- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عزيز فيرم يكتب: عالمُنا العربي والإسلامي.. والتبعية التي لا تنتهي
عزيز فيرم يكتب: عالمُنا العربي والإسلامي.. والتبعية التي لا تنتهي
- 19 سبتمبر 2023, 5:21:19 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كل من سار وراء الرَّكب ظلَّ تابعاً غير متبوع في كل قراراته ومساراته مهما كان حجمها، ربما هذا الوضع ينصرف بكل حيثياته إلى عالمنا العربي والإسلامي الذي ظلّ مجروراً وراء سياقات غير السياقات التي كانت تأملها شعوبه الحالمة بوضع حياتي أفضل، منذ حقبة الحركة الاستعماريّة الحديثة التي طالته أو حتى قبلها، لكن الوضع بات يراوح مكانه أو ربما زاد سوءاً في كثير من الفترات وكثير من الدول.
لكن ثمّة سؤال جوهري بات مطروحاً منذ زمن، هل أقدار وطننا ذاك وضعته ضمن خانة التخلف والوهن على جميع الأصعدة، وعبر مختلف الأمصار والأعصار؟ الإجابة قطعاً ستكون بالنّفي، لأن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم، ولأن نواميس الكون تقول كذلك بأنّ العديد من الدول والكيانات والمجتمعات إنما ارتقت إلى أعلى درجات الحداثة والنّهوض عندما أرادت ذلك، لأن القدر يستجيب عندما يريد الفرد والجماعة أن يريد الحياة التي يبتغي ويتمنى، فها هي دولة اليابان التي انهزمت في الحرب العالمية الثانية، وتكبَّدت خسائر رهيبة في جميع المجالات، خاصةً الاقتصادية منها، وكمثال حي فقد سوّيتا بالأرض كلٌّ من هيروشيما وناغازاكي في ظرف ساعات، معدودات والشواهد كثيرة، اليوم ها هي اليابان تشهد من مدة نهضة قويّة، بوّأتها لأن تكون من ضمن أقوى الاقتصادات العالمية رغم تكبيلها منذ العام 1947 بدستور الاحتلال الأمريكي الذي قيّدها، خاصةً في المجال الأمني والعسكري، وربما ينسحب الأمر كذلك على ألمانيا، التي أُثخنت بالهزيمة النّكراء خلال الحرب العالمية الأخيرة، لكنها اليوم مصنّفة كأكبر وأضخم اقتصاد أوروبي، فالتخلّف والتأخر ليس مرادفاً للدول التي تريد التقدّم والنماء، فحتى الدول التي كانت تصنّف ضمن ما كان يصطلح عليه "دول العالم الثالث"، فدولة مثل الهند وجنوب إفريقيا والصين وغيرها تحولت اليوم إلى دول تكنولوجية وصناعية باهرة، بل إنها أنشأت تكتلاً سياسياً اقتصادياً لمجابهة الهيمنة والسّطوة الغربيّة، واستقطاب دول أخرى بغية إيلاجها إلى محورها المتنامي.
اليوم تشهد دول إفريقية عديدة تحولات سياسيّة واضحة، تم توصيفها من قبل البعض بالانقلابات، ومن لدن البعض الآخر بتصحيح سياق أو توجيه مسار، والأخير يستند إلى حجيّة طرد كل ما يمت للاستعمار التقليدي بصلة، ودحضه صاغراً بعد أن استنزف مقدرات وثروات تلك الشعوب المغلوبة على أمرها.
لكن الثابت الوحيد اليوم هو ما يحدث في عالمنا الإسلامي والعربي، حيث المشهد يراوح مكانه من دون تغيير يذكر، فالعديد من دول ذلك العالم لم تشهد تغييراً في أبنيتها المختلفة منذ خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وهي أزمنة دالة على خروج الاستعمار الغربي بشكل صوري، وبقائه فعلياً عن طريق أذنابه، وبواسطة سلسلة من المعاهدات والاتفاقات الجائرة التي أمضاها وحتى صاغها بعض سدنة تلك القوى إبّان الحقبة الاستدماريّة، وبقيت آثارها السرياليّة لليوم.
اليوم أبانت تلك القوى الاستعماريّة عن تهلهل ووهن إزاء مختلف الأحداث العالمية من نزاعات وأوبئة وغيرها، والتي مسّت العالم خلال السنوات القليلة الآفلة، تلك الأزمات علمت النّاس على الصعيد الفردي والجمعوي أنّ البروباغندا التي صنعتها القوى الاستعماريّة لنفسها كانت أكبر بكثير من الحقيقة ومن الواقع، فأمريكا التي أنتجت صناعة سينمائيّة رهيبة سوّقت بها وبشكل خبيث لنفسها، على أنها حامية العالم، وأنها القوة التي لا تُقهر، وبأن أمريكي الجنسيّة شخصٌ فوق العادة، وهو مصدر للغبطة والسعادة، وتوجهت تلقاء صناعة النمط الأمريكي ليكون هو القاعدة والأساس والقالب الذي تبنى عليه، بل وتذوب فيه بقيّة الأنماط الأخرى، وخلالها صنعت تلك الدولة تكتلات عديدة لزيادة قوتها وبسط نفوذها وغير ذلك كثير.
اليوم الولايات المتحدة وحليفاتها لم تصبح ذاك البعبع الذي يخيف الكل ويتربع على كل العالم، في ظل بروز قوى جديدة، وبداية تشكّل عالم متعدد الأقطاب على الأقل من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية.
في ظل معطيات كهذه كان لزاماً على عالمنا الإسلامي والعربي أن يتأقلم مع سلسلة الأحداث والتغيرات التي ألقت بظلالها على العلاقات الدوليّة والتموقع الحسن، ضمن التكتلات المهمة، وتبني التضامن البيني والمشترك، وفك قيود المعاهدات والاتفاقات الجائرة، والتي تصب في جهة واحدة، وتأميم كافة ثرواتها. وهي عمليات ليست من السهولة بمكان في الوقت الراهن، لأنها تحتاج إلى وقت وإلى إرادة وعمل جماعي، وإلى أدوات أخرى داخليّة وخارجيّة، لكن الممكن بالنهاية غير مستحيل، ولنا في الغير شواهد ومشاهد.