- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عصام نعمان يكتب: في لبنان: هل استفتاء الشعب هو المخرج؟
عصام نعمان يكتب: في لبنان: هل استفتاء الشعب هو المخرج؟
- 11 سبتمبر 2023, 3:14:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تتعثّر الديمقراطية عندما لا تُسفر الانتخابات عن فوز حزبٍ أو تكتل سياسي بأكثريةٍ مريحة في البرلمان، ما يؤدي ليس إلى تعثّر التشريع فحسب، بل إلى تعذّر انتخاب رئيس الدولة، وإلى صعوبات في تأليف الحكومة أيضاً، ناهيك عن تعذّر تعديل الدستور، ذلك كله يؤدي إلى حالٍ من الانسداد السياسي يتسبّب غالباً في شلّ مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.
لبنان يعاني هذه الأزمة منذ سنوات، وقد بلغت ذروتها في العجز عن انتخاب رئيسٍ للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في آخر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الأمر الذي أدى تالياً إلى تعذّر تأليف حكومةٍ جديدة تخلف حكومة نجيب ميقاتي التي أصبحت، بحكم الدستور، مستقيلةً بعد انتخاب مجلس نيابي جديد في منتصف أيار/مايو من العام الماضي، ليس لبنان وحده من يعاني تعثّر الديمقراطية البرلمانية، دول عدّة في العالم تعاني هذه المشكلة، كان آخرها وليست أخيرتها فرنسا، التي تشكو من غياب غالبية مطلقة لأي حزبٍ في برلمانها، ما حمل الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد محادثات مطوّلة مع القادة السياسيين من كل الأطراف، على إعلان اعتزامه التقدّم باقتراحٍ في شأن تبسيط آلية اللجوء إلى الاستفتاء لتطبيقه لاحقاً على مشكلة الهجرة التي تثير كثيراً من الحساسيات والانقسامات في البلاد. لماذا تتعثّر الديمقراطية البرلمانية وتتسبّب في أحيانٍ كثيرة بانسداد سياسي؟ ثمة أسباب عدّة، لعل أبرزها ثلاثة:
غالبية معارضي نظام المحاصصة الطوائفي ومنظومته الحاكمة يعتقدون أن أمريكا هي من يقف وراء الانقسامات والاضطرابات السياسية الحادّة في لبنان
تعدّد الأحزاب والتكتلات السياسية، وعدم امتلاك أحدها قاعدة شعبية عريضة تمكّنه من الحصول على غالبية مطلقة في البرلمان.
بروز قضايا خلافية ناجمة عن أحداث استثنائية متفجرة، كهجرة أقوام وجماعات من خارج البلاد ذات ثقافات مغايرة للثقافة السائدة ما يؤدي إلى اندلاع انقسامات عميقة ذات طابع عرقي وديني.
شيوع واسع لأجهزة التواصل الاجتماعي ووسائل التخابر والإعلام والتحريض والتعبئة بمختلف تقنيات التواصل الإلكتروني.
تفاقمُ الانسداد السياسي، وتصاعدُ الانقسامات ذات الطابع العرقي والديني، واستعصاء التوصّل إلى حلول وتسويات داخل المؤسسات الدستورية، يؤدي غالباً إلى شلّ مختلف مرافق الدولة، وقد يؤدي، كما الحال في لبنان، إلى انهيارٍ اقتصادي واجتماعي وفوضى شاملة، فكيف يمكن الخروج من المحنة؟ لنفترض أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان يحمل من رئيسه إيمانويل ماكرون توصيةً باعتماد استفتاء الشعب طريقاً بديلاً من مجلس النواب ومجلس الوزراء، لاتخاذ القرار، أو تحديد وجهة التصرّف المطلوبة، فهل يمكن اعتماد هذا المخرج في لبنان؟ صحيح أن الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة، كما تنصّ على ذلك معظم دساتير الدول الديمقراطية، لكن لا يمكن اعتماد الاستفتاء كمخرج من عجز البرلمان عن التشريع، أو انتخاب رئيس الدولة، إلاّ إذا كان الدستور ينصّ على ذلك، والحال في لبنان أن لا نصّ في الدستور يسمح للسلطة التنفيذية، أيّ الحكومة، باعتماد الاستفتاء طريقةً للتشريع، أو لاتخاذ تدبيرٍ استثنائي، الـمر الذي يتطلّب، والحال هذه، تعديلاً مسبقاً للدستور. هنا يبلغ الاستعصاء ذروته، ذلك أن الانسداد والانقسام السياسيين الطاغيين، وعدم توفّر غالبية مطلقة تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية، وتأليف حكومة جديدة، بل حتى بإقرار تشريعات ضرورية لمواجهة الضائقة المعيشية، فكيف يمكن تأمين الأكثرية اللازمة لتعديل الدستور، وهي أكثرية ثلثي مجموع الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب قانوناً (المادة 77 من الدستور)؟ هكذا يتبيّن أن الخروج من حال الانسداد السياسي وتعثر الديمقراطية البرلمانية، متعذران، أن لم يكونا مستحيلين، في حمأة الأزمة التي تعصف بالبلاد والعباد وما من نورٍ يتبدّى في عتمة نفقها الطويل، فما العمل؟
من الممكن العودة إلى تكرار الاقتراحات والتوصيات التي ما فتئ أهل السلطة، كما أهل المعارضة، خصوصاً دعاة التغيير والإصلاح، يطرحونها بلا كلل منذ سنوات، كالحوار والتوافق على تسويةٍ متكاملة حول الشخص المناسب لرئاسة الجمهورية، والإصلاحات التي يقتضي أن يتم على أساسها تسمية رئيس جديد للحكومة، والمهل التي يتوجب التزامها لإنجاز المهام المتفق عليها. حسناً، ثمة دعوة للحوار لمدة سبعة أيام أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، على أن تعقبها جلسة ودورات متواصلة في البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، فهل يتجاوب القادة السياسيون ورؤساء التكتلات البرلمانية مع هذه الدعوة؟ لنفترض أنهم تجاوبوا، ومع ذلك تعذّر التوافق على الإصلاحات المطلوبة ولا على انتخاب رئيس للجمهورية، فإلى أين من هنا؟ يجزم بعض أهل القرار في الحكم والمعارضة، أن الدول التي تقول إنها معنية بلبنان كالولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، لن تسمح لأزمة لبنان المستفحلة بأن تتواصل كي لا يؤدي ذلك إلى إلحاق أذى بالغ بمصالحها ونفوذها، وأنها ستضغط تالياً على القيادات السياسية اللبنانية ذات الصلة للتوصّل إلى تسويةٍ بغية الخروج من المأزق المزمن والمؤذي، هذا الاحتمال ممكن، وإن كان بعض أهل القرار، وغالبية معارضي نظام المحاصصة الطوائفي ومنظومته الحاكمة يعتقدون أن أمريكا هي من يقف وراء الانقسامات والاضطرابات السياسية الحادّة في لبنان، لأسباب تتعلق بمصالحها ونفوذها على مستوى الشرق الأوسط برمته، لاسيما ما يخصّ أمن «إسرائيل»، فماذا يمكن أن يحدث إذا ما تبيّن أن رأي معارضي النظام وسياسة أمريكا هو الراجح؟ عندها لا بدّ من أن يحزم الذين تستهدفهم أمريكا، أفراداً وجماعات وأحزاباً وهيئات، أمرهم ويعبئون قدراتهم في تحالفٍ عريض، شعبي وكفاحي، محوره برنامج إصلاح جذري يعتمد مساراً قوامه الاعتماد على النفس، وعلى حلفاء صادقين لتحرير الوطن وإعادة توحيده في دولة مدنية قادرة وعادلة مهما طال الزمن.