- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عبود مصطفى عبود يكتب : الدرجة الناقصة
عبود مصطفى عبود يكتب : الدرجة الناقصة
- 21 يونيو 2021, 1:36:20 ص
- 1116
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المعادي يوم الثلاثاء 22 يونيو 1999 هذا هو الشريط الثالث الذي أسجله في مذكراتي
أنا كريم عبد العزيز ، نفس اسم الممثل المشهور، أنا أيضا أحظى بشهرة واسعة في العائلة والجامعة، فأنا أشهر راسب وصاحب الرقم القياسي في عدد سنوات الدراسة بالكلية.
والدي هو المربي الفاضل الأستاذ عبد العزيز حسين، تخرج في كلية الآداب قسم التاريخ، عام 1962 ، ناصري عروبي، يعشق جمال عبد الناصر، تزوج من زميلته في الكلية، فاتنة الجامعة آنذاك سهام ذهني، أنجبا ثلاثة أولاد عمرو البكري، نادية دلوعة العائلة، وأنا كريم، عمل والدي بالتدريس حتى صار مديرا لمدرسة أحمد لطفي السيد الثانوية بالهرم، ثم سافر في إعارة إلى المملكة العربية السعودية، كان عمري آنذاك خمسة أعوام، نشأت في الخليج، أتكلم بلهجتهم وأعرف عاداتهم وثقافتهم، كأنني واحد منهم، عدنا إلى مصر الحبيبة منتصف الثمانينييات، فوجدنا كل شيء تغير، هكذا كانت تقول أمي، بنايات كثيرة ظهرت وشوهت الأماكن الراقية، خاصة حي المعادي الذي نعيش فيه، الحجاب انتشر بصورة كبيرة، إعلانات شركات توظيف الأموال لا تتوقف في التليفزيون، شركة الريان كانت الأشهر والأكبر، تقدم مسابقة يومية في شهر رمضان، حول آيات القرآن الكريم على القناة الثالثة، جائزتها ألف وخمسمائة جنية، يتسلمها الفائز يوميا عقب الإفطار مباشرة، بسبب هذه المسابقة كل خطوط التليفون تسقط لمدة ساعات، بهرت الإعلانات وأخبار الأرباح والدي، فقرر أن يضع شقا عمره وثمن سنوات الغربة في إحدى هذه الشركات، كان سعيدا جدا كلما ذهب إلى مقر الشركة وحصل على الأرباح، فجأة تغير الأمر، تعثرت هذه الشركات في سداد الأرباح وأخذت تماطل المودعين، استيقظ أبي على خبر هروب صاحب الشركة، ضاع شقا العمر وضاعت معه صحة والدي وغابت بسمة أمي، تغير حال العائلة، أصبحنا نعاني في نهاية كل شهر من ضيق المعيشة، على كل حال مرت السنين، وتخرج عمرو من كلية التجارة وما زال يبحث عن فرصة عمل، أما نادية فقد تزوجت من محمد ابن خالتنا وسافرت معه إلى فرنسا، أما أنا فقد مكثت في الكلية تسعة أعوام، كنت مهددا في آخرها بالطرد من الكلية والبحث عن أخرى بعد أداء الخدمة العسكرية، يعني ضياع خمس أو ست سنوات أخرى من عمري، حتى حدثت المعجزة..
ظهرت نتيجة الفرقة الثالثة، ورسبت في ثلاث مواد الجنائي والمدني والشريعة الإسلامية، درجة واحدة في الشريعة كفيلة بأن تنقلني إلى الفرقة الرابعة والاستمرار عدة أعوام أخرى حتى أحصل على الليسانس، درجة واحدة تحول مصيري من راسب يستحق الرفد، إلى منقول ومعه مادتين، ما العمل، أشارت علي زميلتي بسمة أن أذهب إلى وكيل الكلية، بهدية ذهبية وأستعطفه حتى يمنحني هذه الدرجة، بالفعل ذهبت إليه وشرحت حالي، هز رأسه قائلا: خذ هديتك يا ابني، وارجع إلي بعد أسبوع أكون بحثت أمرك، مضى الأسبوع وأنا لا أنام، شارد الذهن تسألني أمي عن حالي أجيب باقتضاب الحمد لله، أخرج كل يوم إلى الكلية أقابل زميلتي بسمة، هي الوحيدة التي تقف بجواري في أزماتي، أخيرا ذهبنا معا إلى السيد الوكيل، نهرنا وطردنا، عدت إلى البيت كسير القلب والخاطر، استقبلتني أمي بعاصفة من التوبيخ، وصفتني بالكاذب المخادع الذي يغش أهله، عرفت أن أبي ذهب إلى الكلية وبلغه أمر رسوبي، هو الآن في الفراش يعاني من ألم الحسرة، مرت عدة أيام حتى قابلت بسمة التي اقترحت ان نذهب إلى زميلنا محمود عز الدين الصحفي بالأخبار وابن دفعتنا، صاحب الصداقة القوية بالسيد العميد، فقد أجرى معه عدة حوارات صحفية من قبل ، لعله يساعدنا ويقنع العميد أن يمنحني الدرجة المرجوة، استقبلنا محمود بود وترحاب حقيقي، لكنه اعتذر فهو لا يقدر أن يفاتح العميد في هذا الأمر، شكرناه وخرجنا، في البيت أخبرني والدي انه سيذهب معي إلى الكلية ومقابلة العميد أو الوكيل، سيخاطبه كأب ويثق أنه سوف يستجيب، في اليوم التالي ما أن فاتح أبي وكيل الكلية في الأمر، إلا والرجل ينفجر فينا غاضبا ويصرخ بأعلى صوته، ويطردنا من المكتب، ثم يخرج خلفنا مهددا متوعدا، التف حولنا الكثير من العاملين في الكلية وبعض الأساتذة لتهدئة الوكيل، خرجت مع أبي وأنا في غاية الحزن من أجله، هذا الرجل الطيب، خذلته الدنيا وكل من أحبهم، خذله ناصر الذي صدقه وآمن به وأحبه، وخذله أولاده، وخذلته شركات توظيف الأموال، في الليل صليت ركعتين، وبكيت بكاء حارا، لأول مرة أتحدث إلى الله قلت: يارب لك وحدك ألجأ بعد أن أعيتني السبل، بك وحدك أستعين، يارب انقذني مما أنا فيه من أجل أبي وأمي، في الصباح ذهبت إلى الكلية لاستلام ملفي وقرار الفصل من الكلية، ذهبت مباشرة إلى مكتب شئون الطلبة، أثناء إتمام الإجراءات، دخل إلى المكتب الدكتور شرقاوي، خمسيني العمر طويل القامة، شعره خفيف أميل إلى الصلع، محبوب جدا من الطلبة والعاملين بالكلية، ما أن رآني حتى سألني: ألست أنت الولد الذي عمل مشكلة مع السيد الوكيل أمس وكان معك وأبيك.
قلت: نعم
قال في حنو واضح: قص علي مشكلتك يا ولدي، لعل يكون لها حل.
قصصت عليه الأمر كله بصدق تام، لأول مرة في حياتي لا أكذب ولا أتجمل ولا أخفي شيئا.
قال لي: يا ابني أنا مسئول كنترول الفرقة الثالثة، سأعيد النظر في ورقة إجابتك في مادة الشريعة، انتظرني هنا، ولا تأخذ ملفك حتى أعود إليك.
غاب الدكتور نصف ساعة أو أقل وعاد ووجهه مضيء كالبدر، قال لي يا بني أنت لا تحتاج إلى تقديم رشوة أو وساطة لأخذ درجة الرأفة هي من حقك وأنت ناجح، فقد أخطأ موظف الكنترول في تجميع الدرجات، عند مراجعة ورقتك وجدناك تستحق الدرجة الناقصة، وقد صححت لك الأمر وأعدت اعتماد نتيجتك من السيد عميد الكلية، ومن هذه اللحظة أنت منقول إلى الفرقة الرابعة.
لك عندي نصيحة أخيرة يا ولدي، اجتهد ان تنجح في الفرقة الرابعة من أول دور، وقبل يد أبيك وأمك.