- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
عون يغادر الرئاسة تاركا لبنان في فراغ دستوري ومصير مجهول
عون يغادر الرئاسة تاركا لبنان في فراغ دستوري ومصير مجهول
- 30 أكتوبر 2022, 2:18:13 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غادر الرئيس اللبناني المنتهية ولايته العماد "ميشال عون"، القصر الرئاسي في بعبدا (شرق بيروت)، الأحد، بعد 6 أعوام "عجاف"، شهد فيه لبنان انهياراً مالياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وأمنياً لم يشهد مثله في تاريخه الحديث.
يضاف إلى كل ذلك انفجار مرفأ بيروت، الذي شكّل فاجعة وطنية، لم تصل التحقيقات بشأن المتورطين بحدوثها إلى نتيجة حتى الآن.
وأخلى "عون" كرسي الرئاسة، تاركاً رأس الدولة اللبنانية للفراغ، بعدما عجز المجلس النيابي والقوى السياسية عن الاتفاق على خليفة له.
وفشل مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للبلاد في 4 جلسات مخصصة لذلك خلال المرحلة الماضية، آخرها كان في 24 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، حيث لم تتمكن الكتل النيابية المنبثقة عن انتخابات مايو/أيار الماضي، من الاتفاق على اسم مرشح يحظى بقبول الأكثرية المطلوبة.
فيما بقيت الأسماء المطروحة بعيدة جدا عن تحقيق الأغلبية، وسط لجوء كتل وازنة للتصويت بورقة بيضاء أو بعبارات رمزية تظهر عدم وجود مرشح لها حتى الآن بانتظار تسوية أو اتفاق معين.
في الوقت نفسه، عجزت القوى السياسية عن التوافق على تشكيل حكومة، أو تعويم حكومة تصريف الأعمال برئاسة "نجيب ميقاتي"، لتقوم بتسيير شؤون البلاد إلى حين انتخاب رئيس جديد.
ووفق خبراء في القانون، فإن استمرار حكومة "ميقاتي" لتصريف الأعمال هو أمر واقع محمي بالدستور.
وينص الدستور اللبناني صراحة أنه في حال الشغور في منصب رئاسة الجمهورية، فإن صلاحيات الرئيس، تناط وكالة بمجلس الوزراء، وذلك يعني أن مجلس الوزراء الموجود يصبح هو الوكيل بنص دستوري، دون أن يغير ذلك بشكل هذه الحكومة وكيانها الدستوري، سواء أكانت حكومة عادية أم حكومة مستقيلة.
وعلى الرغم من كل ما شهدته ولايته الرئاسية من انهيارات، أعلن "عون" أن مغادرته كرسي الرئاسة "لن تعني نهاية مسيرته السياسية".
وتجمع العشرات من أنصار عون أمام قصر بعبدا لتوديعه، مرتدين اللون البرتقالي المرتبط بالتيار الوطني الحر الذي يتزعمه، وحملوا صوراً له عندما تولى رئاسة البلاد، وأيضاً عندما كان قائداً للجيش قبل عقود.
وفي كلمة وداعية ألقاها أمام حشد من مؤيديه في باحة القصر، قال "عون" وقد بدا عليه الإرباك والتأثر: "صباح اليوم، أرسلت رسالة إلى مجلس النواب وقعت فيها مرسوماً يعتبر الحكومة الحالية (برئاسة نجيب ميقاتي) مستقيلة".
وزاد: "اليوم نهاية مرحلة، لكن هناك نهاية مرحلة ثانية تبدأ اليوم، وهي مرحلة النضال، ذلك إني تركت خلفي وضعاً يحتاج نضالاً وعملاً".
وقال عون مخاطباً المؤيدين: "البلد مسروق، وهذا عمل يحتاج مواقف وجهود لنقتلع الفساد من جذوره".
وتابع: "اليوم ليس وداعاً، إنما نهاية مهمة".
وتساءل "عون": "من يحمي حاكم المصرف المركزي الذي لم نتمكن من إيصاله للمحكمة؟، من يحميه؟، من شريكه؟".
وأضاف: "إنها المنظومة الحاكمة منذ 32 عاماً، التي أوصلتنا إلى هنا.. وهذا يعني أن البلد يحتاج إلى إصلاح وفي طليعة ذلك إصلاح القضاء".
ولطالما أثارت شخصية "عون" الانقسامات بين مؤيد ومعارض، على الصعيدين المسيحي والوطني في لبنان، ذلك أن العديد من المسيحيين يؤيدونه باعتبار أنه "المدافع عن حقوقهم" في ظل النظام الطائفي الذي يحكم لبنان، فيما يتهمه آخرون بالفساد وبتغطية سلاح "حزب الله" ما مكّن الأخير من التحكم بمفاصل الدولة اللبنانية، وبقرار الحرب والسلم.
وانتخب "عون" رئيساً للجمهورية في عام 2016، بدعم من "حزب الله" ومن خصمه السياسي التاريخي في الشارع المسيحي "سمير جعجع" رئيس "حزب القوات اللبنانية"، في تفاهم تسلم بنتيجته رئيس "تيار المستقبل" (المستقيل من العمل السياسي حالياً) "سعد الحريري" رئاسية مجلس الوزراء.
وشهدت رئاسة "عون" الكثير من المحطات والتوترات والأزمات، بدأت في عام 2017، عندما تسلل مسلحون من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى بعض المناطق اللبنانية المجاورة لسوريا، حيث درات معارك عنيفة تمكن الجيش اللبناني في نهايتها بالقضاء عليهم (المسلحين) في عملية عرفت بـ"فجر الجرود" وتمت بدعم ميداني من "حزب الله".
كما تم في عهد "عون" وضع قانون انتخابي جديد في عام 2018، أجريت على أساسه انتخابات أعادت انتاج معظم الطبقة السياسية المسؤولة عن انهيار لبنان.
واختتم "عون" ولايته الرئاسية بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل بوساطة أمريكية، في محاولة لتحقيق "إنجاز سياسي واقتصادي" قبل رحيله.
أما أسوأ المحطات في عهد "عون"، فتجلت في انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة أكثر من 220 شخصاً.
وقال "عون" في وقت لاحق إنه كان "على علم" بالمواد الكيماوية المخزنة هناك، وأحال الملف إلى سلطات أخرى لاتخاذ إجراءات، إلا أن عائلات الضحايا قالت إنه "كان يجب عليه فعل المزيد".
من جانبه، اتهم البطريرك اللبناني الماروني "بشارة الراعي"، النواب والسياسيين، بالمسؤولية عن الفراغ الرئاسي، مع انتهاء ولاية "عون" دون انتخاب خليفة له.
وقال "الراعي" في عظة الأحد: "لو وُجدت ذرة من الرحمة والعدالة لدى المسؤولين السياسيين، لما أمعنوا في هدم مؤسسات الدولة تباعاً وصولاً إلى رئاستها، التي هي فوق جميع الرئاسات والمؤسسات، فأوقعوا هذه الرئاسة العليا والأساسية في الفراغ، إما عمداً، وإما غباوة، وإما أنانية".
وغادر "عون" القصر الجمهوري في بعبدا، قبل انتهاء ولايته الدستورية منتصف ليل الإثنين، مسلما كرسيه الرئاسي للفراغ في بلد عملته المحلية منهارة، وارتفعت فيه نسب الفقر خلال إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم، وفق البنك الدولي.
وينازع اللبنانيون منذ 3 أعوام تحت وطأة أزمة اقتصادية، وصل معها مستوى الفقر في البلاد إلى حدود قياسية، وارتفعت معها معدلات البطالة إلى عتبة الـ40%، فيما تتدهور نوعية حياة اللبنانيين وقدرتهم الشرائية بفعل انهيار العملة المحلية أمام الدولار.
وينتظر لبنان مساعدة دولية، هي رهن بقدرة لبنان على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه من قبل الجهات المانحة والممولة وأبرزها صندوق النقد الدولي.
فيما لبنان لا يزال بعيدا عن تحقيق تلك الشروط، ويحتاج إلى ورشة عمل تشريعية تنفيذية تتطلب بدورها استقرار سياسي وانطلاق بمسار النهوض في البلاد، وسط شحن وانقسامات سياسية لا توحي بسهولة الوصول إلى هذه الوضعية.
ويزيد الفراغ الرئاسي والنزاع السياسي الجديد من الانعكاسات على الواقع المعيشي والأمن الاجتماعي للبنانيين.
ويرى مراقبون أن الفراغ يمكن أن يؤدي بلبنان إلى اضطرابات غير محسوبة، كالفوضى الاجتماعية التي قد تدفع الجميع مجبرين نحو تسوية مبكرة سابقة للتسوية الإقليمية، بكونه ليس مطلوبا انهيار الوضع اللبناني نهائيا، خاصة في ظل مشاريع الغاز الواعدة في دول الحوض الشرقي للمتوسط.
فيما المناخ المقبل على لبنان ينم عن نية تغيير وظيفته من ساحة تصفية حسابات إلى ساحة خالية من خطوط التماس الداخلية.
لذا فإن انهار الوضع الاجتماعي في لبنان مع انعكاسه على الواقع الأمني بمشاكل غير مخطط لها قد تنتج عن ذلك، سيكون عامل ضغط على الخارج لإنجاز تسوية خاصة بلبنان.