- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
فضيحة الوثائق السرية: أمريكا تجسست على أعدائها وحلفائها.. ومخاوف من تأثير التسريبات على مسار الحرب في أوكرانيا
فضيحة الوثائق السرية: أمريكا تجسست على أعدائها وحلفائها.. ومخاوف من تأثير التسريبات على مسار الحرب في أوكرانيا
- 9 أبريل 2023, 9:08:15 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لندن- “القدس العربي”:
قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير أعده كل من شون هاريس ودان لاموث، إن المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين بحثوا عن أساليب لفهم الطريقة التي تم فيها تسريب عشرات الوثائق السرية، والتي تغطي كل أشكال جمع المعلومات الاستخباراتية، بدون ملاحظة أحد.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين كانوا مصعوقين وغاضبين أحيانا من حجم المعلومات التي كشفت عنها الملفات التي فضحت الطريقة التي تقوم فيها الولايات المتحدة بالتجسس على الأعداء والأصدقاء على حد سواء. وجاءت الوثائق التي تحمل علامة “سري للغاية” من البنتاغون في الأعم الأغلب، وتقدم معلومات تكتيكية عن وضع الحرب في أوكرانيا بما فيها قدرات البلد القتالية. وتم إعداد معظم هذه الوثائق في الشتاء من قبل رئيس هيئة الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي، وغيره من القادة العسكريين، ولكنها كانت متوفرة لمسؤولين أمريكيين آخريين ومتعهدين لديهم تصاريح أمنية.
وتحتوي الوثائق الأخرى على معلومات من الوكالات الاستخباراتية الأمريكية الأخرى جمعتها عن روسيا ودول أخرى، وكلها تقوم على معلومات مستقاة من مصادر أمنية سرية.
تحتوي الوثائق الأخرى على معلومات من الوكالات الاستخباراتية الأمريكية الأخرى جمعتها عن روسيا ودول أخرى، وكلها تقوم على معلومات مستقاة من مصادر أمنية سرية
وتعتقد الصحيفة أن الإحاطات والملخصات تقدم صورة نادرة عن عالم التجسس الأمريكي. فمن بين الأسرار الأخرى التي كشفت عنها الوثائق، معلومات حول الأماكن التي جندت فيها المخابرات مخبرين عارفين بلقاءات لقادة العالم خلف الأبواب المغلقة، وكذا تنصت يُظهر محاولة مجموعة فاغنر الحصول على أسلحة من دولة في الناتو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية وصور أقمار اصطناعية استخدمتها الولايات المتحدة لملاحقة القوات الروسية، بما في ذلك تكنولوجيا لم يتم الكشف عنها من قبل.
وتعلق الصحيفة أن مسؤولين من عدة دول يحاولون تقييم الضرر الذي نجم عن تسريب الوثائق، وتساءل الكثيرون عن سبب تسريبها بدون ملاحظة أحد، ولوقت طويل.
واو ماو
ويبدو أن عدة وثائق سرية للغاية طُبعت ثم وضعت في باقة وتمت مشاركتها ما بين 28 شباط/ فبراير و2 آذار/مارس على منصة “ديسكورد” التي يستخدمها المحترفون والهواة بألعاب الكمبيوتر. وتمت مشاركة الوثائق من مستخدم إلى خادم يطلق عليه “واو ماو”. وتعطي الوثائق صورة عن التحضيرات للحرب في أوكرانيا خلال الشتاء، إلا أن المسؤولين لم يعرفوا عنها إلا عندما نشرت “نيويورك تايمز” يوم الخميس، بحسب أشخاص على معرفة بالأمر.
وقال مسؤولان أمريكيان، إن المسؤولين البارزين في البنتاغون، قاموا بتقييد تدفق المعلومات يوم الجمعة في رد على التسريب. وقال أحدهم إن القيود كانت مشددة وتعكس حالة الفزع داخل البنتاغون. وعبّر مسؤول استخباراتي أوروبي عن قلقه من القيود الأمريكية على تدفق المعلومات بشكل يجعلهم غير عارفين بما يجري. وتحمل معظم الوثائق رمز “NOFORN” ويعني أنه “غير مسموح للأجانب” بالاطلاع. في وقت تم السماح بمشاركة وثائق أخرى مع حلفاء أمريكا في مجموعة التجسس “العيون الخمس” التي تضم كندا، بريطانيا، أستراليا ونيوزلندا إلى جانب أمريكا. واحتوى بعضها على نشاطات تجسسية كندية وبريطانية، مما يعني أن التداعيات السلبية للتسريبات لن تقتصر فقط على الولايات المتحدة.
وقال المسؤول الثاني: “نحن بحاجة لإدارة هذا الأمر بشكل جيد دوليا ومحليا، هناك عدد من المؤسسات والوكالات المتورطة”. وفتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقا في التسريب، ورفض المتحدث باسم “ديسكورد” التعليق.
تكشف الوثائق أن الولايات المتحدة اخترقت القوات الروسية بشكل عميق، بحيث تستطيع تحذير الأوكرانيين مسبقا حول تحركات الروس وخططهم ومكامن ضعفهم وقوتهم
ولم يُعرف بعد مدى وحجم التسريبات. وقال المسؤول الأمريكي الثاني، إن ما ظهر على الإنترنت جزء من مجموعة من الملفات، لكن أحدا لا يعرف. وراجعت الصحيفة 50 صفحة من الوثائق المسربة التي تغطي كل ملمح من ملامح عمل أجهزة المخابرات الأمريكية، بما فيها وكالة الاستخبارات الوطنية ووكالة “سي آي إيه” ووكالة الاستخبارات العسكرية، ووكالات حفظ النظام والقانون، ومكتب الاستطلاع الوطني، الذي يعد من أكثر الأجهزة سرية، ويراقب مجموعة من الأقمار الاصطناعية التجسسية التي تكلف الحكومة مليارات الدولارات.
وتغطي الوثائق بشكل أساسي الحرب في أوكرانيا من ناحية تقييم مسار الحرب وإلى أين تتجه، وما هي طبيعة الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا، وهي تقييمات تسهم في تحديد قرارات إدارة بايدن وكيفية دعم أوكرانيا والرد على استراتيجية روسيا العسكرية. وفي تقييم يعود إلى 23 شباط/ فبراير، توقع المحللون الأمريكيون حرب استنزاف طاحنة في إقليم دونباس، وفشلاً روسياً في السيطرة على المنطقة بنهاية 2023. وتم دعم الوثيقة التي طُبعت بخط عريض، بصور من الأقمار الاصطناعية التجسسية والتجارية.
وحقيقة جمع الولايات المتحدة معلوماتها من مصادر مفتوحة وسرية، معروفة. إلا أن المسؤولين الأمريكيين عبّروا عن خشية من مساعدة الوثائق المسربة لروسيا في إحباط بعض منافذ جمع المعلومات. ففي نفس الوثيقة التي تعود إلى 23 شباط/ فبراير، تم ذكر مصدر المعلومات وهو “لابيس تايم- فيديو سيرز” وهو نظام أقمار اصطناعية متقدم، ويلتقط صورا جيدة للأهداف على الأرض، وربما أصبح الآن هدفا للتشويش الروسي.
وما تكشف عنه الوثائق، هو أن الولايات المتحدة اخترقت القوات الروسية بشكل عميق، بحيث تستطيع تحذير الأوكرانيين مسبقا حول تحركات الروس وخططهم ومكامن ضعفهم وقوتهم، وهذا أمر معروف، لكن لم يتم الكشف عنه بشكل علني. ففي وثيقة من صفحة واحدة، كشف الأمريكيون عن خطط وزارة الدفاع الروسية لضرب القوات الأوكرانية في موقعين، إلى جانب غارات على محطات الطاقة والجسور.
وتكشف الوثائق عن معرفة الاستخبارات الأمريكية بخطط لوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (جي أر يو) للقيام بحملة دعاية في أفريقيا لتشويه الولايات المتحدة وفرنسا تحديدا، وزرع معلومات خاطئة في الصحافة الأفريقية لتشويه أوكرانيا ورئيسها فولودومير زيلينسكي.
وتظهر الوثائق نجاحات عدة للمخابرات الأمريكية وكشفها عن مكامن الضعف الروسية، ونضوب قدرات موسكو العسكرية بعد عام من الحرب. وبعيدا عن النجاحات هذه، إلا أن بعض الوثائق قد تثير جدلا دبلوماسيا. منها محاولة شركة فاغنر الحصول على أسلحة من متعهد تركي لاستخدامها في أوكرانيا ومالي.
وأكد الرئيس الانتقالي أسيمي غويتا أن بلاده ستحصل على أسلحة من تركيا نيابة عن فاغنر. لكن التقرير لا يذكر مدى علم الحكومة التركية بالأمر، وإن صادقت على جهود المتعهد. كما تكشف الوثائق عن خطط فاغنر للاعتماد على السجناء الروس من أجل القتال في أوكرانيا. ومثل التقرير الذي يتحدث عن لقاء مسؤولي الشركة مع متعهد تركي، فالمعلومات عنه جمعت عبر “إشارة استخباراتية” أي التنصت الإلكتروني.
تظهر الوثائق المسربة متابعة أمريكا جهود إيران للحصول على أسلحة نووية. واحتوت إحاطة على مراقبة لجهود إيرانية لفحص صواريخ باليستية قصيرة المدى
تداعيات جيوسياسية
وعن التداعيات الجيوسياسية للحرب، تكشف وثيقة لـ”سي آي إيه” أن الصين ستستخدم الهجمات الأوكرانية في العمق الروسي كدليل على عدوانية الناتو، وقد تزيد الصين من مساعداتها لروسيا لو رأت أن الهجمات “مهمة”. ولم تقدم بكين بعدُ أسلحة فتاكة لروسيا، لكن هجوماً أوكرانياً على موسكو باستخدام أسلحة أمريكية ومن الناتو، سيقدم إشارة لها بأن “الولايات المتحدة مسؤولة مباشرة عن التصعيد”.
وتظهر الوثائق المسربة متابعة أمريكا جهود إيران للحصول على أسلحة نووية. واحتوت إحاطة على مراقبة لجهود إيرانية لفحص صواريخ باليستية قصيرة المدى. وهناك إحاطة تشك في قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على القيام بمراقبة أمنية للمشروع النووي الإيراني. وتقدم تقارير أخرى، صورة عن متابعة المخابرات الأمريكية لوضع البرامج النووية الكورية الشمالية.
وتحدث تقرير آخر عن نقاشات داخل مجلس الأمن القومي في كوريا الجنوبية حول طلب أمريكي لتزويد أوكرانيا بذخيرة. واقترح مسؤول في المجلس بيع الأسلحة لبولندا التي تسيطر على معظم عمليات نقل الأسلحة إلى أوكرانيا. وحاولت صحيفة “واشنطن بوست” معرفة مصدر الوثائق، حيث تتبعت مستخدما شارك صورا في شباط/ فبراير وآذار/مارس، بحسب مراجعة لمنشورات سابقة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقره في ساوث كارولينا. وكتب شخص يحمل نفس الحساب والصورة الرمزية يوم الجمعة: “وجدت بعض المعلومات من خادم سري ومررتها”، ورفض الشخص الحديث عندما حاول مراسلو الصحيفة الحديث معه، ولا أهله أيضا.
تجسس على الحلفاء
وأوردت صحيفة “نيويورك تايمز” قائلة إن الوثائق تكشف عن تجسس الولايات المتحدة على القادة العسكريين والسياسيين الأوكرانيين، حيث حاولت معرفة استراتيجيات القتال الأوكرانية. وتؤكد الوثائق أن الولايات المتحدة لديها رؤية أفضل عن الخطط العسكرية الروسية مما تعرفه عن خطط حلفائها في أوكرانيا.
ويمكن أن تؤثر الوثائق على الحرب في أوكرانيا، حيث ستعطي أجهزة الاستخبارات الروسية صورة عن الجهاز الأكبر الذي اخترقته، مما يعطي روسيا فرصة لقطع مصادر المعلومات، ومن المبكر الحديث عن هذا، إلا أن المسؤولين الحاليين والسابقين يتحدثون عن أثر على ساحة المعركة فقط في حالة سارعت روسيا واستفادت من الوثائق.
أثرت التسريبات على علاقات أمريكا مع حلفائها في الغرب الذين تساءلوا حول قدرة واشنطن على الحفاظ على الأسرار وإمكانية الحد من المشاركة الأمنية
وأثرت التسريبات على علاقات أمريكا مع حلفائها في الغرب الذين تساءلوا حول قدرة واشنطن على الحفاظ على الأسرار وإمكانية الحد من المشاركة الأمنية. ويعتقد المحللون أن عدد الوثائق المسربة قد يصل إلى 100 صفحة. وردّ المسؤولون الأمريكيون سريعا، حيث فتح مكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي آي) تحقيقا في الأمر، واعترف المسؤولون بصحة الوثائق وما فيها من إحاطات أعدتها رئاسة الأركان المشتركة.
ووصف مسؤول بارز التسريبات بأنها “خرق أمني كبير”، ومنحت الروس صورة عن الطريقة التي حصلت فيها أمريكا على المعلومات، في وقت يعترف المسؤولون بأن تحديد مصدر التسريب أمر صعب نظرا لحصول آلاف المسؤولين والمتعهدين على إذن أمني لمعاينة إحاطات الحكومة.
وتعطي التسريبات صورة عن اختراق أمريكا لكل المؤسسات التجسسية الروسية تقريبا، ومنها وثيقة تظهر طريقة استخدام “سي آي إيه” للتنصت على نقاشات وزارة الدفاع الروسية.
كما التقطت “سي آي إيه” دعوة قادة الموساد في إسرائيل للتظاهر ضد الإصلاحات القضائية، فيما نفى المسؤولون بوزارة الدفاع الإسرائيلية ما ورد في التسريب، ولم تؤكده نيويورك تايمز. وبحسب وثيقة معدلة ومؤرخة في 1 آذار/ مارس، جاء فيها أن قادة الموساد “دعموا مشاركة المسؤولين في الجهاز مع المواطنين الإسرائيليين بالتظاهر ضد مقترحات الحكومة الإسرائيلية لإصلاح القضاء، بما في ذلك تحركات واضحة لشجب الحكومة الإسرائيلية”. وتم الحصول على هذه المعلومات من خلال “إشارة استخباراتية” بحسب الوثيقة.