- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
علي محمد علي يكتب : خازوق التنحي
علي محمد علي يكتب : خازوق التنحي
- 15 يوليو 2021, 10:38:40 م
- 973
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هدوووء تام ، ورتابة مملة ، وشبه حياة ، وإستقرار نسبي على ما يبدو ، كل ذلك وأكثر خدع الجميع ، فمن يدير قد تعود على هذه الأجواء منذ مايقرب من ثلاثون عامًا ، حتى أنه بلغ به الغرور مبلغه ، حيث قال : نحن نحفظ خريطة مصر مثل كف اليد ؛ وطبعًا كان الشريف العفيف الحرامي يقصد الخريطة السياسية المشوهة ، كما قال كبيرهم أيام البرلمان الموازي والحكومة الموازية : سيبهم يتسلوا ، ثقة بالنفس لدرجة الغرور الأعمى ، مما سهل المهمة ، كما وأصابت تلك الحالة الطرف الآخر باليأس و إنعدام الأمل في التغيير ، بقيت إرادة واحدة لم تتأثر ، ولا أحد مهما بلغ جبروته قادر على التأثير عليها ، إنها إرادة الله ، والتي أحدثت الفارق والمعجزات ، ثم في غفلة من الجميع قامت الثورة العظيمة ، ثورة يناير المجيدة ، والتي طورت نفسها ومطالبها مع الوقت حتى عَلا سقف المطالب إلى منتهاه ، وقد حدث بالفعل الحدث المعجزة ، و تم التنحي ، بناءً على أمر الشعب ، الشعب ذلك القوة الجبارة لو يعلم ، وسرعان ما نسى الشعب كل الأهداف الأخرى أمام ذلك الحدث الجلل ، فقد نسينا العيش والحرية والعدالة الإجتماعية ،
ولم ننتبه إلى خازوق التنحي ، بتولية المجلس بيه العسكري بدلًا من عسكري واحد ، الحياة السياسية المستعارة إنهارت أركانها بل لنقل توارت ، إختفى بذكاء الفسدة و المنتفعين والزلنطحية ، وبدأت مرحلة جديدة من " الغشم السياسي " ، حيث دخل معترك السياسة كل من هب ودب ، وهذا ربما يبدو حق ، لكن في حقيقته مأساة حقيقية ، كما وطفى على السطح مصطلحات جديدة كنا نقرأ فقط عنها ولكن لم نمارسها فعليًا من قبل ، وجوه كلها جديدة ليس لها خبرة سياسية ، وجدوا أنفسهم وجهًا لوجه أمام الليبرالية ، والديمقراطية ، وحرية الرأي والتعبير ، و اليسار واليمين والوسط ، واليمين المتطرف واليسار المعتدل ، تاه عديمي الخبرة بين كثرة الإتجاهات ، أما النخب فتلاعبت بالعامة وضللتها وأكثرت التعاريف وصعبت المصطلحات ، وهناك غول و وحش كبير يراقب ويدرس سيكولوجية جميع الأطراف ، ويتحين الفرصة للإنقضاض على فريسته ، أما أنا فكنت حائرًا بين الجميع ، فبدايتي في السياسة كانت قبل الثورة بسنوات حيث كانت ميولي إشتراكية منحازة للمطحونين والفقراء ، فالتقطني بعض أصدقائي الناصريين ، لكن طبيعة تكويني رفضت فكرة الرجل الواحد والمفكر الواحد الملهم والمعلم والذي يرى وحده المستقبل ويخطط له منفردًا و الباقين عليهم ترجمة طلاسمه وأحلامه وتأويلها وتكييفها على أي زمان ومكان و أي مجموعة ، فأنا مؤمن بالمشاركة الفعالة والتغذية الراجعة ، وتغيير الأفكار وأحيانًا المبادئ وفقًا لمقتدى الحال ، ناهيك عن النرجسية الشديدة التي يتحدث بها الناصريون ،
أما الإشتراكون الثوريون فقد رأيتهم أنا الجناح العسكري للناصريين ، فهم أكثر حدة ، أكثر تطاول ، أكثر عنفًا ، فتوجهت للليبراليين لعلني أجد ضالتي ، فوجت إسمًا فقط وتحته كومة من التناقضات ، ثم أكثر شيء أضحكني حكاية تمصير الليبرالية ، تااااني ، ما الناصرية ماهي إلا تمصير الماركسية ، في البداية دافعت باستماتة عن المبادئ الليبرالية ، واجتهدت حتى وصلت لعضو هيئة عليا في أحد الأحزاب الليبرالية المعروفة حينها ، وأمين التنظيم في المحافظة ،
لكني فوجئت أن المبادئ شيء والممارسة المصرية بالتحديد شيئًا آخر ، فكانت إجتماعتنا عبارة عن مجالس للسب واللعن والتراشقات اللفظية كل ذلك من أجل الصراع على المناصب وكل يريد نصيب من الكعكة ، فمللت لكني قبل أن أقرر الإستقالة ، ذهب لرؤية حزب آخر قبل أن أتخذ موقف نهائي من الليبرالية عمومًا ، وبمجرد أن دخلت وجدت جزمًا متطايرة ، وشباشب تعبر وتتجاوز الصالات والغرف ، فرجعت مسرعًا ، قلت أشوف هذا الحصان الأسود الجديد والذي يكتسح ( مجال السياسة الذي أعشقه ويجري في دمي ) ، فوجدت وجوهًا مبتسمة طوال الوقت إبتسامة صفراء تخفي ورائها حقدًا ، تتحين الفرصة للسيطرة وفقط ، هدفهم كان إقصاء كل ماهو آخر ، ثم فكرة إدخال السياسة في الدين لا تختلف كثيرًا عن فكرة الرجل الواحد ذو الرأي الرشيد ، وإنتهت فترة الغشم السياسي ، ودخلنا فترة الضباب السياسي ، ثم ماتت السياسة تمامًا ، وعاد الزلنطحية من جديد ، وتحكم الوحش في كل شيء وإلتهم كل شيء ، وأنا دلوقتي بشتغل في البلاستيك .