فؤاد راشد : ندابات في ذاكرتي

profile
  • clock 21 أبريل 2021, 10:26:35 م
  • eye 962
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

ندبات غائرة في جبين ذاكرتي!

كانت السماء تمطر دون انقطاع , انتهيت من نظر الجلسة وحل علي اجهاد السفر الطويل من موطني الي مقر المحكمة في محافظة بعيدة .

نمت قبل الثامنة ليلا , وحدي في الاستراحة ..

في الرابعة فجرا  استيقظت , وحاولت أن أعود للنوم دون جدوي.

تناولت قدحا من القهوة .

فكرت في الانشغال بما يبدد الشعور بالملل , فتحت حقيبة ملابسي لأكتشف أني نسيت – علي غير ما اعتدت خلال سفري  – وضع أي كتب بها .

كان ذلك وقت أن كانت قناتي  التليفزيون الأولي والثانية تبثان وحدهما , فهما حال عملهما عندي كحال غلقهما , هما الملل مجسدا.

فكرت في النزول الي الشارع لأمشي علي شاطيء النيل وكانت الاستراحة تطل عليه , خرجت الي الشرفة فوجدت الشارع صامتا لا حياة فيه و لا صوت الا زخات المطر المتوالية مع رعود السماء وبرقها الخاطف ..

ودرت أفتح الدواليب بحثا عن كتاب نسيه زميل فلم أعثر علي شيء ..

نظرت أعلي أحد الدواليب فوجدت كومة من الأوراق تعلوها أكوام من الأتربة , أزلت بعض الكومة ونفضت التراب عنها..

ياااااااااااا فرج الله ..

رائع 

انها صور قضايا جنايات قديمة ..

قدر سخي مد يده بما يشغلني ويبدد الملل تماما , فهاهي حصة قراءة طويلة حقيقية بكر ناضرة  من صفحات الحوادث ..

ورحت أقرأ  عناوين الملفات والقي بها جانبا ,تعاطي مخدرات ,  تجارة مخدرات ,تجارة  مخدرات , سلاح دون ترخيص .. سلاح دون ترخيص . تهرب ضريبي , عاهة مستديمة ( أبقيتها ) ضرب مفضي الي موت ( أبقيتها) قتل عمد مع سبق الاصرار ( أبقيتها ) ...

أعدت كل صور الملفات حيث كانت وأبقيت معي ثلاث قضايا هي العاهة والضرب المفضي الي الموت والقتل ..

لم يعد الآن من حقي أن أشكو الملل ..

تحت يدي مادة خام كما هي , ليس لي  أن أتهم صحيفة أو صحفيا بالمبالغة أو الاختلاق في أي جزئية في القضايا ..

نفضت التراب عن الملفات ونظفتها ثم حملتها الي السرير واستلقيت تحت الغطاء وفتحت ملف جناية القتل ..

بدأت بوصف الجريمة , فوجدت القتيل طفلا عمره دون عامين  والقاتل والده .. يا ااااا  الله ..

بدأت أشعر بالندم علي فتح الملف أصلا ولست مضطرا للاطلاع عليه , والملل – مهما كان سوؤه - أقل ايذاء من الاطلاع علي التفاصيل .

ونحيت الملف جانبا , وقمت واستحممت بماء دافئ ثم حاولت النوم مرة أخري ..

اخذني الفضول واستبد بي الكدر واستولي الغم علي نفسي  , وتحول كل ذلك  الي عنصر ضاغط, لماذا أترك نفسي لهواجس شاردة معلقة  مؤلمة , والذهاب الموجع لاحتمالات تأخذني  وتشتط عن دوافع الجريمة وملابساتها ..

الم يكن الأولي أن يكون المي ذا سند واقعي ومحدد المصدر بعد الاطلاع علي تفاصيل الجريمة وملابساتها ..

ومددت يدي الي الملف وفتحته بروح مرتجفة كأني أفتح جحرا تسكنه حيات ..

الأب شاب في نحو الرابعة والعشرين ..

لايعرف أباه ولا أمه ..

 عاش منذ كان رضيعا  في ملجأ  أيتام كفله حتي عمر معين وفارقه .

فشل في الحصول علي أي شهادة دراسية , وتعثر في مهنة نقاش لقلة صبره علي العمل .

التحق بخدمة القوات المسلحة وسرعان ما لحق به نزوعه الي عدم تحمل أي مسؤولية ففر هاربا وعاش في محافظة غير التي نشأ فيها تحت اسم مستعار ..

هناك تعرف علي فتاة قروية غفيرة  تعمل في بيوت الأثرياء وعلمت ظروفه وقبلت الزواج منه .

تولت الفتاة الانفاق عليه ... برضا تام ودون تململ ..

بعد عام رزقا بطفل ..

اعتادت الزوجة الخروج اليومي للعمل مع بقائه مع الطفل.

راح الأب يتفحص يوميا ملامح الطفل ..

هل هو ابني , لكنه لايشبهني ..

أنا أسمر البشرة والطفل أبيضها ..

وأنفه ليست كأنفي ..

ما يجمعنا أن كلينا شعره مجعد ..

من أدراني أنه ابني , انها تتردد علي البيوت للعمل , ومن الممكن أن يكون الطفل ابن أحد من تولت العمل في بيوتهم .

وقرر التخلص من الطفل ..

أتي بقطعة من الخشب وثبت بها مسامير  تدخل من جهة وتبرز من الجهة الأخرى .

وراح يضرب الطفل بأسنان المسامير 

توالت صرخات الطفل حتي أن بعض الجيران سمعوا الاستغاثات ومنها صوت الطفل وهو يقول ( آآآآآآه ) كأنه رجل من هول الألم .. 

عندما كسر الجيران باب المسكن وجدوا الطفل قد أسلم الروح لبارئها ...

مررت سريعا علي أقوال الشهود .

ثم وقفت طويلا طويلا أمام  أقوال الأب ..

قرأتها مرارا , وفي كل مرة تكتسي نفسي  بالذهول وبالرعب مما طويت عليه النفس البشرية ..

ووقفت عند اجابته عن سؤال حول دافعه للقتل ..واستعصت اجابته علي عقلي وانحشرت في تلافيه فلم أقدر علي الاقتراب منها لفهمها ...

س / مادافعك للتخلص من الطفل ؟

ج  / حتي لا يلوث اسمي !!!!!

كلمات دليلية
التعليقات (0)