- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
عمرو كريم يكتب : جدوى طوفان الأقصى
عمرو كريم يكتب : جدوى طوفان الأقصى
- 16 أكتوبر 2023, 11:25:50 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
متداول
بقلم: عمرو كريم
منذ بدء عملية المقاومة الفلسطينية صبيحة يوم السابع من أكتوبر الماضي وهناك بعض الأصوات التي تتساءل عن جدوى هذه العملية رغم نجاحها الاستثنائي والمذهل، حتى أن جيش الاحتلال ذاته أقر عبر عدة مسؤولين إسرائيليين بصدمة وفاجعة شديدة مما حدث وذهب البعض بقوله إن أحداث سبت السابع من أكتوبر أشد قسوة من مفأجاة حرب السادس من أكتوبر لعام 1973
ورغم ذلك مضت بعض الأصوات بالحديث عن عبثية مثل هذه العمليات ومدى جدواها خاصة مع الرد الانتقامي من إسرائيل بحق قطاع غزة واستهداف المدنيين على نطاق واسع، وحقيقة فإن هذا السؤال مشروع ولذلك كان لزاما محاولة الإجابة عليه.
في البداية علينا أن ندرك أن المقاومة لاسترداد الأراضي المحتلة كفكرة في الأساس هي عملية مشروعة تماما إذ يكفلها القانون الدولي ومن قبله الطبيعة الإنسانية والفطرة البشرية، أما فيما يتعلق بعملية "طوفان الأقصى" فقد جاءت - وفق تصريحات كتائب القسام - ردا على انتهاكات الاحتلال المستمرة بحق الضفة الغربية والمسجد الأقصى واستمرار الحصار على غزة، فوفقا للواقع زادت وتيرة الانتهاكات بشكل ممنهج من قبل المستوطنين وقوات الجيش على أهالي الضفة إذ بلغ عدد شهداء تسعة أشهر فقط من عامنا هذا 252 شهيداً بواقع 1100 انتهاك حصيلة تسعة شهور فقط، إذن سواء قاوم الفلسطيني أو لجم فمه عن المطالبة بحقه فهو ميت، أو على الأقل يتعرض للاعتداء، فلماذا لا يرد وهو يُقتل؟! لماذا لا يوجع عدوه فهو في كلتا الحالتين مجرد رقم أمام سلطات الاحتلال ينتظر دوره في عداد الموتى والمصابين.
ولا يختلف الأمر كثيرا في غزة المحاصرة التي يقول سكانها إنهم في كل الأحوال في عداد الموتى، فهم في أكبر معتقل جماعي بالعالم، والقصف والدمار ليس بجديد عليهم، وكثير منهم لم تطأ قدماه خارج أرضهم، فلماذا لا يحاولون لعلهم ينجحون، فلعل فعلتهم تُسقط أشد حكومات إسرائيل تطرفا لتأتي حكومة أخرى أقل تشددا تسمح لهم ببعض الحياة أو تعاود العمل على فكرة حل الدولتين.
ومعلوم أن الفلسطينيون سعوا للسلام عبر اتفاقية أوسلو فماذا كانت النتيجة؟ المزيد من الاستيطان والقتل والأسر والتهجير، فماذا جنت العملية السياسية حتى يتجنب أهل الأرض أن يرفعوا السلاح لعلهم يستردون حقهم المنهوب! ويكفي أن تدل الأرقام على ذلك فقد أرتفع عدد المستوطنات من 132 مستوطنة قبل عام 1993 إلى 444 مستوطنة الآن، وسكان هذه المستوطنات يكادون لا يتوقفون يوما عن الاعتداء على الفلسطينيين وقتلهم وتخريب ممتلكاتهم في صمت من حكومة الاحتلال.
وهنا أنت بفعلك المقاوم تجعل تكلفة انتهاكات الاحتلال عالية ومرتفعة حين يُقدم على أفعاله بحق الفلسطينيين مما قد يجعله مستقبلاً يفكر مرارا وتكرارا قبل الإقدام مجددا على توسيع دائرة انتهاكته لأنه أصبح يدرك جيدا أن الرد سيكون قاسيا وقد يصبح أقوى من ذي قبل، فحماس كانت تزداد شراسة عقب كل عملية عسكرية بينها وبين الاحتلال، وبالتالي فإن توجيه ضربة قوية كهذه له قد تعمل على ردعه في المستقبل.
بل قد تؤدي في نهاية المطاف عقب انتقامه العنيف إلى بدء عملية سياسية ينتزع بها الفلسطينيون بعض من حقوقهم المشروعة وينعمون بجزء من استقلالهم المنتظر منذ عشرات السنين، فلم لا نحاول إذا، لقد أُغلقت المسارات السياسية أمام السلطة الفلسطينية وأصبحت فكرة الدولة الواحدة مسيطرة على دوائر الحكم في إسرائيل وأصبح يُجهر بها ليل نهار ودائرة التطبيع تتسع، هنا دار في ذهن المقاومة أنه لا سبيل إذا سوي القتال لانتزاع الحق المشروع، بل حتى لتأخير أو إلغاء قطار التطبيع الذي لا يعطي للفلسطيني حقة في دولة مستقلة ذات سيادة.
وذلك سبب وجيه آخر لتلك العملية، ألا وهو استنهاض الشعوب العربية مجددا بشأن مركزية قضية فلسطين للضغط على حكوماتهم بشأن فكرة التطبيع وقل إن شئت إلغاء تلك الفكرة أمام جرائم الاحتلال المتواصلة في غزة والضفة.
ويمكن لعملية كهذه أن تعيد القضية الفلسطينية على أولويات المجتمع الدولي المتخاذل عن هذا الملف وكأنه ارتضى بما تفعله حكومة اليمين المتطرف بحق الفلسطينيين، وغفلوا عن دورهم في دعم إسرائيل بصمتهم عن جرائهم أحيانا أو تأييدهم لها في حين آخر، فكان لا بد لجرس تنبيه ما داموا لم ينتبهوا لبيانات عربية عديدة لطالما حذرت من انفجار الأوضاع أو لصرخات أهالي شهداء غزة وهم يستنجدون بالعالم "الديمقراطي"، فكان لا بد هنا من إعادة نظرهم إلى قضية فلسطين لربما ينجحون بدفع إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين، ومرحلة التفاوض هي نهاية كل حرب حتماً، وسنصل إليها لكن ستكون المقاومة معها أوراق قوة وضغط هذه المرة تحوزها أمام حكومة الاحتلال.
ومن بين تلك الأوراق، قضية الأسرى أو رهائن حماس كما يسميهم الغرب، فلا يخفي أن تلك ورقة مهمة خاصة إذا لم تُفّعل إسرائيل قانون هانيبال فيمكن الضغط بذلك الخيار للإفراج عما يقرب من سبعة آلاف أسير في السجون الإسرائيلية وذلك هدف أساسي معلوم لدي حماس والمقاومة.
وشيء آخر مهم أيضا من أهداف تلك العملية وهو التذكير من جديد بأكذوبة مقولة "جيش لا يقهر" وتدمير الصورة الذهنية للجيش الإسرائيلي أمام الفلسطينيين والعرب مما يشجع على مزيد من عمليات المقاومة ضده واستنهاض روح التحرير من جديد والإيمان بإمكانية التفوق عليه وضرب ذلك الجيش المهزوم والحث على انتهاج المقاومة المسلحة أمام ارتاله العسكرية.
ويجب هنا على كل ولى أمر أن يشرح للأجيال الجديدة ماهية قضية فلسطين وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، بل ويوضح أن مفهوم النصر لا يعنى بالضرورة هلاك العدو بل يكفي مرحلياً أن يتألم ويتوجع، بل إن سريان الوعي في الوجدان العربي والإسلامي هو من مظاهر النصر، فحين تعي الأمة قضيتها وتتفاعل معها فإن ذلك خطوة على طريق تحرير فلسطين، كما تعمل تلك الأحداث على مخاطبة الشعوب في كل أرجاء العالم بمشروعية النضال المسلح أمام آلة القمع الصهيونية التي أغلقت أبواب السلام وذلك ما صرح به موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة حماس في مقابلة مع مجلة نيويوركر الأمريكية إذ قال إن إسرائيل بنهجها المتطرف أغلقت مساعي حل القضية الفلسطينية.
أما على الناحية الأخرى، فقد أرادت المقاومة بث الرعب والفزع في سكان إسرائيل وحملهم على مغادرتها واعتقادهم أنهم غير آمنين وأنه يمكن الوصول إليهم في بضع ساعات فقط مما يجعل بعضهم على الأقل يرحل ويترك تلك الدولة الفاشلة أمنيا، وذلك وإن كان رسالة للكل إلا أنه موجه تحديدا لسكان مستوطنات غلاف غزة، فجيشكم عجز عن حمايتكم فاتركوا أرضنا لنا، لعلها رسالة تجد صداها فتكون بداية لما بعدها.
وإذا لم يقنعك كل ما سبق عزيزي القارئ فلعل نظرة عسكرية خاطفة إلى طبيعة معارك التحرير وأهمية ما يمكن أن نسميه مجازا حرب استنزاف فلسطينية، فمصر مهدت الطريق لتحرير أرضها عبر حرب استنزاف استمرت ما يقرب من ثلاث سنوات أنهكت فيها مصر العدو كما كان هو أيضا يرد بقوة شديدة، وهكذا يمكن تشبيه الأمر الآن بين المقاومة وإسرائيل، ولا أزعم أن الأمر متشابه تماما ولا أننا علي شفا تحرير وشيك لأرض فلسطين، وإنما ما يحدث هي خطوات ضرورية مرحلية تمهد الطريق لأن يستعيد الفلسطينيون أرضهم المنهوبة وأن يتخلص العرب من سرطان زُرع وسط أرضهم غصباً.
وقبل الختام لا بد من الإشارة إلى تصريح صالح العروري على قناة الجزيرة حين قال إن عملية "طوفان الأقصى" كانت بمثابة ضربة استباقية إذ كانت إسرائيل تعد لعملية عسكرية على القطاع عقب انتهاء الأعياد اليهودية أي إن الحرب كان قراراها قد اتخذ بالفعل وكان لازما على حماس أن توجع إسرائيل في ضربة مفاجئة.
وختاما إن المقاومة لم تجبر أحدا على اعتناق منهجها ولكل منا شرعته فمن رأى في فعلها ما لا يصح فليطربنا بما ينفع لتحرير فلسطين، فلا مسار سياسي تركته إسرائيل ينضج ولا دول غربية اكترثت بمصير شعب أنهكه الاحتلال على مر العقود، فليخرج المعترض ما بجعبته إذا لعلنا نري نورا يلوح في الأفق على شعب ملكوم.