- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عماد شقور يكتب: حرب الـ 20454 يوماً وليست «حرب الأيام الستة»
عماد شقور يكتب: حرب الـ 20454 يوماً وليست «حرب الأيام الستة»
- 8 يونيو 2023, 4:38:47 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في مثل أيام هذا الأسبوع، قبل 56 سنة، نشبت معارك بين الجيش الإسرائيلي وجيوش مصر وسوريا والأردن، استمرت ستة أيام، سمّتها إسرائيل «حرب الأيام الستة» وسمّاها العرب «نكسة حزيران/يونيو 1967».
الحقيقة الأولى، هي أن تلك الأحداث لم تكن «حرب الأيام الستة» وإنما هي معارك بالغة الدّموية، استمرت لستة أيام، ولم يتم فيها أي حسم نهائي للحرب المتواصلة منذ أكثر من 140 سنة، وتحديداً: منذ وطئت أقدام أول مهاجر يهودي من أوروبا الى أرض فلسطين، حتى قبل الإعلان الرسمي عن تشكيل دول الاستعمار الأوروبي سنة 1897 لـ «الحركة الصهيونية» العنصرية. بل وحتى منذ رسالة نابليون بونابرت الشهيرة سنة 1799 لليهود إلى «العودة الى أرضهم، والتجمّع حول رايتهم، حتى يبنوا دولتهم مجدّداً… فرنسا تقدّم لكم ورثة آبائكم، فاستعيدوا ما أُخذ منكم بالقوة، ودافعوا عنها، بدعم فرنسا ومساعدتها». لكن «وعد بلفور» سنة 1917 يبقى الطلقة الأولى، أو الإعلان الأول في العصر الحديث، عن بدء «الحرب» الحقيقية التي شنّتها دول الاستعمار على الأمة العربية، وكل ما تخلّلها هو مجرّد معارك دموية في حرب واحدة مستمرة ومتواصلة حتى الآن.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن ما أسفرت عنه معارك تلك الأيام الستة من حزيران/يونيو 1967، لم تكن مجرّد «نكسة» عاديّة. إنها كارثة حقيقية كاملة الأوصاف، وهزيمة مشينة، ليس لأبناء الأمة العربية، بل للقيادات السياسية العربية، وللقيادات العسكرية والأمنية العربية، بشكل عام، وهي «نكبة ثانية» بالنسبة للشعب الفلسطيني، لم تزل آثارها، بعد 56 سنة على اندلاعها، وما ترتّب عليها تلاحقنا، كأمة عربية، وكشعب فلسطيني خاصّة، حتى اليوم.
عرفت القيادات السياسية الإسرائيلية، في تلك المرحلة، كيف تستفيد من انتصارها الساحق لتبني حاضرها: زيادة قوتها العسكرية بشكل متواصل، بفضل تحالفاتها مع قوى الاستعمار والإمبريالية الغربية، وخاصة في ما يتعلق بتحالفها الاستراتيجي مع الولايات الأمريكية المتحدة، وتعزيز قدراتها العلمية والتكنولوجية الحديثة، وتعزيز اقتصادها لتنجح في تحقيق رصد ميزانيات للأبحاث العلمية المتطورة، ويكفي، في هذا السياق، التذكير بأن موازنة «الأبحاث العلمية في مجال تطوير الزراعة» في إسرائيل، تبلغ سبعة أضعاف ما ترصده فرنسا للأبحاث في هذا المجال، علماً بأنها دولة «عالم أول» مع عدد سكان يساوي تسعة أضعاف عدد سكان إسرائيل.
لكن تلك القيادات السياسية الإسرائيلية، في تلك المرحلة، ركّزت على الحاضر، وعلى الحاضر فقط. لم تُعِر المستقبل أي اهتمام. لم تسعَ، لم تحاول، ولم تقبل التوصّل الى تسوية/حل مع الشعب الفلسطيني، ومع الدول العربية. أُصيبت تلك القيادات بعدوى مرض النشوة/ والسّْكْر، الذي انتشر في جماهير الرّعاع في المجتمع اليهودي في إسرائيل، بفعل «معجزة الانتصار الساحق» وهو ما حال دون اختيارها التعامل الجدّي مع الواقع الحقيقي، ومع الحقائق الموضوعية على الأرض. وعندما أيقظت معارك تشرين الأول/أكتوبر 1973 تلك القيادات، بعد ست سنين لـ«حرب الأيام الستة» كان وقت الصحوة من نشوة الانتصار قد مضى وانقضى. وكانت أولى نتائج تشرين/أكتوبر، انتهاء عصر ما يسمّيه الإسرائيليون «إسرائيل الأولى» في انتخابات سنة 1977، بهزيمة ساحقة لحزب ماباي، (المعراخ، ثم العمل لاحقاً، وحتى اليوم) كقائد لـ«اليسار» (بالمقاييس الصهيونية العنصرية طبعاً) لصالح حزب حيروت، (غاحال، ثم الليكود لاحقاً، وحتى اليوم) وبدء عصر ما يسمّيه الإسرائيليون «إسرائيل الثانية».
كانت قيادات «إسرائيل الثانية» ممثّلة بقائدها مناحيم بيغن، محظوظة، في بداية طريقها. التقط بيغن مبادرة الرئيس المصري، أنور السادات، ووصلت معه، بفضل تدخّلات وضغوط الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، من الحزب الديمقراطي، الى «اتفاقية كامب ديفيد» التي أخرجت مصر من دائرة الصراع العسكري المباشر مع إسرائيل، وأعادت لها شبه جزيرة سيناء كاملة، بفعل تلك الاتفاقية، وبفعل قرار التحكيم بخصوص منطقة طابا.
صحيح أن معارك حزيران/يونيو 1967، البالغة العنف والدّمويّة، استمرّت ستة أيام فقط، لكن الأصح أنها متواصلة، بأشكال وأساليب ووتائر مختلفة حتى اليوم وبعد 20454 يوماً على ذلك اليوم المشؤوم
مضى على مرحلة «إسرائيل الثانية» حتى الآن، 46 سنة. تخلّلتها نحو سبع سنوات فقط من خليط بين تشكيل «حكومات إسرائيلية وطنية، تشمل ائتلافات بين أحزاب الوسط واليمين الصهيونيّن المعتدلين» وتشكيل حكومتي ائتلافات بين أحزاب يهودية، عنصرية هي الأُخرى، وسطية ويسارية. حكومة اسحق رابين الثانية، (13.7.1992ـ 4.11.1995) تصرّفت بشكل عقلاني، وبذلت جهوداً للتعامل مع المستقبل بعقلانية واعتدال. إلا أنه تعرض للاغتيال برصاص أحد أفراد اليمين العنصري، فانقطع توجه إسرائيل لبدء السعي لتسوية تاريخية مع قيادات الشعب الفلسطيني. وعندما عاد حزب العمل، بقيادة إيهود باراك، إلى السلطة في إسرائيل (لمدّة سنة وثمانية أشهر فقط) تصرّف باراك برعونة، وانتهت محاولته لفرض حل غير مقبول فلسطينياً، إلى طرح مقولته/شعاره: ليس هناك من يمكن التحدث معه، و«القيادة الفلسطينية لا علاقة لها بالموضوع» أي أنها ليست ذات صلة، ولا مجال للتوصل معها الى اتفاق.
هذه التصرفات الحمقاء، من قِبَل ما يُعرّف بإسرائيل بأنه الوسط واليسار الإسرائيلي الصهيوني المعتدل، أعادت اليمين الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، الى السلطة، وهو ما أدّى الى تعاظم دور الأكثر عنصرية وفاشية في المجتمع اليهودي في إسرائيل الى السلطة، الى أن وصلنا هذه الأيام، إلى متابعة نشاطات وأعمال هؤلاء في هذا المجتمع، وهو الأمر الذي حوّل نظام الحكم في إسرائيل، وحتى في نظر غالبية يهودية في إسرائيل والعالم، إلى نظام أبارتهايد، مرفوض، منبوذ، ومُدان من الأكثر حرصاً على إسرائيل والإسرائيليين.
آخر ما صدر في إسرائيل من كتب فكرية، تعالج ما تمُرّ به إسرائيل هذه الأيام، كتاب، أو كُتيّب «إنقاذ إسرائيل» قبل ثلاثة أسابيع، للكاتب الإسرائيلي المعروف، آري شافيط، يدعو فيه إلى إنقاذ إسرائيل، بإقامة «إسرائيل الثالثة». وهو يرى أن هذه الـ»إسرائيل الثالثة» تتشكّل من اليمين المعتدل والوسط واليسار المعتدل. إنه كتاب سيّئ على أي حال، ولكنه يتضمّن بعض الحقائق، ومنها أن تلاميذ الصّف الأول من العرب الفلسطينيين في المدارس في إسرائيل هذا العام يشكّلون 23 في المئة من مجموع التّلاميذ في الصّف الأول، وأن 21٪ من التلاميذ في ذلك الصّف هم من أحزاب الحريديم المتشدّدين غير الصهيونية، وأن 14٪ من تلاميذ ذلك الصّف، هم من ابناء أعضاء أحزاب المتديّنين القوميّين (المتعصّبين والعنصريّين) ص 76. ويبلغ به التشاؤم حدّ القول: «ليس السؤال الذي نسمعه اليوم هو سؤال عن كيف ستكون حياتنا هنا عندما تبلغ إسرائيل سنّ المئة من عمرها، بل هو السؤال عمّا إذا ستكون لنا هنا حياة أصلاً». ص65.
أحداث ومآسي معارك حزيران/يونيو 1967، تعيد الى الذاكرة ما قاله الزعيم العربي، جمال عبد الناصر، في خطاب له بعد خمسة أشهر فقط من تلك المعارك. قال: «الحرب ليست مجرد سلاح ضد سلاح، وإنما هي إرادة ضد إرادة، والنّصر حليف من يستطيع فرض إرادته على إرادة عدوه». بعد كل هذه السنين من النضال والتصّدي لإرادة العدو الصهيوني العنصري، يحق لنا أن نسأل: هل انتصرت إرادة العدو الصهيوني العنصري الظلامي على إرادة الأمة العربية، وإرادة شعبنا الفلسطيني؟
الجواب على هذا التساؤل واضح في كل ما نتابعه من أحداث ومن عمليات فدائيين في جنين ومخيّمها، وفي نابلس وطولكرم وقلقيلية ومخيم شعفاط والخليل وبيت لحم ومخيماتها، في قطاع غزّة.. رغم كل الحصار والتضييق وجرائم الاعتداءات المتكرّرة. بل، (وعلى الصعيد العربي) في عملية الجندي المصري الشجاع الشهيد محمد صلاح إبراهيم قبل أيام.
صحيح أن معارك حزيران/يونيو 1967، البالغة العنف والدّمويّة، استمرّت ستة أيام فقط، لكن الأصح أنها متواصلة، بأشكال وأساليب ووتائر مختلفة حتى اليوم وبعد 20454 يوماً على ذلك اليوم المشؤوم.