عبد المنعم سعيد يكتب: زواج الأقارب

profile
  • clock 2 أبريل 2023, 2:16:46 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قبل أسبوع عقد مجلس الشيوخ جلسة بالغة الأهمية لمناقشة قضية مصرية بالغة الأهمية تتعلق بالإعاقة والمعاقين أو أصحاب الاحتياجات الخاصة أو ذوى الهمم أو القادرين باختلاف، أيا كانت التسمية التى تشير إلى ذلك. الاهتمام بالموضوع هو إحدى العلامات المضيئة للنظام السياسى المصرى، حيث أصبح التعامل معه مهمة تبدأ برئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسى ولا أعتقد أنها سوف تنتهى مع مناقشات المجلس الموقر، لأنه بالفعل يقع فى نطاق أولويات واهتمامات وزارتى الصحة والشؤون الاجتماعية ويلحق بهما المالية وعلى الأرجح مجلس الوزراء أيضا. ما جعل الموضوع يظهر على جدول الأعمال القومى على هذا النحو هو أن نسبة غير قليلة من المصريين تنتمى إلى هذه الشريحة الخاصة، وقدرت فى بداية النقاش بما يساوى ١٥٪ من السكان أو قرابة ١٥ مليون مصرى؛ ولكن مع بيان وزارة الصحة فإن هذه النسبة تمثل النسبة العالمية فى هذا الشأن، أما النسبة المصرية فمقدرة من الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء بأنها ١٠.٧٪ وهى نسبة أيضا غير قليلة، ولكنها أكثر رحمة من النسبة السابقة. وفى العموم فإن الشريحة الاجتماعية كلها مقسمة إلى أربع مجموعات من الإعاقات: الذهنية والحركية والسمعية والبصرية؛ ومن المؤكد أنها بعد ذلك تنقسم إلى مجموعات فرعية، ومعها توجد منظومة من التعامل تبدأ من وزارة الصحة التى تشخص الحالة، وتنتقل بعد ذلك إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التى تتولى العناية بها، وتنتهى بالدولة المصرية التى تخصص الموارد اللازمة للإنفاق عليها. بالطبع فإنه ليس كل الحالات تسير فى هذا المسار حيث توجد حالات مصرية تتولى أسرها التعامل معها من زوايا مختلفة؛ ولكن الدولة تتولى الحالات غير القادرة وهى ليست قليلة وربما تمثل الأغلبية.

وكما هى العادة تتوالى عقبات بيروقراطية حول التشخيص والتعامل مع الحالات المختلفة، وهذه كانت موضوعا رئيسيا فى نقاش المجلس، ولكن ما حصل عليه تركيز كبير هو تطبيق القانون الخاص بتعيين ٥٪ من مؤسسات الدولة العامة والخاصة من هذه الفئة حتى يمكن إدماجها فى المجتمع. وبرغم وجود التعاطف الكبير مع سلامة وسرعة تطبيق القانون على القطاعين العام والخاص فإن توفير التمويل يدخل فى صميم تحديد الأولويات الخاصة بالموازنة العامة من ناحية؛ وضرورة التدريب على التكنولوجيات الجديدة التى تتيح العمل والإنتاج والمشاركة دون الانتقال إلى مجال العمل، وبالطبع كل حسب حالته.

ما لفت الانتباه واستدعى من ثم المداخلة أن الجانب العلمى للقضية وأسبابها ظل غائبا، خاصة أنها باتت عالمية تتعرض لها دول العالم المختلفة بوسائل متنوعة، ولكن أكثرها شيوعا أن الدول المتقدمة حرمت زواج الأقارب من أولاد وبنات العم والخال والعمة والخالة. وفى الولايات المتحدة فإن مثل هذه الحالات يعاقب عليها القانون باعتبارها نوعا من العلاقات المحرمة التى تؤدى- لأسباب وراثية- إلى كثرة حالات الإعاقة. والواقع أن هذه الحالات تشيع فى المناطق المصرية التى تتزايد فيها هذه الظاهرة مما يستدعى معالجة تشريعية وتنفيذية؛ وطبقا لما تردد من الزملاء الموقرين فى مجلس الشيوخ والممثلين لمناطق مصرية عديدة، فإن الحالة واردة ومتكاثرة فى العائلات المتمسكة بشدة بزواج الأقارب للحفاظ على الثروة أو زيادة المنعة والنفوذ. ويصبح الأمر أكثر شيوعا عندما تكون الحالة الاجتماعية متعلقة بأقلية دينية ذات عدد محدود فى قرية أو مدينة صغيرة، فلا يوجد أمام الزواج فيها إلا اختيارات محدودة من نفس العائلة أو العائلات. وفى الدراسات الخاصة بتاريخ مصر الفرعونية فإن زوال الدولة التى استمرت ثلاثة آلاف عام كان له أسباب كثيرة، واحد منها أن زواج النخبة من بعضها وأكثرها قربا كالأخت أو الأم تسبب فى هذه الظاهرة.

التحية واجبة لمجلس الشيوخ لاهتمامه بهذه القضية، ولكنها مثل الكثير من القضايا الهامة التى تشغل بال الأمة، فإنها تظل مفتوحة أولا للتقليل من الأعباء الواقعة ليس فقط على الشخص موضع الإعاقة، وإنما على الأسرة المصرية التى تعتنى به. وفى الواقع فإن القيام بهذا الواجب يرتبط بقوة بالتقدم المصرى العام وقدرته على توفير الاحتياجات الأساسية لجميع مواطنيه. وثانيا أن للقضية جوانب أخرى تتعلق بالجوانب التكنولوجية والصناعية المطلوبة لمعاونة هذه الشريحة، والتى على ضوء العدد الكبير منها فى مصر توفر سوقا للتصنيع يوفى الاحتياجات المحلية، والتصدير بعد ذلك فى الإقليم وخارجه. وثالثا فإنه على ضوء الإضافات الكثيرة والجديدة للجامعات المصرية فإن الاهتمام بالبحث العلمى والابتكار التكنولوجى فى هذا المجال يصير فضيلة وواجبا وطنيا وإنسانيا لتخفيف الأعباء الصحية والعملية على جماعة مصرية هامة وأسرها التى تتحمل أعباء كبيرة.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)