- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عريب الرنتاوي يكتب: عام على إدارة بايدن…كيف تبدو الصورة من المنطقة؟
عريب الرنتاوي يكتب: عام على إدارة بايدن…كيف تبدو الصورة من المنطقة؟
- 20 ديسمبر 2021, 11:20:47 ص
- 508
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تقترب إدارة بايدن من إتمام عامها الأول في البيت الأبيض، ما الذي تغيير؟ وما الذي بقي على حاله؟…كيف جاء أداؤها، وكيف تبدو صورتها في عيون قادة المنطقة وفاعليها؟، وسنكتفي في هذه المقالة، بوقفات سريعة عند أربعة من أكثر ملفات الإقليم سخونة: إيران، اليمن، فلسطين ومسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
نبدأ بإيران، التي ستشهد بدورها انتقال السلطة من جناح معتدل/إصلاحي في النظام، إلى آخر أصولي/ثوري بعد نصف عام على تولي بايدن السلطة…القناعة التي هيمنت على القيادة الإيرانية الجديدة، وحكمت سلوكها في مفاوضات فيينا النووية، أنها أمام إدارة ضعيفة ومترددة، تفصل بين أقوالها وأفعالها مسافة كبيرة، ليست بوارد إشعال حرب عليها ولا هي قادرة على صنع سلام معها…شجعها ذلك على إدخال تعديلات على “المسوّدات” التي تم إنجازها في جولات تفاوضية ست، سبقت مجيء حكومة إبراهيم رئيسي…الجولة السابعة تراوح بين مدّ وجزر، فيما طهران لم توقف أنشطتها النووي والصاروخية، ولم تظهر أي تغيير ذي مغزى على أدائها الإقليمي، فيما فرص نجاح المفاوضات تعادل فرص فشلها، وفي مطلق الأحوال، فالملف برمته ترحّل للعام 2022.
بخلاف ترامب، نجح بايدن في توحيد “الجبهة الغربية” خلفه في مفاوضات فيينا، أوروبا باتت أقرب إلى الولايات المتحدة قبالة إيران، لكنه وبخلاف ترامب أيضاً، نجح في إبعاد “الجبهة الخليجية” عن واشنطن في مواقفها من طهران…دول الخليج، في غالبيتها، تجنح وبأقدار متفاوتة، للتفاوض سراً وعلناً مع إيران، وهي ترفض بأقدارٍ متفاوتة، “الخيار العسكري” في التعامل مع طهران، أولاً لانعدام اليقين لديها بوجود خيار كهذا لدى إدارة بايدن، وثانياً، لخشيتها من أن يكون خياراً محدوداً، يتركها مستقبلاً وحيدة في مواجهة مع الجارة “المتسلطة” على الضفة الأخرى للخليج، وثالثاً، لتحسبها من تطاير شظايا المعارك، إلى داخلها “الهش”، فيكون ثمن الحرب أكثر فداحة عليها من عواقب البرنامج النووي ذاته.
عامٌ آخر انقضى على أبشع مأساة إنسانية من صنع الإنسان، تفاقمت خلاله معاناة أهل اليمن من شيوخ ونساء وأطفال…لا الإدارة قادرة على حسم الحرب أو صنع السلام، لا هي قادرة على كبح حلفائها ولا هي راغبة في إتمام صفقة مع خصومهم
إسرائيل، الطرف الأكثر اعتناء بالملف الإيراني بكل فصوله، تعيد مع بايدن سيرة علاقاتها مع أوباما، رغم انتقال السلطة فيها من يمين برئاسة نتنياهو إلى يمين برئاسة بينت…لم ينجح بايدن بكل دبلوماسيته ورهاناته على غانتس – لبيد في إقناعها بالانضباط خلف استراتيجيته وتكتيكاته، كما لم ينجح في إقناع قادتها، على تنوع أحزابهم، من إبقاء الخلافات خلف أبواب مغلقة…العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية تشكو اهتزازاً حول هذا العنوان، كما حول عناوين أخرى غيره.
وليس بعيداً عن الملف الإيراني بتشعباته، اعتمدت إدارة بايدن تكتيك “رجل الإطفاء” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أطلقت الكثير من الوعود والتعهدات بـ”عكس” سياسات ترامب و”صفقة القرن”، نفذت أقلها أهمية، وأبقت الأكثر أهمية منها، معلقاً في الهواء ورهناً بالتطورات…لم تفتح القنصلية في القدس الشرقية كما وعدت، ولم تأذن بفتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن (فالمسألة معقدة وشائكة) على حد قولها، ظلت رؤيتها حول “حل الدولتين” مشروعاً هائماً – ضبابياً، لا أقدام له ليسير عليها…احتاجت عاماً كاملاً لتشرع في حوار “اقتصادي” مع السلطة، لم يبادر رئيسها للاتصال بمحمود عباس كما فعل مع غيره من قادة المنطقة، كل الحركة الأمريكية على هذا المسار تدور حول إجراءات بناء الثقة واستكمال مسارات إبراهام، والتهدئة في غزة، فيما حكومة بينت – لبيد، تواصل استيطانها الزاحف في الضفة والقدس، وتصعّد انتهاكاتها لحرمة المسجد الأقصى، ولا تبدي أي ليونة جدية حتى على مسارات بناء الثقة والتهدئة، والأرجح أن ولاية الإدارة ستنقضي، من دون فتح الملفات الصراعية الكبرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هكذا هو لسان حال أطراف الصراع.
وليس بعيداً عن إيران كذلك، حظيت القضية اليمنية باهتمام مبكر من لدن إدارة بايدن، وجرى تعيين موفد أمريكي لوقف “المذبحة الممتدة” منذ سبع سنوات عجاف…لكن لا تقدم يذكر على الإطلاق، لا شيء أكثر من جولات مكوكية متباعدة يقوم بها تيموثي ليندركينج…الحوثيون استقبلوا إدارة بايدن بفتح معركة مأرب، بعد شهرين فقط على تشكيل الإدارة، وتحولت المدينة الاستراتيجية، إلى عنوان يختصر الحرب في اليمن وعليه…والتحالف السعودي الإماراتي نفذّ من الضربات الجوية والصاروخية ما لم يفعله زمن ترامب…لا “دالة” لواشنطن على حلفائها، ولا قدرة لها للتأثير على الحوثي…هي مثل أهل المنطقة، تعد الأيام والأسابيع والشهور لمعرفة مصير مأرب، مكتفية ببيان يصدر هناك، وآخر رباعياً مع الرياض ولندن وأبو ظبي يصدر هناك، حتى باتت القناعة تتكرس لدى الأطراف ذات الصلة، بأن مصير مأرب سيُحسم في فيينا وليس على جبهاتها الجنوبية والغربية.
عامٌ آخر انقضى على أبشع مأساة إنسانية من صنع الإنسان، تفاقمت خلاله معاناة أهل اليمن من شيوخ ونساء وأطفال…لا الإدارة قادرة على حسم الحرب أو صنع السلام، لا هي قادرة على كبح حلفائها ولا هي راغبة في إتمام صفقة مع خصومهم…هي من جهة لا تريد أن تهدي إيران فوزاً مجانياً في اليمن، وهي من جهة ثانية، لا تريد أن تضغط على حلفائها في هذا الملف بأكثر مما ينبغي، فهم بالكاد ابتلعوا فكرة عودتها لاتفاق فيينا، و”ضربتين في الرأس بتوجع” كما يقول المثل الدارج في المنطقة، وما ينطبق على السعودية في اليمن، ينطبق على إسرائيل في فلسطين بهذا القدر أو ذاك.
أما ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، فلا يبدو أن أحداً في الإقليم قد أخذه على محمل الجد…لا نشطاء الديمقراطية ودعاة حقوق الإنسان، ولا الجنرالات والمستبدين وفرسان الدول العميقة في منطقتنا…الديمقراطية سجلت انتكاستين خطيرة في عهد بايدن، واحدة في تونس (إجراءات 25 جوليه) والثانية في السودان (انقلاب 25 أكتوبر)، والمؤسف أنه بعد فيض البيانات المنددة والمحذرة والمستنكرة التي صدرت عن واشنطن وعواصم الغرب، يعود البيت الأبيض ليرى في استدراكات سعيّد الأخيرة (13 ديسمبر) وفي اتفاق البرهان – حمدوك (21 نوفمبر) خطوات إيجابية للأمام، يمكن البناء عليها لاستنقاذ المسار الانتقالي في البلدين، مع أن القوى الديمقراطية في البلدين تعتقد بخلاف ذلك، وما انفكت تملأ الشوارع والميادين مذ أصيب هذا المسار، بانتكاسات مؤلمة.
القادة الاستبداديون في المنطقة، ومعظمهم محسوب على “حلف واشنطن” يمارسون يومياتهم المعتادة، وأحياناً بالتخلي عن بعض الحذر الذي رافق دخول هذه الإدارة للبيت الأبيض، مراهنين على حاجة واشنطن لـ”الاستقرار” و”التعاون الاستخباري” و”التطبيع مع إسرائيل” و”وقف التمدد الصيني والروسي”…تعددت ذرائع المستبدين و”أغطيتهم”، ولكن النتيجة واحدة.
لا شيء جوهرياً تغيير في العام الأول لإدارة بايدن، والمسافة بين الأقوال والأفعال ما زالت على اتساعها، والمقارنات بين عهدي بايدن وترامب، تجد ما يبررها في الإقليم، وصورة الإدارة الضعيفة والمترددة، التي لا تقوى فعل الحرب أو صنع السلام، ولا تنجح في إي من الملفات الدامية المفتوحة، تتكرس في أذهان صناع القرار…ولو تناولنا أزمات أخرى، مثل لبنان والعراق وسوريا وليبيا، لصارت الصورة أكثر اكتمالاً، لكن المقام لا يتسع للمزيد.