- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
عمرو حمزاوي يكتب: أسباب التعثر… العرب والديمقراطية الغائبة
عمرو حمزاوي يكتب: أسباب التعثر… العرب والديمقراطية الغائبة
- 22 فبراير 2022, 5:41:16 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في معية مشهد عربي خيوطه الناظمة هي الحروب الأهلية والتوترات الطائفية ـ المذهبية والعنف المجتمعي وشبح الصراعات ـ الحروب الإقليمية، بات الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية والحريات العامة أشبه ما يكون ببكاء على أطلال تحولات دفعت بها انتفاضات العقد الماضي إلى الواجهة ولم تكتمل إما لعدم مواءمة الظروف الداخلية والإقليمية أو لتآمر قوى الاستبداد في الداخل والخارج على مجتمعاتنا وإفشالها لفرص بزوغ الديمقراطية. وعلى ما في البكاء على الأطلال من جاذبية وما لمقولات الظروف غير الموائمة والمؤامرات من سطوة كلامية بيننا كعرب، تظهر قراءة المشهد الراهن انطلاقا منها العديد من الغيابات وأوجه القصور التي تستحق النقاش.
ذلك لأننا حين نبكي على الأطلال وننتهي بعد اهتمامنا خلال السنوات الماضية بإمكانات التحول نحو الديمقراطية وتحسين حالة حقوق الإنسان والتعددية والحريات إلى تقرير إخفاق عربي عام على جميع المستويات، عادة ما نكتفي بإلقاء كامل اللائمة على نظم الحكم القائمة لتعنتها السلطوي وكذلك على الولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي كالقوى الخارجية المؤثرة في بلاد العرب لعدم التزامها الفعلي بدعم الديمقراطية. وعلى الرغم من موضوعية الإشارة إلى التعنت السلطوي للحكام قبل وبعد انتفاضات العقد الماضي وصحة تقرير انصراف القوى الخارجية عن مسألة دعم الديمقراطية، يظل وراء مثل تلك المقولات تجاهل خطير لضرورة تحليل معوقات الديمقراطية الحاضرة في المجتمع والسياسة والثقافة في بلاد العرب بعيدا عن دور الحكام والنخب والعواصم الدولية.
من وراء مثل تلك المقولات تطل قراءة سطحية لطبيعة التهديدات الاستراتيجية والأمنية التي ترد على المصالح الغربية والعالمية حال حدوث شيء من التحول الديمقراطي في بعض مجتمعاتنا، أقرر ذلك بعيدا عن معارضتي الأخلاقية والسياسية لتحكم مصالح الغرب والصين وروسيا في مصائرنا كعرب. من وراء مثل تلك المقولات يواجهنا الصمت على تداعيات تنامي نفوذ قوى دولية كالصين وروسيا تدافع عن الاستبداد ولا تشكل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان محددات لسياستها وفعلها الخارجي.
فمن جهة، تدلل وضعية الأزمة المستمرة في مجتمعات كالعراق ولبنان على عجز قوى المجتمع عن التعامل السلمي-الحداثي مع تركيبته التعددية من خلال وسائط مؤسسية وبمضامين تسمح أولا للسياسة بالوجود بما هي منافسة سلمية بشأن تحديد الصالح العام وممارسة توافقية لتحقيق ذلك الصالح العام تخضع للمساءلة والمحاسبة من قبل المواطنين، وتسمح ثانيا للدولة الوطنية بالحضور بما هي الأداة الرئيسية لتحقيق الصالح العام وصاحبة القدرة على ردع الخارجين عن شرطي المنافسة السلمية والتوافق من خلال احتكار الاستخدام المشروع للقوة الجبرية. يصبح هنا التعامل الاختزالي مع أزمات العراق ولبنان، بإحالتها إن إلى إخفاق يوصف دوما بالمرحلي للقوى السياسية في ممارسة التوافق ومن ثم النجاح في تشكيل حكومات ائتلافية حقيقية في أعقاب الانتخابات أو إلى تبعية مصالح وأجندات هذه القوى لأطراف إقليمية ودولية (من إيران والسعودية والإمارات إلى فرنسا والولايات المتحدة) يصبح بمثابة تحايل غير موضوعي ومضلل على كارثة عجز المجتمع عن ممارسة الديمقراطية والتوافق والعدل وما يستتبع تلك الكارثة من غياب مستمر للسياسة وللدولة.
بات الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية والحريات العامة أشبه ما يكون ببكاء على أطلال تحولات دفعت بها انتفاضات العقد الماضي إلى الواجهة
وفي مصر، يستحيل موضوعيا فهم أسباب تعثر التحول الديمقراطي دون تناول تداعيات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على المواطن الذي يعزف عن المشاركة في الشأن العام وينزع إلى ترك الأمر للحاكم الفرد الذي يرفعه إلى مقام البطل المنقذ. يستحيل أيضا تجاهل الآثار السلبية لكل من ضعف المكون المدني داخل مؤسسات الدولة المصرية مقارنة بنفوذ المكون العسكري-الأمني، والوهن البنيوي الذي أصاب بنية حكم القانون، والخطايا الاستراتيجية والتكتيكية للقوى السياسية التي زعمت في سنوات الانتفاضة الديمقراطية بين 2011 و2013 التزامها بمبادئ وقيم وأهداف الديمقراطية ولم تلبث أن تخلت عنها.
يبدو حديث الديمقراطية والتحول الديمقراطي في بلاد العرب على خلفية هيمنة ثقافة العنف الإقصائية والغياب الكامل لقيمة الفرد أشبه بفقاعات هواء لا محتوى لها. لا إدارة للاختلاف، والديمقراطية هي في الجوهر منهج وإجراءات الإدارة السلمية للاختلاف التي تسمح بالتنوع والتعددية والرأي والرأي الآخر وتداول السلطة في إطار من حكم القانون والمشاركة الشعبية. وتغيب لدى نخب الحكم وقوى المعارضة القناعة الحقيقية بإمكانية الصناعة السلمية للتوافق بينها على نحو يضمن مصالحها الحيوية ويصيغ من القواسم المشتركة ما يسمح بتفعيل مبادئ التداول السلمي للسلطة والمساءلة والمحاسبة من خلال إطار لحكم القانون ونظام قضائي مستقل. فقط، نزوع لاحتكار السياسة وإلغاء الآخر وهيمنة للمعادلات الصفرية وصراع من أجل الاستحواذ على السلطة والحكم عنوة ودون تفريط.
وليس لمثل تلك الرؤى والممارسات سوى أن تنتج عسكرة شاملة للمجتمع وللسياسة تتناقض جذرياً مع الفكرة الديمقراطية وتزيد من تهافت الحديث عن إمكانات التحول باتجاهها. يتضخم المكون الأمني-الاستخباراتي في أغلبية الدول العربية ذات المؤسسات المتماسكة، يتضخم حتى يطغى على بقية مكونات السلطة التنفيذية ويلغي استقلالية السلطات التشريعية والقضائية وينفرد بالفعل السياسي والمجتمعي ويخضع المجتمع المدني والقوى السياسية إما للاستتباع أو للحصار. أما في حالات الدولة المعطلة كالعراق ولبنان والدولة المنهارة كسوريا واليمن وليبيا والدولة الغائبة كفلسطين فتمتد العسكرة من السياسة إلى تركيبات المجتمع الأولية وتتداخل معها على نحو يصنع دويلات داخل الدولة تمتد كالخلايا السرطانية لتواصل الإجهاز عليها أو تحول بينها وبين البحث عن بدايات تأسيسية جديدة.
أخيرا، وفيما خص إلقاء لائمة إخفاق التحولات الديمقراطية في بلدان العرب على الغرب وما يرتبط بذلك النزوع من تذكير مستمر بازدواجية معاييره وعدم استعداده لتحمل كلفة ديمقراطية، فالأمر هنا ينطوي على تبسيط مخل لدور الغرب وقراءة بالغة السطحية لمصالحه في الشرق الأوسط.
فالولايات المتحدة ومعها كبريات الحكومات الأوروبية تتخوف بشدة من تواصل انفلات الأوضاع الأمنية واستمرار الانفجارات الأهلية العنيفة في مجتمعاتنا وموجات اللجوء والهجرة غير الشرعية الخارجة منها، تتخوف من كل ذلك وتداعياته لأن مجتمعاتنا عانت من سلطوية السياسة وغياب ثقافة التنوع والتسامح والتوافق وتعثر مؤسسات الدولة الوطنية الحديثة طوال العقود الماضية. وبعيدا عن تلك المخاوف، يظل توقع أن الغرب إن أراد الديمقراطية العربية وعرفها باعتبارها مصلحة حيوية يملك القدرة على تحقيقها بغض النظر عن المعوقات الحاضرة في المجتمع والسياسة والثقافة وبمعزل عن إرادة نظم الحكم السلطوية القائمة وفي تجاهل لأدوار قوى دولية أخرى كالصين وروسيا مسألة تنافي مقتضيات القراءة الواعية.
كاتب من مصر