- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عدلي أحمد يكتب.. عن الديكتاتورية والديكتاتور
عدلي أحمد يكتب.. عن الديكتاتورية والديكتاتور
- 10 أبريل 2021, 3:19:00 م
- 884
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عن طبيعة الديكتاتورية في العموم
الديكتاتور، بحكم التعريف، هو الشخص الذي يرفع نفسه فوق جميع المواطنين الآخرين، وكثيرًا ما يدَّعي أنه أقرب لله من البشر. أصبح أباطرة وملوك ونبلاء العصر الإقطاعي ديكتاتوريين بسهولة، لأنه كان بوسعهم تبرير أفعال استبدادية باعتبار أن هناك أصلًا مقدسًا للقوة والسلطة المَلَكية.
في نسخ أكثر حداثة من الديكتاتورية، لا بد أن يبتكر الحاكم المطلق عبادة متقنة لشخصيته، حتى يثبت أنه أذكى وأقوى وأفضل عمومًا من أي إنسان آخر. توهم عيدي أمين أنه عملاق، ليس فقط جسديًا بل أيضًا فكريًا، كما تباهى بصلته المباشرة مع الله. إيريك جيري (Eric Gairy)، ديكتاتورنا الكاريبي السابق، انغمس في ممارسات الـ«أوبيا» السحرية (obeah)[1]، وأقنع نفسه أنه أفضل من كافة رواد العلم في العالم، وأنه سوف يحل مشكلة الأجسام الطائرة مجهولة الهوية شخصيًا. تلك هي المادة التي يُصنَع منها الديكتاتور.
بحكم تعريفه، الديكتاتور لا يُسأل، لا من منظومة ولا من مؤسسة اجتماعية. بل على العكس، يعطي انطباعًا بأنه يقبض على كل الأشخاص والمنظومات في باطن يده. الديكتاتور له الأهمية القصوى. يمنح الأراضي ويغدق المِنَح إلخ، ليس لأنها ملكٌ للشعب، ولكن باعتباره يقدم خدمة كبيرة لسائر البشر. لهذا السبب تختفي الحقوق الإنسانية والمدنية تحت الحكم الديكتاتوري. في أحسن الأحوال، يُنتظر من الفرد أن يظل ممتنًا للديكتاتور إلى الأبد. وعلى أي حال، بوسع الديكتاتور أن يستلب ما يعطيه.
الديكتاتور يُمثل طبقة ما، فيما عدا أغلبية العمال والفلاحين المُستَغَلين. تسمى أحيانًا السيادة الطبقية نفسها بـ«الديكتاتورية»، ولكن عادة ما يتوقع جميع أعضاء الطبقة المتحكمة في الاقتصاد أن تنقسم السلطة السياسية بينهم بشكل بديهي. الديكتاتور يمنع ذلك من الحدوث. لا مجال لحرية التعبير حتى داخل طبقته نفسها. الديكتاتور لا يتتبع أي قواعد إلا تلك التي يصنعها بنفسه، وبالتالي هناك نزعة للتخلي عن القواعد من الأساس. يُستبدل السلوك العشوائي والأوامر العليا بسيادة القانون.
يحيط الديكتاتور نفسه بالأقزام والخدم، أي برجال ونساء ذوي مهارة واستقامة محدودة، يحافظون على مناصبهم عبر المكر والانتهازية ولحس أحذية الديكتاتور. وفيما يخص الشعب، تتحول أضحوكات الديكتاتور إلى طغاة، يحاكون التصرفات المتعصبة الاستبدادية للرئيس الكبير إلى أقصى حد.
في الحياة السياسية، يتخذ الرجال والنساء القرارات في صالحهم الشخصي. السياسة لها علاقة باتخاذ القرارات وتنفيذها. إذن تشكل الساحة السياسية إحدى الجوانب الأسمى في ثقافة أي شعب. الديكتاتورية تختزل السياسة، جاعلةً منها فن التلاعب عبر حكم الرجل الواحد فقط. لا يوجد أي شيء، صغيرًا كان أم كبيرًا، خارج تدخله الشخصي. بل وينسى الحد الفاصل بين السياسة العامة والمصلحة الخاصة. لذلك يخلط الديكتاتور وفيالقه بين المالية القومية وحساباتهم الشخصية في البنك. لهذا السبب يتخذ النظام الديكتاتوري الكثير من القرارات بناءً على النكاية التافهة والثأر – مما يعادل ما نسميه في غيانا بـ«سياسة الضغينة».
على السطح، تبدو الديكتاتورية وكأنها تتمتع بالكفاءة، ولكن عادةً ما يحدث العكس. قسوة الديكتاتور لا تجعله كفؤًا بالضرورة. النظام الديكتاتوري يحطم المبادرة. لا يسمح بازدهار عبقرية الشعب ويحبط حتى تلك الطبقة التي نشأ فيها الديكتاتور. يتظاهر الديكتاتور دائمًا بأنه رجل قوي، أما في الواقع، فالمجهود المطلوب للتحكم في كل شخص وكل شيء أكبر مما ينبغي. يؤكد السجل التاريخي أن الكثير من الطغاة كانوا مجانين إلى حد أكبر مما نتوقعه قبل استيلائهم على الحكم، وجَنَّ الكثير منهم بكل تأكيد بعد بضعة سنوات من الحكم الاستبدادي.
هذا النص منقول عن المناضل الغيني والتر رودني