- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
عمار علي حسن يكتب: جمال ونور
عمار علي حسن يكتب: جمال ونور
- 20 أبريل 2023, 3:21:55 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
هذه التى يهيم كثيرون بها عشقًا يصفونها بجميلة الجميلات، يقولون هذا وهم شاردون فى صفاء وجهها ونعومته، وفى حسن ملامحها، وليونة جسدها.. من بينهم الذين ينفذون إلى ما هو أبعد، متجاوزين هذا المظهر الموهوب أو المكسوب، ليروا ما إذا كان كل عضو من الأعضاء على أكمل وضع من الهيئة والمزاج، ثم يتعمقوا أكثر ليلمسوا جوهر الجمال وحقيقته، فى استواء النفس، وامتلاء الروح، وتوقد الذهن، وذكاء المشاعر.
عند هذا الحد يقف البشر فى تعريفهم للجمال، متنقلين من وصف امرأة حسناء أو طبيعة خلابة أو تصميم فاتن، لكن أغلبهم لا يدركون الجمال الأكبر الذى لا حد له، ولا يمكن وصفه، إنما يحس به العارفون. إنه النور الفائض، والجلال البهى، والإشراق الجلى، واللطف السخى، وهو مطلق فى كل هذا إلى حد أن يعجز عن وصفه كل من أراد هذا، ولو كان غاية فى الحذق.
كل جمال فى الأرض حل فى الأشخاص أو الأشياء هو قبس من ضياء الجمال القدسى، ولو لم يكن جماله سبحانه حاضرًا فى كل ما خلق ما رأيناه، وإن رأيناه لا نشعر به.
الله فطر النفوس على محبة الجمال، وصوّر الأشياء لتدل عليه، وهو الذى منحنا النور كى نرى كل جميل، ولو أنه لم يفعل ذلك لضاع كل ملمح يشدنا وكل منظر يروق لنا فى الظلام الدامس.
وقد يتيح الخيال لصاحبه أن يتصور جمالًا ما نابعًا من ذاته، لكن بلوغ روح مثل هذا الجمال لا يمكنه أن يتم على وجه أكمل سوى بشروق الأنوار القدسية عليه لتجليه، وتصوره فى أحسن تقويم وأفضل تكوين، لأنها تتعدى ظاهره المرتبط بالجسد إلى باطنه المتعلق بالروح، فبها يتهادى الجمال المجرد، ويصبح كل قبح ليس كذلك فى حد نفسه، إنما باعتبارنا نحن له، وفق نسبية فهمنها وتقديرنا.
سأل المريد شيخه:
ـ ما القبح؟
صمت الشيخ قليلًا، ثم أجاب:
ـ ما ندرك نحن أنه قبيح.
عاد المريد إلى السؤال:
ـ أليس هناك ما هو قبيح فى ذاته؟
أجاب الشيخ:
ـ يستملح أتباع الشيطان ما يستقبحه المؤمنون بالله.
ـ ما الذى يعنيه هذا؟
ـ الأمر نسبى فى إدراكنا له، لكنه مطلق فى حد ذاته، سواء كان قبيحًا أو جميلًا، لكن هذا لا يمكن تبينه إلا بالنفاذ إلى جوهره، ولا يتأتى ذلك إلا لمن أشرقت فى نفوسهم أنوار ربانية، تمدهم بما يستطيعون به تجاوز العارض والعابر فى الأشخاص والأشياء.
ـ هل هذا فى كل شىء؟
ـ لا، أنا أتحدث هنا عما يخص الأفكار والأقوال والأفعال. أما الأجساد فلا أرى فيها قبحًا إلا بالإدراك، ويجب ألا نغفل أن ما نعتبره قبيحًا هو الذى يدلنا على ما هو جميل. إنها أدوار فى حياة الناس، يكمل بعضها بعضها، وفى هذا أجد جواهر جمال الوجود.
وبعد الجمال يأتى النور، إنه بياض النهار، وشمسه الساطعة، نصف اليوم الذى فيه معاش الناس، لكنه مجرد قبس من إشراق الطمأنينة فى نفوس العارفين التى تعرف الحق، وهو نور الأنوار، وتلتزم به، وتنافح عنه.
الحق أول النور البهى، يحاط به نور، وفى قلبه نور، يبدد ظلام الباطل، شيئًا فشيئا، لكنه لا يقدر على هذا فى دنيا الناس، وتكتمل قدرته فى الآخرة، ويكون أوله البرزخ الذى ينجلى ساطعًا بعد ظلام دامس، تودع فيه الروح الدنيا، لنصل إلى نور مقدس ليس فيه نقص ولا عوار، حتى نبلغ النور الأعظم، وهو الله، فهو نور على نور.
سأل المريد شيخه:
ـ متى ينجلى الظلام؟
أجاب الشيخ:
ـ حين يشرق النهار داخلك.
تساءل المريد مندهشًا:
ـ داخلى؟!
قال الشيخ:
ـ التقوى نور حين يشرق فى قلب العبد، يكون بوسعه أن يفرق بين الحق والباطل.
عاد المريد إلى السؤال:
ـ كيف نطمئن إلى أن القلب قد غمره النور
أجاب الشيخ:
ـ حين يستوى عندك السر والعلن.