- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
غزة: استئناف المجزرة
في نهاية اليوم الثالث للحرب بعد الهدنة، أعلن الجيش الاسرائيلي أنه شنّ 10 آلاف غارة جوية على قطاع غزة منذ بداية الحرب. الحرب مستمرة على جميع الأصعدة، القتال الأشرس هو ذاك الذي يخاض ضد الحياة، وهذه حرب لا تتوقف خصوصاً حين يكون عنوانها الجوع.
في مساء اليوم الـ 57 للحرب، وبعد القصف الذي ألحق ضرراً كبيراً بمعصرة الزيتون قرب منزلنا، واجهت موقفاً لا يُحسد عليه إنسان. اتصلت صديقة من الأردن وقالت لي إن شقيقها وأولاده الذين نزحوا من مدينة غزة إلى مدينة رفح، أصيبوا في قصف منزل عائلة (البواب) في حي الجنينة شرق رفح، حيث أسكن الآن، وتريد الاطمئنان عليهم. بمجرد أن ذكرتْ اسم شقيقها كنت أعرف أنه استُشهد، وأن أولاده أصيبوا إصابات متوسطة. فقلت لها، “سأسأل في المستشفى وسأردّ عليكِ”.
لحظتها توقّفت عن التفكير، فماذا سأقول لها؟ موقف صعب أن نخبر أصدقاءنا عن موت عزيز. في اليوم التالي، أعادت الصديقة الاتصال وكانت قد علمت أن شقيقها استشهد، وأن زوجته وأولاده أصيبوا ولكنهم بخير. طلبت المساعدة للبحث عن ابن شقيقها البالغ خمسة أعوام، فهو مفقود ولا يعلمون مكانه، ولم يجدوه في المستشفى. بعد ساعات من البحث، وجدوه جثة نتيجة القصف.
منذ انتهاء الهدنة المؤقتة، شنّ الجيش الإسرائيلي هجمات شرسة. فخلال الأيام الثلاثة الماضية، لوحظ أن قصف المنازل يتم بإسقاط صاروخين لكل منزل لإحقاق تدمير واسع. مساء الأحد، ارتكب الجيش الإسرائيلي مجزرة جديدة في حي الجنينة شرق رفح، في قصف منزل فوق رؤوس ساكنيه، قضى فيه 15 فلسطينياً وأصيب نحو 100 آخرين كانوا في معصرة الزيتون، نتيجة سقوط ركام المنزل عليهم.
فجراً، قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منزلاً قريباً حيث أقيم في حي الجنينة، ما أحدث انفجاراً مرعباً هز أركان الحي، ولم يتضح عدد الضحايا كون المنزل يضم أعداداً كبيرة من أصحابه والنازحين أيضاً.
هذا ما تعيشه رفح التي اعتبرها الجيش الإسرائيلي ملجئاً إنسانياً، أُجبر أهل خان يونس على النزوح اليها.
جنوب غزة كشمالها؟
أجبرت إسرائيل سكان غزة وشمالها، على النزوح تحت القصف الجوي إلى جنوب القطاع، بحجة أنها ستنفّذ عملية برية في شمال القطاع. وهي مستمرّة حتى الآن في قصف جنوب القطاع بكثافة وقتل المئات.
كما وزّع الجيش الإسرائيلي بيانات تحذير من الجو تطالب سكان خان يونس، كونها منطقة قتال خطيرة، بالنزوح الى رفح. والمنشورات التي وزّعها يظهر فيها تقسيم جنوب قطاع غزة إلى مئات الأجزاء، وتجبر السكان على النزوح من مكان إلى آخر، من دون سابق إنذار تقريباً، كما أن المنشورات والإعلانات التي تحدثت عن ملاجئ آمنة هي محض كذب ومجرد دعاية واستجابة للطلب الأميركي بحماية المدنيين والإدعاء أنها تعمل وفق القانون الدولي.
هرب الناس من خان يونس إلى رفح، وخلال يومي السبت والأحد الماضيين شاهدت وتحدثت مع نازحين كثر، وتلقيت اتصالات من أصدقاء لمساعدتهم في البحث عن أماكن للسكن، والنازحون من خان يونس هم في غالبيتهم نازحون من مدينة غزة والشمال.
مشاهد الهاربين من خان يونس الى رفح موجعة وتدمي القلب، وهناك أعداد كبيرة من النازحين، وهم في غالبيتهم نزحوا سابقاً من غزة الى خان يونس، وهذه المرة الثانية التي يهربون فيها.
أمام مراكز الإيواء المزدحمة، يتكدّس الفلسطينيون جراء عدم قدرة تلك المراكز على استيعاب أعدادهم الكبيرة، مثل “مدرسة القدس الثانوية للبنات’ في وسط رفح، والتي نشرت إعلاناً عن فتح مركز إيواء في تل السلطان الحي السعودي، وذلك لعدم قدرتها على استيعاب أعداد إضافية، نظراً الى الازدحام داخل المركز، الذي أقامته مديرية التعليم في رفح، ولا يقع تحت مسؤولية أونروا، بل هو مكان للإقامة فقط من دون تقديم أي مساعدة، باستثناء بعض المؤسسات الخيرية التي تقدّم للنازحين وجبات طعام ومياه.
هذه بعض من معارك البقاء اليومية التي خلقتها إسرائيل، فيما لا تحقّق أي إنجاز عسكري أو أمني. هي لا مبالاة تامة بحياة الفلسطينيين في قطاع غزة.
في نهاية اليوم الثالث للحرب بعد الهدنة، أعلن الجيش الاسرائيلي أنه شن 10 آلاف غارة جوية على قطاع غزة منذ بداية الحرب.
الحرب مستمرة على جميع الأصعدة، القتال الأشرس هو ذاك الذي يخاض ضد الحياة، وهذه حرب لا تتوقف خصوصاً حين يكون عنوانها الجوع.
قبل ثلاثة أسابيع، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” عن آلية لتوزيع الدقيق على الفلسطينيين اللاجئين والمواطنين، وحددت مواعيد للتوزيع حسب حجم العائلة وعدد أفرادها.
وهذه أيضاً معركة جديدة في غياب التنظيم والصبر، إذ يصطفّ الناس طوابير طويلة تبدأ من ساعات الفجر الأولى لاستلام الطحين، وبعضهم يمكث ساعات طويلة في الانتظار وسط مشاهد البؤس والإحباط والغضب، وأحيانا الشعور بالإهانة لشعب بكامله. فما يحصل له أمر غير مسبوق لجهة محاولات الإخضاع والإذلال، بالركض من أجل البقاء على قيد الحياة، والانشغال عن الدفاع عن المشروع الوطني والحق بالحرية وتقرير المصير.
في إسرائيل وفي ظل الضغط الأميركي، كما تنقل وسائل الإعلام، بضرورة زيادة كميات المساعدات الإنسانية، تدّعي إسرائيل أنها لا تمانع في ذلك، لكن في الحقيقة أدخلت إسرائيل خلال يومي السبت والأحد، أي بعد انتهاء الهدنة، 150 شاحنة مساعدات وشاحنتي وقود فقط وفق الهلال الأحمر الفلسطيني.
المساعدات الإنسانية بالنسبة الى إسرائيل والرئيس الأميركي جو بايدن أيضاً، ليست بالضرورة لسد احتياجات الناس من سلع وبضائع، وإنما للحد من التجويع والعطش وانتشار الأوبئة كي لا تنتقل الى الجنود الإسرائيليين المقيمين في الدبابات، وتمنعهم من الاستمرار في حرب الإبادة.
المستشار الإعلامي والمتحدث باسم “أونروا”، عدنان أبو حسنة، قال إن الاحتياجات هائلة، لا سيما مع دخول فصل الشتاء الذي يتطلب توفير الملابس والأغطية بكميات كبيرة، إضافة إلى الأدوية والوقود. وهناك تخوف من انتشار الأمراض، إذ إن الأمراض المعوية انتشرت بمعدل 4 أضعاف ما كانت عليه سابقًا، كذلك زادت الأمراض الجلدية ثلاثة أضعاف، إضافة إلى تقارير عن انتشار التهاب الكبد الوبائي، وهذا كله ستكون له عواقب وخيمة بسبب الازدحام وعدم توافر المياه النظيفة.
ما يدخل من مساعدات إلى القطاع هو نقطة في بحر الاحتياجات الإنسانية، سواء ما قبل الهدنة المؤقتة أو بعدها.
منذ أيام قليلة، توفي عبد الخالق، أحد أقربائي، في نهاية الخمسين من عمره إثر نوبة قلبية حادة، وهو يسكن وعائلته في حي تل السلطان غرب رفح، والمفروض أن يُدفن في مقبرة تل السلطان، لكنهم أخبرونا أن المقبرة ممتلئة ولا يوجد مكان فيها. وحتى كتابة هذا المقال، لم يكن قد حُدِّد مكان الدفن وفي أي مقبرة سيُدفن.
في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، عُقدت قمة المناخ في دبي، فيما لم تعد غزة صالحة للحياة، فعن أي مناخ ستبحثون في كل هذا الدمار والأسلحة والصواريخ المحرمة التي تنبعث منها الغازات، وتؤدي الى تدمير البنية التحتية ومحطات الصرف الصحي التي تضخّ في البحر وشوارع القطاع؟.
https://daraj.media/114323/