» والأخيرة بلدة في شمال «كييف» تركتها القوات الروسية منذ 30 مارس/آذار 2022، وبعدها بأيام، بدأت معزوفة و»فيديوهات» لعشرات من جثث المدنيين في شوارع «بوتشا» قيل إن القوات الروسية أعدمتهم رميا بالرصاص، 

وهو ما تحدته روسيا بطلب انعقاد مجلس الأمن لمناقشة وكشف حقيقة ما جرى، ونفت مسؤوليتها عن المذبحة، فيما تواصل واشنطن النفخ في القصة، وطلب انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، طرد روسيا من عضوية المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وكأن واشنطن تعزي نفسها بترديد اسطوانة عزل موسكو عالميا، بينما القراءة الأدق للمشهد برمته، تكشف حيازة موسكو لتأييد وتعاطف أكثر من نصف المعمورة، حتى بمعايير الأمم المتحدة نفسها، فالذين يرفضون إدانة موسكو، أو يمتنعون عن التصويت بالإدانة، قد تكون أعداد دولهم أقل في عضوية منظمة الأمم المتحدة، لكن أوزانهم بمعايير الجغرافيا والسكان والاقتصاد والسلاح والتنوع الثقافي، تبدو أكبر من حجم التابعين للمشيئة الأمريكية في الصدام الراهن، فوق وجود تشققات محسوسة في التحالف الأمريكي الغربي، مرشحة للتفاقم إن حصلت روسيا على أهدافها المباشرة في الحرب الأوكرانية، وهو ما قد تنفتح له الطرق، مع تركيز القوات الروسية على قضم شرق أوكرانيا وجنوبها، بما يشمل «الدونباس» حتى «خاركيف» وهو أغنى مناطق أوكرانيا بالثروات والموارد الزراعية والمعدنية والصناعية، وإكمال قوس الاتصال البري بين «الدونباس» و»القرم» عبر «ماريوبول» وحرمان أوكرانيا بالكامل من الاتصال ببحر «آزوف» بعد الاستيلاء المبكر على مقاطعة «خيرسون» وعزلها عن البحر الأسود، الذي لم تبق لأوكرانيا من نافذة عليه سوى ميناء «أوديسا» الذي تحرم «كييف» حاليا من استخدامه، بعد تدمير قواتها البحرية وأسطولها التجارى، وذهابها للاتفاق مع رومانيا لاستعارة موانئها في استئناف تصدير ما تيسر.
وقد لا تصح الاستهانة بدور المقاومة الأوكرانية الشرسة، وهي المدعومة بأكبر موجات تدفق السلاح إلى أراضيها، وبدعم أمريكي غربي غير مسبوق في حجمه منذ الحرب العالمية الثانية، لكن أثرها الختامي على نتائج الحرب، لا يبدو حاسما، وقد هللوا لما سموه انتصار «كييف» على الرغم من أن انسحاب القوات الروسية من حولها جرى بمبادرة ذاتية، قدرت على ما يبدو، أن تكلفة دخول «كييف» وخوض حرب شوارع فيها، قد تكون مما يحسن تجنبه، حشدا للجهد العسكري البري في اتجاه الجنوب، وضم الأراضي التي يمكن لروسيا هضمها، مع تكوينها السكاني الروسي الغالب، ودفع جماعة زيلينسكي لتقديم تنازلات، تجعل استمرارها في السلطة بعد الحرب مشكوكا فيه، فالهدف الروسي الرئيسي من عمليتها العسكرية المحسوبة، ليس احتلال أوكرانيا بكاملها، بل تغيير أوكرانيا جغرافيا وسياسيا، و»خض ورج» الوضع الأوكراني بالكامل، وترك الغرب الأوكراني لتناقضاته الداخلية، بين جماعات الأرثوذكس والكاثوليك واليهود، والأخيرون على قلتهم العددية، يحكمون أوكرانيا رسميا، فالرئيس ورئيس الوزراء وعدد كبير من المسؤولين، كلهم يهود وصهاينة، ويحملون الجنسية الإسرائيلية إلى جوار الأوكرانية، والرئيس زيلينسكي نفسه، وصف أوكرانيا بأنها «إسرائيل كبيرة» وأكبر قادة كتائب «آزوف» النازية من اليهود الصهاينة، وقد تبدو المفارقة اللفظية والإيحائية ظاهرة، بين أن تكون يهوديا ونازيا في الوقت نفسه، لكن سلوك «إسرائيل» التي نعرف جرائمها، قرب المسافة حتى كاد يلغيها، وهو السلوك نفسه الذي يميز القادة اليهود في النخبة الأوكرانية الحالية، فمفاتيح التحكم بالمال وفرق النهب كلها في أيديهم، فوق إدارة جماعات المقاومة الموصوفة بالنازية من أتباع «ستيبان بانديرا» وبلورة «قومية أوكرانية» من شتات عمل قريب الشبه من افتعال قومية إسرائيلية، والصلات مع دوائر القرار الغربي، قريبة في طبائعها من وضع الأفضلية الإسرائيلية في العواصم الغربية عامة، والعداوة للروس عند الدوائر الأوكرانية المعنية، تشبه العداوة المتأصلة للعرب في عقيدة كيان الاغتصاب الإسرائيلي، مع ما هو ظاهر من اختلاف هائل في التفاصيل التاريخية، لكن وضع الروس اليوم لا يقاس بوضع العرب المنكوب طبعا، وقدرة روسيا على إلحاق الهزيمة بالقوميين الأوكران ليست محل شك، واستخدام روسيا لتفوقها الجوي والصاروخي انتقائي ومدروس، على الرغم من تركيزها البري بنفس هادئ على انتزاع الشرق والجنوب، لكن مع مواصلة الغارات على الشمال والغرب بصواريخ «كاليبر» و»إسكندر» و»كينجال» الأسرع من الصوت بعشر مرات، وبقصد استنزاف وتدمير البنية التحتية العسكرية وشحنات السلاح المتدفق من الغرب، في مباراة طالت لاستنزاف الخصم الأوكراني والغربي عموما، مع الإنهاك الاقتصادي لدول الغرب الأوروبي بالذات، التي تواصل مضطرة مع واشنطن فرض أقسى حزم عقوبات اقتصادية ومالية في التاريخ على موسكو، ومن دون أن يختنق الاقتصاد الروسي، الذي تظهر عليه وعلى عملته «الروبل» للمفارقة علامات العافية المدهشة، بينما تقلق الحكومات الغربية من حساب انتخابي ينتظر، ومن غضب الناس المتزايد بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وتضاعف معدلات التضخم، وفيما تتزايد شعبية بوتين في روسيا باطراد، تتراجع شعبية بايدن في أمريكا بالاطراد نفسه، وتبدو هزيمة حزبه شبه مؤكدة في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني، بينما تفوز الجماعات المؤيدة لروسيا في دول «الناتو» نفسها، وعلى نحو ما جرى مؤخرا في انتخابات المجر البرلمانية الأخيرة، فالسحر يكاد ينقلب على الساحر الغربي، وفوز بوتين عالميا لا عزله، قد يكون راجحا في الحساب الأخير.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)