فؤاد بكر يكتب: مخططات التهجير.. كيف تعيد إسرائيل وأمريكا تشكيل المشهد الفلسطيني؟

profile
فؤاد بكر رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • clock 6 فبراير 2025, 2:13:49 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

تشكل سياسات التهجير القسري للفلسطينيين جزءا من الاستراتيجيات الإسرائيلية - الأمريكية الرامية إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية والجغرافية في المنطقة. لم تكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مجرد لقاء لمناقشة الأهداف المعلنة للحرب، مثل استعادة الأسرى الإسرائيليين أو إنجاح وقف إطلاق النار، بل تعدت ذلك إلى تعزيز مستقبل نتنياهو السياسي ومناقشة مشاريع تهجير الفلسطينيين ضمن إطار تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى.

استراتيجية التهجير القسري والتبرير الأخلاقي الإسرائيلي

تحاول إسرائيل والولايات المتحدة فرض خيارين أمام الفلسطينيين: إما التهجير وإما الإبادة الجماعية، مع تقديم الترحيل كخيار "أخلاقي" ضمن إطار اتفاقيات السلام السابقة. إذ سعت إسرائيل إلى إضفاء الشرعية على سياسات التهجير من خلال استنادها إلى سوابق تاريخية، مثل اتفاقية السلام مع مصر عام 1978 التي تضمنت ترحيل 7000 يهودي من سيناء، واتفاقية أوسلو التي أقرت ترحيل نحو 1000 يهودي، إضافة إلى خطة الانفصال التي نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون والتي تضمنت ترحيل 8000 يهودي من غزة و 600 من الضفة الغربية. 

وتتمثل الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية في تقديم التهجير كحل إنساني للفلسطينيين، خاصة مع السعي لإلغاء وكالة الأونروا التي تعد رمزا لاستمرار اللجوء الفلسطيني، وتغفل عن حقيقة ان اليهود الذي تم ترحيلهم أنهم كانوا محتلين لهذه الاراضي.

إعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية

تسعى إسرائيل إلى فرض سيطرتها على الضفة الغربية من خلال الاقتحامات العسكرية المتكررة، التي أدت إلى تشريد 15 ألف فلسطيني في جنين و 9 آلاف في طولكرم. كما تطرح مجددًا مشروع الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية الذي يشمل 90% من الضفة الغربية وقطاع غزة، مع سعيها إلى إقناع الأردن بالموافقة عليه من خلال تقديم ضمانات سياسية ودستورية تحافظ على سيادة المملكة الهاشمية.

أما بالنسبة إلى مصر، فترى إسرائيل أن بإمكانها لعب دور رئيسي في مشروع تبادل الأراضي، بحيث يمنح سكان غزة أراض بديلة عن الأراضي التي ستضمها إسرائيل، مع تعويض مصر بأراض في منطقة النقب.

يهدف هذا المشروع إلى ترسيخ حدود واضحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع الإبقاء على 80% من المستوطنات الإسرائيلية.

التطبيع الإقليمي وتأثيره على القضية الفلسطينية

ترى إسرائيل في تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية بوابة نحو تحالف إقليمي منسق يهدف إلى مواجهة إيران وإعادة تشكيل الموازين السياسية في العالم الإسلامي. كما تعوّل على هذا التطبيع في إضعاف التضامن العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية، مما قد يؤدي إلى قبول الفلسطينيين بالأمر الواقع تدريجيا والتخلي عن حقوقهم التاريخية.

البعد الاستعماري للمشروع الأمريكي

لا يمكن فصل خطة ترامب المتعلقة بتهجير الفلسطينيين عن مشاريعه الاقتصادية والاستعمارية الأخرى، مثل طموحاته في السيطرة على غرينلاند، وتدخلاته في أمريكا اللاتينية، وحروبه الاقتصادية مع كندا والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مواجهاته مع الصين وروسيا وإيران، إذ يطرح التهجير الفلسطيني تحت غطاء الإجلاء الإنساني وإعادة إعمار غزة بتمويل عربي، رغم أن هذه الاستراتيجية مكشوفة بوضوح في سياق الهيمنة الاستعمارية طويلة الأمد.

الموقف القانوني الدولي

وفقا للقانون الدولي الإنساني، فإن التهجير القسري جريمة حرب، وتنطبق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تحظر نقل السكان بالقوة. كما أن محكمة العدل الدولية أصدرت في 19 يوليو 2024 قرارا ينص على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وضرورة إنهائه، مؤكدة أن أي تغييرات ديمغرافية قسرية لن تغير من الطبيعة القانونية للأراضي الفلسطينية المحتلة.

الخاتمة والتوصيات

يواجه المجتمع الدولي اختبارًا حاسما في كيفية التعاطي مع هذه المخططات، فإما محاسبة المسؤولين عن تنفيذها، أو التساهل معها، مما قد يؤدي إلى إضفاء الشرعية على التهجير القسري باعتباره حلاً سياسييًا". وفي حال نجحت إسرائيل والولايات المتحدة في تمرير هذه السياسات، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تصعيد الصراع في المنطقة، مما قد يدفع الأردن ومصر إلى إلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل، ويعزز المقاومة الفلسطينية.

إن تمسك الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم الوطنية بشكل العقبة الأساسية أمام هذه المخططات، حيث أثبت التاريخ أن السياسات الاستعمارية لا يمكنها القضاء على إرادة الشعوب. كما أن المرحلة المقبلة قد تشهد تغييرات استراتيجية، سواء من خلال تصعيد الأوضاع ميدانيا، أو حدوث تطورات سياسية غير متوقعة مثل اغتيال نتنياهو المعرقل الأكبر أمام إنهاء الحرب وتحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)