فؤاد بكر يكتب:في كواليس مخطط تهجير الفلسطينيين

profile
فؤاد بكر رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • clock 29 يناير 2025, 10:18:12 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

لا يمكن النظر إلى مخطط ترامب بتهجير الشعب الفلسطيني من غزة والضفة الغربية كما هو الحال في خطابه امام رغباته بشراء غرينلاند الدنماركية، او دمج كندا بالولايات المتحدة الاميركية، او السيطرة على قناة بنما وخليج المكسيك، إذ ان مخطط تهجير الفلسطينيين يطرح بجدية عالية، ويجرى التحضير له من خلف الكواليس لنقل سكان غزة الى مصر، والضفة الغربية إلى الاردن، من خلال الاتصالات التي حصلت بين دونالد ترامب ونظيره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الاردن الملك عبد الله، والاتصالات السرية مع دول اخرى مثل البانيا، اندونيسيا، وبعض الدول في منظمة التعاون الاسلامي، لاسيما مع المملكة العربية السعودية . 
 

ترامب بين ولايتين  
في عهد ولاية ترامب الاولى الممتدة من العام 2016-2021، قام بتغيير المعادلات التي رسخها الفلسطينيون ،والتي كانت تؤكد على عدم قيام اي تسوية اقليمية دون ايجاد حلول للقضية الفلسطينية ،اذ قوض دونالد ترامب هذه المعادلة عندما فرض صفقة القرن عام 2020، ومن خلال نقل السفارة الاميركية الى القدس، واعترافه بأن القدس عاصمة اسرائيل، وضم الجولان السوري المحتل عام 1967 للسيادة الاسرائيلية، كما مضى بتوقيع اتفاقيات ابراهام والتي هي عبارة عن معاهدات واتفاقيات لتطبيع العلاقات مع اسرائيل، مع البحرين ،الامارات، المغرب، والسودان، واقامة تحالف عسكري تحت عباءة ما يسمى بالسلام الاقتصادي . 
ومع ولايته الجديدة، ومنذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني 2025، أعاد طرح موضوع تصفية القضية الفلسطينية، من بوابة رغبته بالحصول على جائزة نوبل للسلام، ووقف الحروب في هذا العالم، وهذه المرة أيضا على حساب الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف والمنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية والتي منها اقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس وتقرير المصير والعودة بموجب القرار 194.  


تحركات دبلوماسية سرية:  
بدأت الادارة الاميركية الجديدة ومعها دبلوماسيون اسرائيليون بشكل سري البحث بشكل جدي حول رؤية ترامب بتهجير الفلسطينيين، ويتواصلون مع بعض العواصم العربية لتمرير هذا المخطط والضغط عليهم بشكل كبير ،من بوابة استقبال الفلسطينيين كلاجئين انسانيين لفترة قصيرة، لحين اعادة اعمار غزة، واخضاع حركة حماس لتقديم تنازلات سياسية مستقبلية، حيث تتراوح مدة استقبال الفلسطينيين بين ستة اشهر وعام ،وعودتهم الى قطاع غزة عام 2026، لحين اعادة اعمار قطاع غزة، وتضمر الخطة بشكل غير معلن، عدم عودة الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم، كما حصل عام 1948 حيث كان خروجهم بشكل مؤقت ولم يعودوا الى الان رغم كل القرارات الدولية . 


وبحسب معلومات دبلوماسية، تتواصل اسرائيل مع بعض الدول لاستقبال الفلسطينيين كلاجئين، وتحديدا مع البانيا واندونيسيا ،وتعاود طرح ما جاء في صفقة القرن عام 2020، حول دمج اللاجئين الفلسطينيين المهجرين عام 1948 بالدول التي استقبلتهم مثل لبنان، وسوريا والاردن ،كما فتحت اسرائيل حوارا مع بعض الدول في منظمة التعاون الاسلامي لتوطين 5 الاف لاجئ فلسطيني كل عام على مدار عشرة سنوات بما معدل 50 الف لاجئ فلسطيني . 


وتسعى اليوم ادارة ترامب التواصل مع المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل، والتنازل عن شروطها المتعلقة بحل الدولتين والمبادرة العربية للسلام، وبحسب معلومات من بعض المقربين من صناع القرار في المملكة العربية السعودية ،تشير ان السعودية أصبحت مرنة في التعاطي مع المبادرة العربية للسلام تحت ذريعة انه لا يمكن تطبيقها دفعة واحدة، وانما بشكل متدرج، وبدءا من التطبيع مع اسرائيل، لفتح حوارات وافاق سياسية متعلقة بالقضية الفلسطينية . 


معضلة اعادة الاعمار:  


عادت الادارة الجديدة لترامب الى سابق عهدها في الولاية السابقة، لممارسة الضغط الاقتصادي على السلطة الفلسطينية، وقطعت المساعدات والدعم المتعلقة بالمشاريع الاميركية التنموية في الضفة الغربية، وستستخدم ملف اعادة اعمار قطاع غزة كسلاح لمواجهة به حركة حماس، والضغط عليها لعدم اعادة سلطتها على قطاع غزة، وذلك من خلال المماطلة بملف اعادة اعمار، واحتجاز الاموال وتبرعات الدول، ومنعهم من تحويلها لقطاع غزة، والتحكم بصندوق اعادة الاعمار الذي يجهز اليوم من بعض الدول الاوروبية وبعض الانظمة العربية الرسمية، التي ترفض بقاء حركة حماس بإدارة قطاع غزة . 
وبحسب تقديرات الخبراء التقنيين، يحتاج قطاع غزة الى سنوات لاعادة الاعمار، ولمحو اثار العدوان الاسرائيلي، وازالة ركام المباني المهدمة، وبذلك تتذرع ادارة ترامب الجديدة من بوابة فتح اللجوء الانساني للفلسطينيين في قطاع غزة لمدة 6 اشهر، مع علمها ان اعادة الاعمار يتراوح لمدة 8 سنوات في حال قد بدأ ،واذا لم يواجه عراقيل سياسية وحظر التمويل . 


السيناريوهات المحتملة:  
يتجلى مشهد عودة الفلسطينيين في قطاع غزة من معبر نتساريم الى ديارهم وبيوتهم المدمرة، والتي هي عبارة عن مدى ارتباط الشعب الفلسطيني بأرضه رغم كل الدمار والخراب، الامر الذي حطم وهم النصر المطلق الذي تحدث عنه نتنياهو، حيث حققت حماس بخطوة تكتيكية متعلقة بالاسيرة الاسرائيلية اربيل يهود نجاحا على المدى الاستراتيجي، والتي هي عودة سكان شمال غزة، حيث اصبح من الصعب على اسرائيل استئناف الحرب، حتى لو انهار اتفاق وقف اطلاق النار في الاسابيع الستة الاخيرة، ومع عدم تفتيش المدنيين السائرين على الاقدام عبر معبر نتساريم . 
كما ان تجدد الحرب لم يعد بيد نتنياهو او سموترتيش المعارض لاتفاقية وقف اطلاق النار ،بل بيد ترامب وحده، الذي يريد اخراج اسرائيل من الهزيمة العسكرية وتحويلها الى انتصار سياسي بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، واستكمال مخطط ضم الاراضي الفلسطينية، والتطبيع مع الدول العربية وتحديدا مع المملكة العربية السعودية، وتقويض حل الدولتين، حيث ان الصفقة الحقيقية ستكون هذه المرة اميركية – سعودية – اسرائيلية . 
الدور الفلسطيني الغائب:  
يحاول ترامب استبدال ابادة الجنس البشري الفلسطيني التي مورست ضد الشعب الفلسطيني الى ابادة سياسية ،وهذه المرة ليس فقط ضد السلطة في قطاع غزة، وانما ايضا ضد السلطة الفلسطينية في رام الله، والتي تحاول من خلال حصار مخيم جنين ومواجهة المجموعات المسلحة في الضفة الغربية ان تقدم اوراق اعتماد للادارة الاميركية الجديدة، لتحافظ على موقعها السياسي، وتمنع انهيارها . 


وفي ظل غياب استراتيجية وطنية فلسطينية موحدة، يبقى مشروع دونالد ترامب قائما، ومن الصعب التصدي له، وهذا يصب أولا في مسؤولية السلطة الفلسطينية التي تمتنع عن تطبيق اعلان بكين، والدعوة لعقد اجتماع للقيادة الفلسطينية الموحدة ،وامتناعها عن تشكيل حكومة وفاق وطني تضم الجميع ،ولتتحمل مسؤولية جماعية في مواجهة المخططات الاميركية – الاسرائيلية . 


وهذا ما يتطلب جهودا دولية لمواجهة الخطر القادم على القضية الفلسطينية، بهدف اجبار السلطة الفلسطينية على تطبيق اعلان بكين، وتشكيل حكومة وفاق وطني تضم كفاءات وطنية ،تهدف الى اجراء الانتخابات الفلسطينية الشاملة، واعادة اعمار قطاع غزة، وتخطي المعرقلات الخارجية لتقطع الطريق على المشاريع الاسرائيلية المشبوهة . 
خلاصة:  
لقد أكد الشعب الفلسطيني للعالم أجمع من خلال المشهد العظيم الذي حققه خلال عودة الفلسطينيين الى شمال قطاع غزة على تمسكه بأرضه، ورفضه لمخطط التهجير رغم كل الدمار والمجازر التي ارتكبت بحقه، ومهما حاولت اسرائيل من فرض سياسات عنصرية واستعمارية ضده، سيبقى الشعب الفلسطيني يقاوم حتى الرمق الاخير، وكما يقول المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابي في كتابه التطهير العرقي ان الزيتون قد خرق الشجر الذي استوردته اسرائيل من خارج فلسطين  وزرعته بأرض الفلسطينيين لتأكيد روايتها بأنها صاحبة الارض، فإن الشعب الفلسطيني سيخرق كل هذه المخططات بإرادته ورفضه للمشاريع الكولونيالية وسياسات الامر الواقع ،وسيبتدع مقاومة جديدة كما عودنا في المراحل السابق، وسيبهر الجميع بأساليبه المتعددة .


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)