- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
علي عرسان يكتب: إلى غَزَّة.. وقادة يُفرِّخون قادةً ويُلهمونهم
علي عرسان يكتب: إلى غَزَّة.. وقادة يُفرِّخون قادةً ويُلهمونهم
- 13 مايو 2023, 3:44:35 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ سنوات ودماؤنا تسيل في كل يوم، ونشيّع شهداء إلى المقابر، وترتفع أصواتنا ضد العدوان والعنصرية والهمجية "الإسرائيلية".. والعالم يسمع ولا يتحرك، والأمة العربية على رأسها الطير.. فمنها وسيط، ومنها عاجز، ومنها متواطئ ومنها تابع أو حليف للصهيوني وحلفائه. نحن في خضم عدوان صهيوني فاشي جديد على غزة المحاصرة منذ عام ٢٠٠٦، سبعة عشر عاماً من الحصار القاتل يضع ملايين الفلسطينيين بين المطرقة والسِّندان. عدوان استهدف قادة للجهاد الإسلامي فجر يوم الثلاثاء ٩ أيار/ مايو ٢٠٢٣، وأسفر حتى الآن عن 33 شهيداً بينهم سبعة قادة من الجهاد وأفراد من عائلاتهم، ونحو 100 جريح بينهم عدد من النساء والأطفال، وعن تدمير عشرات المنازل وتخريب مئات أخرى.
وكان ذلك بتدبير وتخطيط وقرار مسبق اتخذه المسؤولون السياسيون والعسكريون والأمنيون الصهاينة، ونفذوه ناكثين بعهدهم للوسيط المصري بعد الهدنة التي أعقبت استشهاد الشيخ خضر عدنان في سجونهم، ورد الجهاد الإسلامي على ذلك برشقات من الصواريخ على بلدات ما يُسمى غلاف غزة.
تدبير وتخطيط وقرار مسبق اتخذه المسؤولون السياسيون والعسكريون والأمنيون الصهاينة، ونفذوه ناكثين بعهدهم للوسيط المصري بعد الهدنة التي أعقبت استشهاد الشيخ خضر عدنان في سجونهم، ورد الجهاد الإسلامي على ذلك برشقات من الصواريخ على بلدات ما يُسمى غلاف غزة
وقد أعلن وزراء ومسؤولون صهاينة، بوقاحة المجرمين، في أكثر من تصريح عودة "إسرائيل" إلى مسلسل الاغتيالات. وهذه السياسة في ثوبها الجديد هي جزء من خطة إيتمار بن كفير وصِنْوه ورديفه سموترتش اللذين يريدان احتلال غزة وتهجير أهلها، والسيطرة التامة على القدس والمسجد الأقصى، وإقامة ما يُسمَّى بهيكل سليمان في مكانه، والاستيلاء على الضفة الغربية والقضاء الفلسطينيين فيها، وعلى كل من يقاوم الاحتلال وينادي بدولة فلسطينية مستقلة على أرض فلسطين.. ويعلنون مع نتنياهو وغالانت وغيرهما من مسؤولي كيان العنصرية والإرهاب "إسرائيل" أن وقت دحرجة رؤوس الفلسطينيين قد حان.
هذا الإجرام الصهيوني كله، والتخطيط لإبادة شعب مضطهد واقع تحت الاحتلال، ومستلَب منه وطنه وكلُّ حق من حقوقه، بإرهاب دولة عنصرية وحكومة متطرفة تلمودية وشوفينية؛ لم يثنِ الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية، عن الوقوف في صف واحد عند هذين الإعلان والعدوان، كما في كل عدوان "إسرائيلي"، وإنشاد الأغنية الشيطانية المعهودة على مسمع من مجرمي الصهاينة في بلدانهم وفي فلسطين المحتلة، وتشجيعاً لحكوماتهم العنصرية والشوفينية: "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها!"، وكأنها المُعْتَدى عليها!
هذا هو دأب أولئك، ودأب دول عظمى أخرى وتابعين آخرين، وهذا ما يفعله مجلس الأمن الدولي المُرتَهَن، أو المنحاز، أو المُعطَّل، أو.. أو.. تعتدي "إسرائيل" فتُشجَّع، تَقتل وتُدمِّر وتحاصِر وتعتقِل وتسْجِن وتقتل في السجون والمعتقلات، وتمارس الإرهاب بكل صنوفه وصوره وألوانه، وتكذب وتفتري.. فتوضَع فوق القانون وفوق الهيئات والمؤسسات الدولية وقراراتها، فلا تُسأل ولا تُحاسب ولا تُعاقب على جرائمها. وأفضل ما دأبت على اتخاذه دول عُظمى مثل الصين وروسيا الاتحادية من مواقف، لا يخرج عن التعبير عن القلق، وعن دعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى التهدئة وضبط النفس.. إلى غير ذلك من الكلام الذي لا يلامس الحقائق، ويضع الضحية والجلاد، المحتَل والواقع تحت الاحتلال، المعتدي والمُعتَدى عليه.. في موقف متكافئ! بل وينحاز إلى العنصرية والاحتلال والإرهاب.. حيث يُعلن الغرب خاصة عن دعم لدولة "إسرائيل" في حروبها العدوانية، ويشجعها على ارتكاب الجرائم الفظيعة، ويوفر لها الدعم والحماية، ويزودها بما يمكنها من الاستمرار بالاحتلال والتوسع والعدوان.. تحت ذريعة ما يسمونه "محاربة الإرهاب".. في حين أن ما تفعله "إسرائيل" هو إرهاب الدولة المُمَنْهَج، وما يفعلونه هم هو الاستثمار في الإرهاب والإجرام العنصري، لتحقيق أهداف سياسية، واستراتيجيات عسكرية، ومصالح من كل صنف ولون، ونتيجة لرصيد قديم من العداء للعروبة والإسلام!
أصبح علينا أن نعرف وندرك، ويُراد لنا أن نقبل بوضع هو الأشد بؤساً وإيلاماً وفتكاً في الأنفس من كل ما سبق من أوضاع، وأن نتعوَّدَ على ذلك ونتجرع الغصص جراء وضع مثل الوضع القائم الآن: "إعطاء معظم الدول العربية ظهرها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وشطب تلك القضية من جدول أعمالها، بعد أن كانت "قضية العرب المركزية ومحور نضالهم"
هذا الحال عرفناه واعتدنا عليه، وأدركنا بعد ثمانية عقود من الزمن، ثم أدركنا وأدركنا.. أنه موقف دولي يضع "إسرائيل" فوق القانون والمساءلة، ويشجعها على العدوان والتوسع، وعلى تنفيذ برنامج إبادة منهجي ضد الشعب الفلسطيني، "إبادة مادية ومعنوية.. إبادة إرادة وهوية ووجود". إنه موقف لا يمثل ازدواجية معايير فقط، ولا نفاقاً سياسياً فاقعاً واجتراراً للنفاق وحسب، بل هو تواطؤ مكشوف مع الجلاد ضد الضحية، واتباع نهج مدمر للمسؤولية الأخلاقية والإنسانية في العلاقات الدولية، وحيال القانونين الدولي والإنساني، وحيال الأمن والسلم العالميين، والقيم الإنسانية.
ومن أسف أنه أصبح علينا أن نعرف وندرك، ويُراد لنا أن نقبل بوضع هو الأشد بؤساً وإيلاماً وفتكاً في الأنفس من كل ما سبق من أوضاع، وأن نتعوَّدَ على ذلك ونتجرع الغصص جراء وضع مثل الوضع القائم الآن: "إعطاء معظم الدول العربية ظهرها للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وشطب تلك القضية من جدول أعمالها، بعد أن كانت "قضية العرب المركزية ومحور نضالهم".
فقد غابت دول عربية كلياً عن الشأن الفلسطيني، ودخل بعضها تحت عباءة المحتل الصهيوني وحلفائه يتعاطفون معه كأنه المعتدى عليه والمتواطأ ضده. وشارك بعضها مشاركة خفيَّة في حربه على المقاومة الفلسطينية بذرائع أقبح منها الذنوب، وعجزت دول عربية أخرى عن أن تحرك ساكناً، لأنها ابتليت أو مبتلاة بفتن وإعاقات شتى، على رأسها إعاقات "وطنية وقومية وعقائدية وإنسانية".. ولأن ما أصاب العلاقات العربية- العربية، وما ألحق ببعض دول الأمة من دمار وتمزيق وارتهان لقوى أجنبية؛ جراء حروب عبثية، وسياسات غبية، وارتهانات ومؤامرات خارجية.. كلها لاقت "رجالها!"، ووجدت استجابات من مواطنين وفئات وأحزاب.. فأصبحت نهباً للضياع، وللفقر والجوع والضعف والحاجة، وأفقدها كل ذلك القدرة والقرار، ولم يبق لها إلا أن تَسْكُت.
ومما يزيد المأساة حدة والألم شدة أن علينا أن نهضم ما يُسلب وما يُجبَى من مال عربي وثروات من دول عربية.. مال تحرث به الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" التربة السياسية العربية ابتداء من فلسطين وليس انتهاء بالسودان الحزين.. حيث تجبر دولاً أو تُغريها بخوض حروب ودفع تكاليف أخرى، تحت ضغطها وضغط حلفائها الأوروبيين، وتجبرها على التطبيع مع "إسرائيل" وعلى التحالف معها بوصف ذلك مفتاح أمنها وسد حاجاتها والرضى عنها وتحقيق تطلعاتها.
ويدخل في ذلك، بصورة غير مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الاستثمار والوعود بالأحلام ونصرة هذا على ذاك، دفع تكاليف حروبها في المنطقة، وتمويلها للاستيطان "الإسرائيلي"، ولحرب "إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني، وضد مصلحة الأمة العربية، حيث تجعل تلك الدول تخوض حرباً، أو تجلب مرتزقة ومليشيات وشركات قتل وتخريب وإرهاب وتدمير للقيام بحرب باردة وساخنة، مكشوفة وخُفية، ضد دولة عربية، وضد حركات مقاومة للاحتلال بكل أشكاله وأماكن وجوده في وطن العرب.
مما يزيد المأساة حدة والألم شدة أن علينا أن نهضم ما يُسلب وما يُجبَى من مال عربي وثروات من دول عربية.. مال تحرث به الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" التربة السياسية العربية ابتداء من فلسطين وليس انتهاء بالسودان الحزين
في ظل هذا الوضع الدولي والإقليمي والعربي، وحتى الفلسطيني الذي يرشح بالانقسام، ويُرى في بعض أوساطه ما لا يُرضي، ويُشتمُّ من بعض أفراده ما لا يقبل ولا يطاق.. في ظل ذلك: ما الذي يمكن للمقاومة أن تفعله، وما الذي يتوجب عليها أن تقوم به أكثر مما تفعله وتقوم به؟! وعلى مَن تراها تسند ظهرها؟ وما الذي تملكه غير الإرادة والشجاعة والصبر، والأسلحة الخفيفة أو المتاحة، وما تستطيع الحصول عليه أو تصنيعه منها في ظروف الحصار الخانق والاحتلال والإرهاب الصهيونيين، والتواطؤ ضدها، ومحاولات عزلها عن أمتها؟! وكيف تواجه كيان الإرهاب المدجج بكل أنواع السلاح من النووي إلى السيبراني مروراً بالتقليدي المتطور بكل صنوفه؟!
منذ أيام وجيش الاحتلال الصهيوني المُجرد من الأخلاق، يتابع عدوانه الوحشي على غزة، ويملأ سماءها ليل نهار بطائراته الحربية ومسيَّراته، ويقذفها جواً وبراً وبحراً بصواريخه ومدفعيته فيقتل ويدمر.. ويقوم بجرائم اغتيال ضد قادة الجهاد الإسلامي والمدنيين، ويستفزُّ المقاومة ليجرها إلى مواجهة بالتوقيت والظروف التي يريدها ويقررها هو. وبعد ثلاثين ساعة وأكثر من صبر المقاومة الفلسطينية وصمتها، وعدم مبادرتها بالردِّ على العدوان بسرعة، في سابقة "تكتيكية" مدروسة كلَّفت العدو الصهيوني خسائر مادية ومعنوية، وأرهقته وكشفته أمام جبهته الداخلية، وأظهرت ارتباكه الشديد وسوء تقديره للمقاومة الفلسطينية وقدراتها.. بعد ذلك الانتظار ردت حركت الجهاد الإسلامي بإطلاق رشقات من الصواريخ بلغت المئات، وصل بعضها إلى "ريخوفوت" في جنوب تل أبيب.
ولم تتوقف المقاومة عن التعامل مع العدو رغم الخسائر والمعاناة، ووقف الشعب الفلسطيني في غزة خلفها، مؤيداً ومؤكداً أن معركتها هي معركته في كل مكان من فلسطين.. وبدا متحملاً لوحشية الصهاينة ليقول لهم وللعالم: "نحن هنا وحدة واحدة، شعب ومقاومة، نتشبث بأرضنا وبحقنا التاريخي في وطننا فلسطين، ونقاوم دفاعاً عن الأرض والحق والنفس، عن فلسطين كل فلسطين، من جنين ونابلس والقدس إلى رفَح.. ومن النهر إلى البحر، ولن نستسلم، وسننتصر بعون الله".
تلك حقيقة شعب، وحقيقة مقاومة، وحقائق إيمان وانتماء و"ثأر الأحرار"، ومسؤولية جيل حيال أجيال، وشعب حيال أمته.. حقيقة تنطق بها المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، وكل الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني في أماكن نضاله من أجل وطنه، ومن أجل القدس والأقصى المبارك؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. هي رسالة لمن خذلها من دول وحكومات عربية، ورسالة للشعب العربي الذي لم يتخل عنها ولن يتخلى.. ورسالة للعالم خلاصتها أن الإيمان بالله والوطن والحق يصنع المعجزات، ويلهم الصبر وما يصنع النصر.. ورسالة لأحرار العالم تبعث على الأمل بهزيمة العنصرية والعدوان وإرهاب الدولة، وبانتصار الحق والإنسان.
وفي الوقت الذي يكتب فيه المقاومون الفلسطينيون رسائلهم بالدم والألم والأمل.. وتقدم فيه حركة الجهاد الإسلامي قادة شهداء، أجدني عند عتبة صمودهم وتضحياتهم أتوجه إليهم وإلى قائد الجهاد الإسلامي الأول، الصديق المرحوم الدكتور فتحي الشقاقي الذي اغتاله الصهاينة في مالطا، لأقول له: لقد ربيت وألهمت قادة، وكل قائد منهم يفرخ قادة ويربيهم ويلهمهم، ولن تنهيهم الاغتيالات الجبانة..