- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
د. عبد الله العلياوي يكتب: العراق وحرب اليمن.. موقف تدعمه خبرات الكوارث
د. عبد الله العلياوي يكتب: العراق وحرب اليمن.. موقف تدعمه خبرات الكوارث
- 20 أبريل 2023, 3:25:41 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مما يؤسف له أن بعض صناع القرار السياسي يحتاجون إلى وقت طويل لاكتشاف أخطائهم، والعودة عنها رغم وجود الناصحين المخلصين وكثرة الشواهد التاريخية التي تؤكد أن المسار الذي اتخذوه سيؤدي إلى مآسٍ كبيرة، وكانت حرب اليمن التي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2014 من تلك القرارات.
وأنا أشاهد اليوم عودة الدول التي شنت الحرب إلى طاولة المفاوضات أتذكر موقف العراق الرافض للحرب، وهو موقف عبّر عنه الرئيس فؤاد معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري في مؤتمر القمة العربية السادس والعشرين الذي عقد في مدينة شرم الشيخ المصرية (28-29 مارس/آذار 2015) حيث كنت برفقتهما، وكان من المقرر أن تكون القمة ذات طابع استذكاري، نظرا لمرور 70 عاما على تأسيس الجامعة العربية، لكن حرب اليمن التي كانت قد اندلعت قبل بضعة أشهر ألقت بظلال ثقيلة على مجريات القمة، وكان العراق يعرف أن قرارا سيصدر عن القمة لدعم التدخل العسكري في اليمن بدفع من بعض الدول، وكان الموقف العراقي واضحا منذ البداية وهو معارضة الحرب، وقد سعى كل من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية للتعبير عن هذا الموقف بدبلوماسية عالية لمنع إثارة أي توترات وتجنيب العراق أي أزمة تترتب على موقفه.
وخلال اجتماع صباح يوم 28 وقبل انطلاق أعمال القمة، التقى الرئيس معصوم الرئيس التونسي السابق القائد السبسي وكنت حاضرا، سأل الرئيس معصوم نظيره التونسي عن موقف بلاده من الحرب، فقال "نحن لنا قرارنا الخاص، ولن نتبع أحدا، ولا نؤيد أي قرار بشن حرب على دولة عضو في الجامعة العربية"، فقال الرئيس معصوم إن "للعراق نفس الرأي، لأننا نعرف جيدا معنى الحرب وما تجره من ويلات ودمار وهتك أعراض ونزوح وتشريد وخراب على الشعوب، لذلك ندعو إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات وحل المسألة بالحوار"، وكان الرئيس معصوم قد استطلع رأي زعيم دولة عربية أخرى عن موقفه من الحرب، فأكد كذلك أنه ضد الحرب لكن بلاده تعاني مشاكل اقتصادية وهي بحاجة للدعم الخليجي، لذلك فإن اتخاذه أي موقف معارض سيؤدي إلى حرمان بلاده من ذلك الدعم.
حضر قمة شرم الشيخ 14 زعيما عربيا، وخلال إلقاء الزعماء الكلمات الرسمية توالى الدعم لقرار التدخل العسكري في اليمن حتى جاء دور العراق، حيث ألقى الرئيس معصوم كلمة أكد فيها بوضوح رفض الحرب والدعوة إلى بذل قصارى الجهود لتجنبها وناشد جميع الدول العربية والمجتمع الدولي دعم الحوار بين مختلف الأطراف في اليمن، وحذر من التداعيات الخطيرة للتدخل العسكري على استقرار المنطقة، وهو ما أثبتت الأحداث صدقه.
بعدما أنهى رئيس الجمهورية فؤاد معصوم إلقاء كلمة العراق، كتب ورقة لرئيس الجلسة يطلب فيها الاستئذان للخروج من القاعة، لكن تصادف خروجه مع إلقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي كلمته وهو كان مؤيدا للتدخل العسكري في بلاده، لذلك اعتبر خروج الرئيس معصوم اعتراضا على كلمته، لكن الحقيقة هي أن الرئيس معصوم كان مرتبطا باجتماع مع ملك الأردن عبد الله الثاني، وعندما عاد من الاجتماع تصادف مرور الوفد اليمني وكان الرئيس معصوم ينوي مصافحة الرئيس اليمني هادي، لكن الأخير ابتعد متجنبا اللقاء، وكما كان متوقعا صدر البيان الختامي للقمة داعما التدخل العسكري في اليمن ومطالبا الحوثيين بالاستسلام وتسليم أسلحتهم.
للأسف، لم يستمع الزعماء العرب لنصائح الرئيسين فؤاد معصوم والقائد السبسي، وها هي الأوضاع تعود إلى نقطة الصفر، حيث اضطر الجميع للجوء إلى المفاوضات والحلول السلمية لإيقاف الحرب بعد خسائر بشرية ومادية فادحة.
لقد كانت اجتماعات الرئيس معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري خلال يومي القمة تتبنى خطابا عراقيا موحدا يدعو للسلام والحوار، مدعوما بخبرتهما في النتائج الكارثية للحرب، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن رئاسة الجمهورية في العراق منذ عام 2003 كانت تتبنى دائما رفض الحرب والتصعيد وتدعو للحوار والتهدئة، وهو منهج أرسى دعائمه الرئيس الراحل جلال طالباني وسار على خطاه الرئيس السابق فؤاد معصوم، كما يتمسك به بوضوح الرئيس عبد اللطيف جمال رشيد اليوم، وهو منهج أثبت صوابه.