- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عصام نعمان يكتب: مفارقة من وحي «يوم القدس العالمي»: التضرّع إلى الله ليرتكب نتنياهو حماقة ضد محور المقاومة!
عصام نعمان يكتب: مفارقة من وحي «يوم القدس العالمي»: التضرّع إلى الله ليرتكب نتنياهو حماقة ضد محور المقاومة!
- 17 أبريل 2023, 3:29:04 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا أذكر أن نفوس قادة المقاومة وجمهورها العريض كانت مترعة يوماً بالثقة والاستبشار كما تجلّيا في «يوم القدس العالمي». أربعةٌ من قادة المقاومة أفصحوا بوضوح ورصانة في فلسطين ولبنان والعراق وإيران، خلال الاحتفالات بذلك اليوم الأغر عن أفكارٍ ومواقف وتطلعات بشأن حاضر الصراع ومستقبله ضد الصهاينة وحلفائهم، أوحت بأن قضية فلسطين دخلت زمناً مغايراً ليس للغرب الأوروبي -الأمريكي فيه دور الصانع الأوحد للأحداث والمصائر، والموجّه الأقوى لمسارات التاريخ.
صحيح أن ساعة الانتصار لم تزفّ بعد، لكن تباشيرها بدأت تلوح في أفق الصراع على نحوٍ يمكن معها ملاحظة الواقعات وتوقّع الاحتمالات الآتية:
ـ كبرى دول الغرب، الولايات المتحدة الأمريكية، بدأ حضورها ونفوذها يتراجعان في منطقة غرب آسيا، من جبال أفغانستان ووديانها شرقاً إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً، الأمر الذي يؤكد هبوطها من مرتبة القطب الدولي الأوحد والأقوى. ذلك أن ثمة دولة إقليمية صاعدة (إيران) أصبح لها دور مؤثر وقدرات لافتة وحضور ميداني على امتداد ساحات منطقة غرب آسيا.
ـ «إسرائيل» بما هي كبرى قواعد أمريكا العسكرية ووكيلتها الإقليمية الأقوى في غرب آسيا، بدأ كيانها يتصدّع ويتفكك تحت وطأة تناقضاتٍ بنيوية داخلية من جهة، ومقاومة شعبية متصاعدة لأصحاب الأرض المسلوبة من جهة أخرى.
ـ تواكبُ الظاهرتين سالفتي الذكر، ظاهرةٌ ثالثة واعدة هي إفاقة أمة العرب من سباتها ومباشرتها، من قلب فلسطين المحتلة وأقطار عربية مجاورة، الإنتظام في حركات مقاومةٍ متعاظمة ضد الكيان الصهيوني وحلفائه الإقليميين، ونجاحها في اجتذاب دعم مالي ولوجيستي وعسكري وازن من دول مناهضة لدول الغرب الأطلسي.
بدأ الكيان المزروع في فلسطين المحتلة غصباً يتصدّع ويتفكك تحت وطأة تناقضات بنيوية داخلية من جهة، ومقاومة شعبية متصاعدة لأصحاب الأرض المسلوبة من جهة أخرى
ـ نجاح بعض حركات المقاومة ـ خصوصاً حزب الله و»حماس» و»الجهاد الإسلامي» ـ في تصنيع صواريخ للمدى القصير وتطوير أخرى دقيقة للمدى البعيد مكّنها من ترفيع فعاليتها القتالية. تجلّى ذلك في تصدي حزب الله لحروبٍ وعمليات شنّها الكيان الصهيوني على لبنان منذ 2006 إذ تمكّنت مقاومته الفذّة من دحر الجيش الإسرائيلي المهاجِم وفرض توازنٍ ردعي وقواعد اشتباك لاجمة على كيانه العدواني.
ـ نجاحُ الصين في تقليص فجوة التفوّق الاقتصادي والتجاري مع الولايات المتحدة في الشرق الأقصى وافريقيا، ونجاح روسيا في الحدّ من تمدد حلف شمال الأطلسي في شرق أوروبا، خصوصاً في أوكرانيا، انعكسا على العلاقات الدولية، لاسيما في الشرق الأوسط، ما أدى إلى حصول مصالحة بين السعودية وإيران، وبالتالي إلى انفراج في العلاقات بين دول الخليج وسوريا، مع احتمال وشيك بإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وإلى تبريد الصراع في اليمن وعليه، والتوجّه جدّياً لإنهاء الحرب الدائرة فيه منذ أكثر من سبع سنوات. ذلك كله يساعد في تبريد الصراعات في غرب آسيا عموماً، وفي المشرق العربي خصوصاً، ويُسهم في توسيع جبهة العرب المتحالفين ضد «إسرائيل» وتعميق التعاون في ما بينهم.
ـ التطوراتُ الوازنة سابقة الذكر قلّصت نفوذ الولايات المتحدة في غرب آسيا، كما أضعفت الداعين لتطبيع العلاقات بين «إسرائيل» والدول العربية في المشرق والمغرب، بالإضافة إلى مضاعفة قلق العدو الصهيوني من تعاظم قدرات حركات المقاومة ونجاحها في التصدي له على مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ـ كلُ ذلك يطرح ثلاثة أسئلة: كيف ستتصرف الولايات المتحدة حيال التطورات المتزايدة المضعِفة لها، والمقلِّصة لهامش حريتها في العمل والتأثير؟ وهل تُقدم «إسرائيل» إزاء تقدّم إيران المتواصل واحتمال تحوّلها دولةً نووية من جهة، ومن جهة أخرى ازدياد نمو قدرات حركات المقاومة ونجاحها في ترفيع أدائها القتالي… هل تُقدم «إسرائيل» بمشاركة أمريكا أو من دونها على توجيه ضربة نووية تكتيكية لإيران؟ وهل تنتهز دول وفصائل محور المقاومة فرصة قيام «إسرائيل» بارتكاب هذه الحماقة ضدها بشن حربٍ عقابية شديدة عليها يكون من شأنها إكراه قسم كبير من سكانها على مغادرتها؟
في الإجابة على الأسئلة الثلاثة المطروحة أرى الآتي:
أولاً: بالنسبة إلى الولايات المتحدة، أرجّح قيامها بتأخير سحب قواتها من سوريا، بل قيامها، على العكس، بتكثيف عديدها وعدتها هناك. كما أتوقع أن تُضاعِف عدد سفنها الحربية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وكذلك عدد طائراتها الحربية بعيدة المدى في قواعدها في تركيا والخليج، تحوّطاً واستعداداً للتدخل.
ثانياً: بالنسبة إلى «إسرائيل»، أرجّح امتناعها عن القيام بضربة قوية لإيران، إلاّ إذا ضمنت مشاركة الولايات المتحدة فيها، لكنني لا أستبعد أن يتوصّل بنيامين نتنياهو، المأزوم شخصياً وسياسياً في الداخل، والمتخوّف من تصاعد قدرات إيران عسكرياً واقتصادياً، إلى قناعة بأن ما يستطيع تحقيقه ضد إيران اليوم قد يستحيل عليه ذلك في المستقبل المنظور، فيحزم أمره ويقوم بارتكاب حماقة عسكرية مدوّية ضدها.
ثالثاً: بالنسبة لدول وفصائل محور المقاومة، أستبعدُ أن تقوم باستفزاز «إسرائيل» بعمليات عسكرية أو أمنية ثقيلة الوطأة عليها، رغم أن وضعها الداخلي يتجه إلى مزيدٍ من التخلخل وقدراتها الرادعة إلى مزيد من التآكل، ما يشكّل إغراء قوياً لضربها وشلّها، لكنني أتوقع رداً ساحقاً من دول وفصائل محور المقاومة إذا ما ارتكب نتنياهو حماقةً موصوفةً بمهاجمتها في العمق.
إلى ذلك، لا أغالي إذا قلت إن شعوراً يخالجني بأن فريقاً من القادة في دول وفصائل محور المقاومة يتضرّع إلى الله أن يستبدّ جنونٌ بنتنياهو فيُقدم على ارتكاب حماقة توجيه ضربةٍ شديدة لإيران ما يتيح لقيادتها ولحركات المقاومة فرصةً للقيام بعملياتٍ نوعية مضادة ترتقي إلى مرتبة معجزاتٍ من شأنها وضع «إسرائيل» جراءها على عتبة التفكك والانهيار…